الطبقة السياسية اللبنانية كمشكلة دولية.. لن يساعدوكم كى تساعدوهم أيها السيد الوزير - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطبقة السياسية اللبنانية كمشكلة دولية.. لن يساعدوكم كى تساعدوهم أيها السيد الوزير

نشر فى : الأحد 12 يوليه 2020 - 9:50 م | آخر تحديث : الأحد 12 يوليه 2020 - 9:50 م

نشرت صحيفة النهار اللبنانية مقالا للكاتب جهاد الزين... نعرض منه ما يلى:
ما قاله وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان أمام مجلس الشيوخ الفرنسى يعكس وعيا أكيدا بكون الطبقة السياسية اللبنانية بكاملها غيرَ قابلة بالإصلاح وعصيَة عليه. ما قاله الوزير الفرنسى بديبلوماسية هو حتما الجزء الظاهر من جبل التعامل الدولى مع لبنان. الوضع معقد جدا: دعك من الصراع الأمريكى والخليجى مع إيران، فمعضلة فساد الطبقة السياسية اللبنانية هى مسألة قائمة بذاتها. المشكلة التى على الغرب أن يحاول معالجتها، ولا نعرف ولا يعرف هو كيف، هى أن واشنطن وبرلين وباريس فى صراعها مع إيران فى لبنان تتحالف مع سياسيين فاسدين أى مع جزء من هذه الطبقة ضد الجزء الآخر الذى يسيطر عليه حزب الله. هكذا وبمعزل عن القوى النخبوية الإصلاحية التى قادت حراك 17 تشرين فإن الصراع الأمريكى الإيرانى حين يلجأ إلى قوى سياسية لبنانية يصبح المشهدُ صراعَ حلفاء فاسدين مع حلفاء فاسدين. حلفاء فاسدون على الجبهتين هم جميعا تركيبة نظام وصل بالبلاد فى جميع مرافقها ــ بما فيها مرفق الإدارة المالية لأعباء الصراع مع إسرائيل ــ إلى الانهيار الكامل.
أتصور أن الغرب ينظر اليوم إلى الفساد اللبنانى، بما هو بالنتيجة مانع لإنقاذ لبنان، على أنه مشكلة مستفحلة. إذا كان الغرب صادقا(؟) فى دعم الأفكار الإصلاحية لإنقاذ الدولة اللبنانية، فإن الطبقة السياسية المتحكمة بلبنان هى إذن مشكلة دولية. لا نعرف كم يهتم الدهاء الإيرانى بالأفكار الإصلاحية اللبنانية، ولكن هذا الدهاء المنشغل بمشروع الحفاظ على مواقع نفوذ فى بعض المنطقة، ولاسيما فى مشرقها، لن يعنيه كثيرا إنقاذ دولة متهالكة لأن التهالك رغم المصاعب التى يواجهها استثمارُه الاستثنائى فى لبنان، «حزب الله»، فهو بات، أى الدهاء الإيرانى، محترفا فى التغلغل الديناميكى بين نقاط ضعف بنى الدول التى تحيط به من أفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان، ولن تضيره إدارة انهيار لبنانى، لأنه هو نفسه وُلِد كنفوذ فى لبنان خلال الفرصة التى أتاحتها له الحرب الأهلية اللبنانية، بين العام 1979 تاريخ انطلاق الثورة الإيرانية وعام 1990. الخاسر الكبير هو دائما الفكرة الإصلاحية فى وضع مأزقى كهذا تتبادل فيه حالتان مختلفتان، الموضوع الإسرائيلى والفساد، تفاعلا حمائيا يمنع التغيير أو يساهم فى تجميده.
هناك لاعب آخر يتفرج ويضرب وكأنه ينتظر انحلال كل المنطقة ليبقى وحده الدولة القوية المتماسكة فيها، هو العدو الإسرائيلى، كأن طيرانه يحرس يوميا وفى خطة استراتيجية التفتت فى سوريا والعراق ولبنان. وبمعنى ما يحرسه فى فلسطين إذا سجلنا الانقسام الجغرافى السياسى بين غزة «حماس» وضفة السلطة الوطنية الفلسطينية.
لاعبون إقليميون ثلاثة فى الواقع، هم إيران وتركيا وإسرائيل، والأخيرة هى أقواهم عسكريا واقتصاديا. الأولى أى إيران تلعب لعبة الغيريللا فى محيط قابل لكل أنواع الحروب الأهلية. والثانية تركيا الجديدة على «المهنة التفتيتية» منذ سيطر رجب طيب أردوغان وحده على السلطة وقرر، كما قال مرة وزير خارجيته (المنشق الآن) أحمد داود أوغلو لصحافى تركى مقرب منه فى بداية الانفجار السورى وقبل قليل من بدء الهجوم المنسَق تركيا على مدينة حلب، «علينا أن نذهب إلى السوق لكى نتمكن من البيع والشراء».
كما أن فى إرث السياسة الخارجية الفرنسية، عاطفة خاصة حيال البلد الذى أسسته فى الواقع، وهو لبنان، ففى إرث الوسط التركى الحاكم اليوم فى أنقرة واسطنبول مرارة عميقة دَفَنَتْها خلال القرن العشرين النخبة الأتاتوركية وأعادت إحياءها النخبة الإسلامية بقيادة الرئيس رجب طيِب أردوغان، مرارة حيال دول جنوب تركيا الحالية باعتبارها دولا كانت ولاياتٍ عربية فى الإمبراطورية العثمانية واللعب والتلاعب فيها أو فى بعضها، لا يثير أحزانا بل ربما يعيد فرض نفوذ ضائع عبر «الإخوان المسلمين»، فإذا لم ينجح الدخول السياسى العسكرى ينجح النفوذ التجارى وهو ما بقى من الأتاتوركية الراحلة.
وحدها روسيا تعيد اليوم تصويب البعد الدولى فى الصراع الإقليمى على المنطقة من خلال وجودها على الشاطئ السورى الذى أصبح قاعدة للنفوذ الروسى. وقليلون انتبهوا فى لبنان إلى معنى تمركز غير مسبوق لقوة دولية مثل روسيا قادرة على تعداد الأسماك العابرة ذهابا وإيابا بين طرابلس وطرطوس.
على هذه الخارطة وفى جزئها اللبنانى هناك دائرتان للاهتمام الغربى فى لبنان اليوم: إضعاف النفوذ الإيرانى وربما إعادة إنقاذ الدولة اللبنانية من براثن طبقة سياسية فاسدة تديرها.
تتقاطع الدائرتان لكن الأمر المحتمل أن انهيار الدولة اللبنانية قد يصبح عبئا على الغرب ولاسيما الغرب الأوروبى. سمت إسرائيل تدخلَها العسكرى فى سوريا «الحرب بين حروب». ماذا ستسمى الانهيار اللبنانى الذى يجعلها تحصد مجددا مكاسب فى الاقتصاد والثقافة والتعليم؟ فيما أضيف مخزون الغاز إلى خارطة المكاسب الإسرائيلية المحققة بينما لا يزال على جهتنا مجرد احتمال.
ينبغى طبعا التفريق بين الدائرتين. فبينما الدائرة المتعلقة بالنفوذ الإيرانى هى مصلحة غربية كبرى فإن الانهيار اللبنانى هو موضع اهتمام غربى كبير ولكنه ليس انشغالا استراتيجيا. انهيار دولة كأمر واقع أو كاحتمال واقعى ليس شأنا بسيطا فى أى منطقة فى العالم. فكيف دولة مثل لبنان مجاورة لإسرائيل وهى فى الوقت نفسه مركز تراكم ثقافى مبنى على مؤسسات عريقة وموقع تعايش دينى ومذهبى حساس. كل هذا قد لا يكون مصلحة كبرى غربية. لكن ضمن النطاق المطروح لمسألة المطالب الإصلاحية كمعيار لإعادة دعم الدولة اللبنانية فإن الطبقة السياسية هى مشكلة دولية أيا يكن حجم هذه الطبقة قاتلا للشعب اللبنانى ولنخبه المتحرِكة اليوم بدينامية فكرية وشارعية رغم ثورتها الجهيضة.
الحقيقة يريد جزء حيوى من الشعب اللبنانى أن يكون فسادُ التركيبة السياسية التى تدير الدولة، مشكلة دولية. قال وزير الخارجية الفرنسى للطبقة السياسية اللبنانية: ساعدونا كى نساعدكم.
الجواب: لن يساعدوكم كى تساعدوهم. وبالحد الأقصى لن يسمحوا لحكومة حسان دياب أن تساعدكم لتساعدوا لبنان. الفساد لا يُصلِح نفْسَه ولا نَفَسَه.
لبنان فى ورطة مصيرية. فى مأزق عميق. مأزق مأزقى؟

التعليقات