نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتبة نادية هناوى، تناقش فيه الدور الذى يلعبه إيلون ماسك فى تضخيم قدرات الذكاء الاصطناعى بين التهويل المبالغ فيه والتفاؤل المفرط، وتتناول فى المقابل مواقف العلماء والباحثين الذين ينتقدون رؤاه باعتبارها إما خرافات دعائية أو توقعات غير واقعية، مؤكدين أن الذكاء الاصطناعى ليس الخطر الأكبر على البشرية وإنما التوظيف البشرى الخاطئ للتكنولوجيا.. نعرض من المقال ما يلى:
يعد «إيلون ماسك» الأكثر حماسة فى تضخيم قدرات الذكاء الاصطناعى؛ فهو رجل الأعمال المستثمر فى شركات عالمية هزت القطاع التكنولوجى مثل باى بال Pay Pal وتسلاTesla، والمؤسس لسبيس إكسSpace X. وهو أيضا واحد من الداعمين لشركة Open AI المختصة بتطوير الذكاء الاصطناعى، وبخاصة نماذج ChatGPt، وإليها وجهت تهمة انتهاك حقوق التأليف والنشر.
وكان «إيلون ماسك» قد أسهم فى العام 2015 فى المجلس الاستشارى لمعهد مستقبل الحياة المختص فى رصد المخاطر الوجودية لاستعمال الذكاء الاصطناعى فى مجال الأسلحة ذاتية التحكم. وهو فى تصريحاته، غالبا ما يسعى إلى تمثيل دور العراف المتكهن بمستقبل تكنولوجيا الروبوتات ومدى قدرتها على تدمير العالم. وهذا مسلك احترف السير فيه خلال العقد المنصرم؛ فلقد أكد فى خطبة ألقاها فى معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا فى العام 2014 على أنه سيوفر شبكة إنترنت للكوكب كله من خلال آلاف الأقمار الصناعية. وحذر مرارا وتكرارا من خطورة تطوير الروبوتات بوصفها أكبر خطر يهدد البشرية، ومن أن الآلات ذاتية التحكم ستتطور بشكل مذهل وستشكل أيضا تهديدا للبشرية، وستؤدى من ثم إلى نهاية الجنس البشرى على الأرض، وإلى اكتظاظ سكانى على سطح المريخ، وأن كائنات فضائية فائقة الذكاء ستقوم بزيارتنا.. وهكذا دواليك.
ومن المفارقة أن تكون لماسك تصريحات أخرى فى اتجاه مخالف ينطوى على تفاؤل مفرط بما سيحققه الذكاء الاصطناعى مستقبلا من رفاهية غير مسبوقة للبشر، وسفر متاح فى الفضاء الخارجى.
• • •
غير أن ثمة مجموعتين من علماء الذكاء الاصطناعى، بعضهم مدراء شركات، يسخرون من التصريحات التخويفية والتفاؤلية التى يطلقها إيلون ماسك. المجموعة الأولى مناوئة له بشكل علنى. يقول إندرونج، وهو عالم حاسوب ويعمل فى عملاق الإنترنت «بايدو» فى الصين: «إن القلق بشأن الذكاء الاصطناعى يشبه القلق بشأن الاكتظاظ السكانى على المريخ. وأحد مشروعات إيلون ماسك الشاطحة هو جعل كوكب المريخ آهلا بالسكان». وتذهب الباحثة فى الذكاء الاصطناعى «مارجريت إيه بودين» إلى أن «الرؤى شبه المروعة لمستقبل الذكاء الاصطناعى وهمية». وينطلق «لارى بيج» من شعار جوجل Google (لا تكن شريرا) ليؤكد أن الحياة الرقمية لن تدمر كل شىء. وعد بيج تصريحات إيلون ماسك كلاما ينم عن تحيز ضد النوع، لأنه ينظر إلى بعض أشكال الحياة على أنها أدنى، لمجرد أنها تعتمد على السليكون بديلا من الكاربون.
ويعد «ماكس تيجمارك»، مؤسس «معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا MIT» من أكثر المناوئين للدعايات الإعلانية التهويلية والتصريحات التخويفية التى يطلقها إيلون ماسك، مؤكدا أن فى التنبؤات التقنية بالذكاء الاصطناعى خرافات شعبية كثيرة، وأن التاريخ كشف عن فشل ذريع فى بلوغ الذكاء الاصطناعى مستوى يفوق مستوى ذكاء البشر. وفند فكرة أن تكون للآلات أهداف، بالقول: «إن المبرمجين يشربون مشروب الطاقة «ريد بول" حين يقررون إطلاق الذكاء الاصطناعى على المستوى البشري. وإن وسائل الإعلام جعلت النقاش حول سلامة الذكاء الاصطناعى يبدو أكثر إثارة للجدل مما هو عليه فى الواقع».
شياطين مارقة
وتناوئ المجموعة الثانية إيلون ماسك بشكل مبطن، ويمثلها علماء وفلاسفة يدحضون فكرة تفوق الذكاء الاصطناعى على الذكاء البشرى، فقد استبعد «مارك زوكربيرج»، مؤسس فيسبوك، أن يكون للذكاء الاصطناعى مستقبل خطير. وأعرب «رودنى بروكس»، وهو رائد من رواد الذكاء الاصطناعى، عن انزعاجه من تصوير الصحف للروبوتات على أنها شياطين مارقة. أما «توبى والش»، وهو باحث مختص فى الذكاء الاصطناعى، فيرى أن تمكن الذكاء الاصطناعى من مضاهاة البشر فى جميع المهام أمر يحتاج إلى وقت طويل، وأضاف: «لا يمثل الذكاء الاصطناعى فى رأيى، أو فى رأى العديد من زملائى المختصين فى الذكاء الاصطناعى على ما أعتقد، أكبر تهديد يواجه البشرية اليوم. أعتقد أنه قد يتعذر أن يحتل واحدا من المراكز العشرة الأولى التى تهدد البشرية. وأكد أيضا أن للذكاء الاصطناعى تأثيرا كبيرا فى نظرتنا إلى أنفسنا وإلى ما يمكننا القيام به، وذلك حين يكون مكملا لنا؛ فنحن الذين نمثل شكل الحياة الوحيد القادر على جعل عالمنا المرصود ينبض بالحياة فى المستقبل». وبين والش أن لا اتفاق بين الباحثين على قدرات الذكاء الاصطناعى، وحذر من سيناريوهات مستقبل الذكاء الاصطناعى، إذ إنها «تنطوى كلها على عناصر مرفوضة، يغدو مهما معها مواصلة المحادثة حول أهدافنا المستقبلية وتعميقها حتى لا ننجرف أو نتوجه عن غير قصد فى اتجاه مؤسف». وضرب مثلا عن «دودة ستنكست» (وهى دودة حاسوبية خبيثة تصيب نظام الويندوز) فى كلامه على الآلات ذاتية التحكم وأضرارها حين لا تكون مصيبة فى توجهاتها. ففى الوقت الذى تسببت فيه هذه الدودة فى إصابة أجهزة الطرد المركزى فى برنامج التخصيب النووى الإيراني، فإنها قامت بتحطيم نفسها. وافترض أنه إذا انقرضت البشرية فالأمر يكون بسبب غير الذكاء الاصطناعى، كأن يكون سقوط كويكب أو حرارة خارقة للشمس.
ووجه والش اهتمامه نحو تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة حول التنبؤ غير الدقيق بمستقبل علوم الذكاء الاصطناعى، مؤكدا أن التهديد المستقبلى ليس فى الذكاء الاصطناعي، إنما فى ما نصنعه بأيدينا ويؤذينا مثل قنابل الليزر ووسائل التواصل؛ فالمخاوف إنما تأتى من مكان ما فى أعماق أنفسنا، تلك هى المخاوف التى عبرت عنها بعض القصص مثل قصة بروميثيوس الإله الإغريقى الذى أعطى الرجل النار، وصارت النار لاحقا سببا فى الكثير من الخير والكثير من الشر أيضا.
وناهض المفكر الأمريكى «هيوبرت دريفوس» (1929 - 2017) فكرة سيطرة الذكاء الاصطناعى على العالم بمقالته المهمة «الكيمياء والذكاء الاصطناعى»، والتى طورها فى ما بعد إلى كتاب بعنوان دال هو «ما لا تستطيع الحواسيب فعله what computer can't do»، الصادر فى العام 1972، والذى قام دريفوس بتعديل عنوانه فى الطبعة الثانية فى العام 1992 ليكون «ما لا تزال الحواسيب لا تستطيع فعله what computer still can't do». ولا تزال اعتراضات دريفوس صائبة وتعكس الكيفية التى يمكن لوجهات النظر أن تتعارض مع الآراء العلمية.
وعلى الرغم من أن عالم الفيزياء «ستيفن هوكينج»، صاحب نظرية كل شىء، قد أكد «أن صعود الروبوتات قد يكون كارثيا على البشر»، إلا أنه نفى ذلك فى سيرته الذاتية المنشورة بالإنجليزية فى العام 2013، كما نفى التصورات المستقبلية التى قيلت منذ زمن مضى، ولم تتحقق إلى الآن، ومنها السفر عبر الزمان، بقوله: «لست أظن أن السفر عبر الزمان سيكون ممكنا فى يوم من الأيام. ولو حصل هذا الأمر فسيجتاح الإرهابيون القادمون إلينا من المستقبل زماننا الراهن». وافترض أن لو كان هذا السفر ممكنا، فإنه سيقتضى وجود ثقوب دودية هى عبارة عن تراكيب أسطوانية افتراضية فى بنية الفضاء. ولكن لا وجود للثقوب الدودية فى الحقيقة. ومن ثم تكون فكرة السفر عبر الزمان والعودة الى الوراء محض خيال. وتساءل بتهكم: «ما الذى سيحصل لو أنك ذهبت فى الزمان نحو الماضى وقتلت جدك قبل أن يأتى والدك إلى الوجود؟ هل ستكون أنت موجودا بعد هذه الحادثة فى الزمن الحاضر؟ لو كان الجواب لا، لن تكون موجودا أصلا إذا لكى تذهب الى الماضى وتقتل جدك».
ولا شك فى أن الترويج الدعائى الذى يقوده إيلون ماسك وغيره من منتجى الذكاء الاصطناعى سيستمر، وبوتيرة متصاعدة، لا لشىء إلا لجنى الأرباح. ولهذا كله مردوداته المهمة فى حصد المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية.
النص الأصلى: