فوز الدكتور خالد العنانى بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو العالمية، هو إنجاز مصرى كبير.
والمعنى العام لهذا الفوز الكاسح أنه حينما يتم الإعداد العلمى الصحيح لأى قضية، ويتم اختيار الشخص المناسب، وتتكتل خلفه كل أجهزة الدولة والمجتمع لدعمه، فالنتيجة مضمونة. وهذا ما نتمنى أن نراه فى كل القضايا والمعارك التى نعيشها أو نخوضها.
خالد العنانى حقق فوزا كاسحا، لا أظن أن مرشحا سابقا فى اليونسكو قد حققه، فقد حصل على ٥٥ صوتا مقابل صوتين فقط لمرشح الكونغو فيرمين إدوار ماتوكو، فى واحدة من أعلى نسب التصويت فى تاريخ انتخابات اليونسكو منذ تأسيسها عام 1945.
العنانى يملك كل الصفات التى جعلته مرشحا مثاليا لهذه المنظمة التى تعنى بالتربية والتعليم والثقافة والعلوم.
هو أستاذ جامعى مرموق، وتخصصه فى علم «المصريات» أى الآثار المصرية، وهذه صفة مهمة لمنظمة تعنى بالآثار، وكان لها دور مهم فى إنقاذ آثار النوبة بعد بناء السد العالى. العنانى شغل منصبا وزاريا مرموقا هو وزير السياحة والآثار، وبالتالى لديه خبرة تنفيذية مهمة فى إدارة المؤسسات الكبرى.
أعرف الدكتور خالد العنانى جيدا منذ سنوات. وقد أتيحت لى فرصة للحديث معه فى نهاية يونيو الماضى، حينما زرنا بصحبة وزير الخارجية الدكتور بدر عبدالعاطى ست دول إفريقية هى تشاد ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالى والسنغال لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول. يومها لفت نظرى وجود الدكتور العنانى فى الجولة؛ حيث التقى بصحبة الوزير عبدالعاطى رؤساء هذه البلدان للحصول على دعمهم لترشحه. وقد كانت النتائج إيجابية، خصوصا أن بعض هذه البلدان يرتبط بعلاقات طيبة مع الكونغو.
نزول مرشح للكونغو كان مفاجأة ليست طيبة لنا، بحكم علاقتنا الطيبة مع هذه الدولة التى كانت امتنعت عن التوقيع على اتفاقية عنتيبى الخاصة بمياه النيل.
المهم وخلال الجولة تناقشت والصديق أحمد المسلمانى مطولا مع الدكتور العنانى عن الترشح والفرص والتحديات والمعوقات. ولفت نظرى يومها إلى أن العنانى كان قد زار حتى هذا اليوم أكثر من ٤٠ دولة والتقى كبار المسئولين فيها سواء الوزراء المختصون أو رؤساء الدول أنفسهم. وفى نهاية هذه الجولة كان مفترضا أن ينطلق من غرب إفريقيا إلى القاهرة لبضع ساعات، ثم يطير منها إلى أستراليا. وبالطبع فإنه خلال هذه الحملة الانتخابية، فقد بذل جهدا كبيرا فى الإعداد والتحضير والمقابلات والمواءمات وكيف يمكن أن يكون خبر صغير فى الداخل مؤثرا جدا على حملته فى الخارج.
السؤال: هل فوز العنانى يحسب فقط لجهده الشخصى؟!
الإجابة هى لا، فهناك دولة ومجتمع بالكامل وقف خلف هذه الحملة حتى تكللت بالنجاح.
أعرف أن الرئيس عبدالفتاح السيسى بذل جهدا كبيرا فى دعم العنانى، وكان هذا الموضوع مطروحا طوال العام فى كل لقاءات الرئيس مع رؤساء الدول والحكومات الذين يلتقيهم ولهم حق التصويت، أو التأثير.
وأعرف أن وزير الخارجية بدر عبدالعاطى بذل جهدا جبارا فى هذا الملف، وجولة غرب إفريقيا التى تحدثت عنها، تكررت فى كل زيارات وجولات عبدالعاطى الخارجية.
وأعرف أن كل الأجهزة المعنية فى الدولة المصرية بذلت جهدا كبيرا فى هذا الصدد، وكذلك الدور المهم لفريق العمل المصرى الذى لعب الدور المهم فى هذا الفوز الكبير.
وقد لفت صديق عزيز نظرى صباح أمس إلى الدور الذى لعبه السفير سامح شكرى وزير الخارجية السابق خلال توليه منصبه ومعه معاونوه، وأن هذا الفوز هو نتيجة جهد متراكم للدولة المصرية، وليس مجرد حدث طارئ تم فى لحظة خاطفة.
هذا الصديق قال لى إن تجربة وزير الثقافة السابق فاروق حسنى، وتجربة السفيرة مشيرة خطاب كان لها تأثير مهم فى حملة العنانى الأخيرة. بمعنى الاستفادة من هذه التجارب السابقة والتعلم من دروسها والبناء عليها. فاروق حسنى، ومشيرة خطاب كانا جديرين بهذا المنصب أيضا، لولا أخطاء داخلية مصرية، وحسابات ومواءمات وربما مؤامرات من أطراف معروفة للجميع.
التجارب السابقة لعبت دورًا مهمًا فى تراكم الخبرة التى قادت إلى الفوز الأخير، وذكرتنا أن أهم ما تملكه مصر هو الثقافة والآثار والتاريخ والكوادر البشرية. وذكرتنا أيضا أن انتصار خالد العنانى تم بسبب التخطيط العلمى والأخذ بالأسباب وهو الدرس الأهم لانتصار أكتوبر العظيم عام ١٩٧٣.
الدراسة والتخطيط والرجل المناسب فى المكان المناسب هى الأسلحة الصالحة للفوز بأى معركة.