دروس للقوى العربية السياسية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس للقوى العربية السياسية

نشر فى : الأربعاء 12 أكتوبر 2016 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 أكتوبر 2016 - 9:10 م
ها هو المغرب العربى ينضم إلى تونس كساحة لدرس بليغ فى كيفية مواجهة تعقيدات ومحن السياسة بالحكمة وأساليب الأخذ والعطاء العصرية وتغليب مصالح الوطن على أية مصالح آنية أو فئوية ضيقة.

ففى تونس، أولى ساحات تفجُر الربيع العربى، عرفت مؤسسات المجتمع المدنى السياسية والنقابية، بوعى وهدوء وبالأخذ بسياسة الأولويات والنفس الطويل، عرفت كيف تدير بنجاح فترة ما بعد سقوط نظام الحكم السابق. لقد تجنبت ممارسات إقصاء الآخر والانفراد بالسلطة وعدم المشاركة فى توزيع الغنائم، وحاولت بقدر المستطاع الأخذ بمتطلبات الفترة الانتقالية من نظام قديم إلى نظام جديد وذلك من خلال الاحتكام إلى المواطنين بشأن توزيع السلطات التشريعية وسلطات الحكم.

بهذا قللت من مدى الصراعات فيما بينها وجعلت المنافسات تجرى فى أجواء غير عاصفة وغير انتحارية. ولأنها فعلت ذلك تجنبت إلى حد معقول الدخول فى دوامة الانتكاسات والثورات المضادة، ومن ثم إدخال المواطنين فى حالات اليأس والقنوط.

والنتيجة أن الانتفاضة التونسية الربيعية نجحت فى وضع أرجلها فى طريق الانتقال إلى النظام الديمقراطى المعقول. وهى بالطبع فى أول الطريق، وهى ترتكب الأخطاء بين الحين والآخر، وهى مازالت أمامها الكثير والكثير من التحديات الأمنية والاقتصادية، وهى ما برحت هشة قابلة للانكسار ولسرقة منجزاتها من قبل هذه الجهة أو تلك، غير أن ما يهمنا هو أن تستخلص الكثير من قوى المجتمعات المدنية السياسية الدروس والعبر من هذه التجربة السياسية العربية لتتبنى إيجابياتها ولترفض الأخذ بسلبياتها.

لقد كُتب الكثير عن الظاهرة التونسية، ولا حاجة إلى إعادة ما كتب.

***

تقابل التجربة التونسية الديمقراطية تلك، بخصوصيات ظروفها وأساليب عملها ونتائجها الإيجابية والسلبية، تجربة ديمقراطية أخرى قامت فى المغرب العربى بفعل أجواء الربيع العربى الذى عمق جذورها وأعطاها خصوصيتها هى الأخرى.

لقد كانت هناك ملامح حياة ديمقراطية فى المملكة المغربية قبل هبوب عواصف ونسائم الربيع العربى التى اجتاحت بصور شتى كل أرض وطن العرب. لكنها كانت مليئة بالعلل والتشوهات وقلة الحيلة.

اليوم، وعلى ضوء سيرورة ونتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، نحن أمام تجربة هى الأخرى تحث السير فى الطريق الديمقراطى، وبالطبع فى أوله. ما يهمنا بالنسبة لها هو الإشارة إلى بعض الدروس والعبر التى نرجو مخلصين وبتواضع تام أن تلتفت إليها قوى المجتمعات العربية المدنية السياسية فى جميع أرجاء الوطن العربى.

أولا: فى حين احتاجت التجربة الديمقراطية التونسية لوقوفها على أرجلها إسقاط نظام حكم، فإن التجربة الديمقراطية المغربية الجديدة لم تحتج إلى إسقاط نظام، وقامت كحصيلة لتفاهم متوازن طويل النفس مبنى على تنازلات متبادلة فيما بين نظام حكم الدولة وبين قوى المجتمع المدنى السياسية وغير السياسية فى المملكة المغربية.

هذا درس يحتاج أن تعيه الكثير من أنظمة الحكم العربية والكثير من قوى المجتمعات العربية السياسية.

ثانيا: فى كلا البلدين، تونس والمغرب، لعب التواجد التاريخى القوى الفاعل لقوى، مثل النقابات والاتحادات والجمعيات بأشكالها وتعدديتها الكثيرة، والذى ساند المطالب الديمقراطية والمطالبين بها، دورا مهما ومؤثرا فى الخطو الأول المتًّزن فى الطريق الديمقراطى الطويل المعقُّد. تحالف القوى السياسية مع قوى المجتمع المدنى الأخرى أصبح موضوعا مفصليا فى الحياة السياسية العربية.

ثالثا: لقد أثبتت التجربتان أن إحدى وسائل بناء قاعدة انتخابية وفيُة لولائها الحزبى تمرٌ عبر الاشتراك المستمر فى كل الانتخابات البرلمانية. إن ذلك يبنى شيئا فشيئا إمكانيات تراكمية للنجاح فى الانتخابات. كمثال على ذلك نجاح حزب العدالة والتنمية المغربى فى الانتقال التدريجى التراكمى عبر عشرين سنة من امتلاك مقاعد برلمانية لا يزيد عددها على عدد أصابع اليد فى الدورات الانتخابية الأولى إلى حصوله على ما يزيد على مائة مقعد فى الانتخابات الأخيرة، أى أكثر من عدد مقاعد أى حزب آخر، مما يؤهله للمرة الثانية تأليف الحكومة المغربية القادمة.

وكمثال أيضا، وبصورة معاكسة، لم تحصل بعض أحزاب اليسار إلا على النزر القليل من المقاعد بسبب مقاطعتها للعديد من الدورات الانتخابية السابقة، مما أفقدها القدرة على بناء تدريجى تراكمى لكتلة انتخابية كبيرة وموالية.

إنه درس بليغ بشأن مخاطر مقاطعة الانتخابات والاعتقاد العبثى بأن المقاطعة هى عقاب يوجه إلى سلطة الحكم، بينما أن الحقيقة هى أن المقاطعة هى إضاعة للتواجد فى ساحة برلمانية ونضالية، التى ينسى المقاطعون أنها فى ساحة يجب أن تعود ملكيتها لمؤسسات المجتمع وللمواطنين، وبالتالى يجب ألا تترك قط لتصبح ملكا لسلطة الحكم التنفيذية.

فالناس لا يتحمسون للشعارات الأيديولوجية البالغة الأهمية إلا إذا اقترنت مع نضالات يومية من أجل مطالب معيشية محدُدة وعاجلة فى حياتهم.

رابعا: هناك دروس تفصيلية كثيرة للأنظمة السياسية العربية بشأن شفافية الانتخابات ونزاهتها واستنادها إلى قوانين عادلة. والواقع أن المجال لا يسمح بذكر الدروس الكثيرة الأخرى التى سيدركها من كان جادا فى دراسة التجربتين.
علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات