مشكلات أمريكا أكبر من أوباما - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشكلات أمريكا أكبر من أوباما

نشر فى : الأربعاء 12 أغسطس 2009 - 11:51 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 أغسطس 2009 - 11:51 م

 كتب فرانك ريتش فى صحيفة نيويورك تايمز يحذر الرئيس أوباما من شهر أغسطس، فأغسطس حسب رأيه شهر كوارث، أو شهر التخطيط لها. وأخشى أن يثبت أغسطس هذا العام أن الكاتب الأمريكى على حق، خاصة أن الشهر بدأ بالفعل ملتهبا ومثيرا للتوتر وتبدو فيه واشنطن فى حال غير طيبة.استطلاعاتها تشير إلى انحسار فى شعبية الرئيس، وقوى الضغط فيها تتحالف لإحباط خططه وتشويه سمعته، وشخصيات رئيسة فى المسرح السياسى الأمريكى قررت البقاء فى واشنطن فى هذا الشهر على غير العادة لتوجيه الحملة الناصفة لأوباما.

لم تكد تمر المائتا يوم على وصول أوباما إلى السلطة إلا وكانت فصائل اليمين الأمريكى قد استكملت استعداداتها لشن «ثورة مضادة» لكل ما يمثله الرجل الأسود، ولكل ما وعد بتغييره أو بإصلاحه. رأينا خلال الأيام الأخيرة بعضا من أسوأ ما فى ترسانة السياسة الأمريكية من أسلحة رخيصة، رأينا التآمر لتخريب ما أنجز على قلته والكذب لتشويه السمعة والتزييف للانتقاص من الشرعية والإفساد بالمال وبغيره لتشكيل تحالفات داخل الكونجرس وخارجه بهدف تعطيل المشاريع والبرامج، ورأينا ما هو أسوأ وأخطر، رأينا محاولات إثارة فتنة عنصرية على أوسع نطاق دون الأخذ فى الاعتبار عواقبها على الأمن القومى الأمريكى وعلى مستقبل رموز الوطن والأمة، وبحلول الشهر التعيس، شهر أغسطس، كانت ساحات المعارك جاهزة للانقضاض وتوجيه ضربات قاصمة حتى على شخص باراك أوباما وتاريخه، عندئذ لم يعد يوجد شك فى نوايا التيارات المعادية ودرجة استعداداتها، وصارت واضحة ومحددة القضايا التى اختارها خصوم أوباما ليجرى حسمها قبل أن تتسارع وتتعمق وتيرة الإصلاحات والتغيير أو يستأنف الاقتصاد نهوضه ويعود العاطلون إلى العمل ويتباطأ انحسار شعبية أوباما ويبدأ الرجل فى استعادة ما فقده من شعبية.

أتصور أنه رغم ضراوة الحملة المعادية لأوباما لم يصل الأمر بعد إلى حد يسمح بوصف حالة أوباما بحالة الرئيس الواقع تحت الحصار. يحاول المعارضون دفعه بجهود مستميتة للعدول عن سياسات وبرامج كانت جوهر حملته الانتخابية، ولكن هناك ما هو أخطر، هناك محاولات لإثبات أن إدارة يرأسها رجل أسود لن تكون منصفة لمصالح الشركات الكبرى والطبقات الثرية. نعرف أن ديك تشينى كان الرجل الذى أطلق الحملة ضد أوباما مركزا على اتهام أوباما بأنه ينوى التخلى عن دور أمريكا فى قيادة العالم ضد الإرهاب.

لم يكن تشينى يسعى لكسب تعاطف الشعب الأمريكى على أجهزة الاستخبارات الأمريكية أو المؤسسة العسكرية عندما اعترض على نية أوباما إغلاق معتقل جوانتانامو والتحقيق مع عملاء المخابرات المتهمين بارتكاب جرائم تعذيب ضد المشتبه فى انتمائهم لمنظمات إرهابية، وعندما شعر بأن أوباما لن يمنع المحققين من التحقيق مع مسئولين فى البيت الأبيض فى عهد جورج بوش أصدروا أوامر اغتيال شخصيات أجنبية وشكلوا خلايا لتخطيط عمليات القتل والتخريب، كان هدفه إيقاظ الخوف فى نفوس الأمريكيين على حياتهم لأنه يعرف أنه بإثارة الخوف لدى المواطن الأمريكى استطاع الرئيس بوش تجديد ولايته لفترة ثانية، ففى ظل القوانين الاستثنائية التى طبقها الرئيس بوش وسيطرة الاهتمام بالأمن استطاعت المصالح المالية الكبرى فى الولايات المتحدة جنى أرباح طائلة من المضاربات وصناعة السلاح وشن حروب فى أفغانستان والعراق. ولا يقف تشينى وحيدا فى الساحة، إذ نشطت فى إثره قوى وجماعات ضغط متعددة لتركب موجة العداء لأوباما.

هكذا امتلأت واشنطن بتحركات قوى ومصالح مرتبط بالبنوك وقطاع الطب وصناعة الدواء لتضع نصب أعينها إسقاط مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية، باعتبار أن هذا المشروع يمثل جوهرة التاج بالنسبة لإدارة أوباما، وباعتبار أنه المشروع الذى يحترم مصالح الطبقة الوسطى الأقل تميزا والطبقات الفقيرة وأغلب أفرادها من السود من أصول أفريقية والسمر من أصول لاتينية، بمعنى آخر تجتمع تحت مظلة هذا المشروع مصالح مالية ورموز اجتماعية، وتتصادم المصالح الأقوى حاليا مثل شركات التأمين والإقراض مع الرموز الأكثر شعبية مثل تدهور معدلات الفقر والتعليم وارتفاع تكاليف العلاج. يعرف تشينى وحلفاؤه، أن سقوط المشروع بتأجيله أو تغييره أو تمييعه كاف لإسقاط عدد كبير من أحلام أوباما وبرامجه الإصلاحية الأخرى، ولعله يكون كافيا للتأثير على خططه لإدخال تعديلات فى بعض مسارات السياسة الخارجية الأمريكية.

مازال سائدا التصور بأن أوباما يريد أن تكون الأولوية فى آليات تنفيذ أهداف أمريكا الخارجية وحماية مصالحها للأساليب الناعمة على حساب آلة الحرب وأعمال التخريب الاستخباراتية، ومازال سائدا وبالقدر نفسه التصور بأن أوباما لم يفلح بعد فى تحقيق هذه النقلة وبقيت رغباته كلمات على ورق، أو بدقة أكثر، كلمات فى خطب يجيد اختيار من يصوغها ويجيد هو نفسه إلقاءها. وربما يكون صحيحا ما نقرؤه أحيانا من أن الدبلوماسية الأمريكية مازالت تستخدم أدوات قوتها الصلبة بل وتصعدها كما هو حادث فى أفغانستان وكما يشاع عن المظلة الصاروخية للدفاع عن الشرق الأوسط. المؤكد على كل حال أن الولايات المتحدة لم تلجأ بعد إلى استخدام أساليب جديدة للقوة الناعمة لم تستخدمها من قبل، وإن استمرت تلوح بإشارات ونوايا. بكلمات أخرى مازال العالم يعيش على الحال التى استقبل بها وصول أوباما إلى رئاسة الدولة الأعظم، يعيش أمل أن تتغير أمريكا ومازال مستعدا، وإن بثقة وحماسة أقل، لأن يمنح أوباما فترة سماح ثانية لإجراء هذا التغيير.

وفى كل مكان ذهبت إليه أو استمعت إلى ما يصدر عنه من مواقف وآراء، يسأل الناس عما تغير ولم يتغير فى أحوالهم خلال مائتى يوم، يعرفون ونعرف أن الأزمة المالية التى أصابت تداعياتها معظم الأمم، وبخاصة الشعوب الفقيرة، مازالت قائمة وتهدد بكوارث على جميع الأصعدة، وأن الولايات المتحدة مسئولة عنها، مسئولة عن نشوبها ويجب أن تكون مسئولة عن تقديم العلاج المناسب لها، هنا فى مصر مثلا يعرف المشاركون فى تحمل مسئولية الحكم ومسئوليات التوعية والإعلام والسياسة بشكل عام أنهم مسئولون عما آلت إليه أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية فبالرغم مما يقال من أن بلدنا غير محتلة عسكريا وإرادتها حرة فى اختيار بدائلها الاقتصادية فكلهم يدركون أن الضغوط الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية سواء التى مارستها حكومة واشنطن وحكومات الاتحاد الأوروبى أم مارستها المؤسسات الاقتصادية الدولية دفعتنا بقسوة وأحيانا بوحشية لتشييد هياكل اقتصادية تزيد الفقراء عددا والفقر بشاعة وتخدم مصالح المضاربين والاحتكاريين وتشجع على الفساد وتشوه صورة رجال الأعمال والقطاع الخاص وتجعل منهم طبقة كادت تصبح منبوذة من المجتمع أو هى تسرع الآن بالتخندق فى قلاع أسمنتية بعيدا عن متناول هوامش المجتمع.
أعود إلى مقال فرانك ريتش لأضيف إليه بعضا مما يخصنا ولم ينتبه اليوم أو تنبه وتجاهل.

يريد أوباما أن يتوصل العرب والإسرائيليون فى عهده إلى سلام شامل، وأعتقد أن القوى المعادية لأوباما فى واشنطن لا تمانع وبخاصة بعد أن نجحوا فى فصل السلام العربى ــ الإسرائيلى الذى يدعو إليه أوباما وهو السلام نفسه الذى يدعون إليه، وبين السلام الفلسطينى ــ الإسرائيلى.السلام الأول يبدأ وينتهى، بالتطبيع. أما السلام الثانى فمستحيل. ولذلك توجب فصله عن السلام الأول لكى يتحرك بسرعة. وللتسهيل يتعين على إسرائيل الالتزام يوقف بناء «المزيد» من المستوطنات لفترة تفعل بعدها ما تريد بأرض فلسطين المتبقية. السلام الثانى مستحيل رغم استعداد عدد من أغنى مناضلى حركة فتح وأكثرهم استعدادا للتضحية بوطنهم فى سبيل صفقة هنا أو منصب وامتيازات هناك.

يبدو أوباما حتى الآن عاجزا عن تحقيق اختراق له قيمة فى السياسة الأمريكية عامة وفى الشرق الأوسط خاصة. وأظن أن الشعوب العربية لن تقبل بسهولة حجة وتسريبات الإدارات المتعاقبة بأن جماعات الضغط اليهودية مسئولة باعتبارها مشاركة فيما يسميه ريتش بالقوة الخفية المهيمنة فى أمريكا. ومع ذلك دعونا ننتظر انتهاء شهر أغسطس لنقول كلمتنا فى أوباما بعد أن قلنا كلمتنا فى أمريكا.

هل سنقول: إن مشكلات أمريكا أكبر من أوباما بعد أن أصبحنا واثقين من أن مشكلات العالم أكبر من أمريكا؟

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي