مسيرة متميزة لنضالات المرأة اللبنانية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسيرة متميزة لنضالات المرأة اللبنانية

نشر فى : الخميس 13 أبريل 2023 - 8:55 م | آخر تحديث : الخميس 13 أبريل 2023 - 8:55 م
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب مسعود ضاهر، تناول فيه مسيرة نضال المرأة اللبنانية من أجل نيل حقوقها وتعزيز دورها فى المجتمع، مشيرا إلى أن نضالها اتصل بنضالات المرأة العربية والأوروبية مما أثر فى تطور الحركة النسائية اللبنانية الآن.. نعرض من المقال ما يلى.

اضطلعت المرأة اللبنانية بدور بارز فى تطوّر قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج فى مختلف المقاطعات اللبنانية. ففى إمارة جبل لبنان، وفى مرحلة من المتصرفية، (المتصرفية نظام حكم أقرته الدولة العثمانيّة وعُمل به من العام 1861 وحتّى العام 1918) بقى العمل فى القطاع الزراعى، والعمل المنزلى، وبعض العمل الحرفى على كاهل المرأة. وكان لها الدور الأساس فى دعم الانتفاضات الشعبيّة التى عمّت جبل لبنان فى القرن التاسع عشر ضد ضرائب قادة «النظام المقاطعجى».

تركت الحرب العالمية الأولى وتدابير «سفر برلك»، وموجات الجراد والمجاعة الكبرى، آثارا سلبية كبيرة على أوضاع اللبنانيين، فناضلت المرأة اللبنانية بصلابة قل نظيرها من أجل البقاء على قيد الحياة، وحماية أطفالها من الأمراض. ومع زيادة حدة الانقسام الاجتماعى بعد الحرب، بقى الآلاف من العائلات اللبنانية من دون معيل من الذكور؛ فكان على المرأة اللبنانية أن تتحمّل المسئولية بجدارة لإعالة جميع أفراد العائلة والقيام بأعمال كانت حكرا على رب العائلة.

نجحت المرأة اللبنانية فى إنقاذ عائلتها وإيصال أبنائها نحو شاطئ الأمان؛ ما أكسبها نوعا من الاستقلالية داخل النظام البطريركى الذى كان مسيطرا بقوة، ما جعل عائلات لبنانيّة كثيرة بعد الحرب، من دون معيل سوى عمل الأمّ بعدما مات الزوج أو فُقد فى ظروف الحرب. اختبرت المرأة آنذاك كلّ أشكال العمل المتاحة؛ فشاركت الميسورات منهن فى أعمال الإغاثة، ومساعدة الأيتام والمُعوزين والمنكوبين؛ فى حين زادت أعباء المسئوليّة العائلية على كاهل العاملات فى الزراعة والحصاد والحِرف التقليدية وغيرها. كانت قلة منهن قد تلقت قسطا من الثقافة فى أرقى المدارس والجامعات العاملة فى لبنان، ومارست العمل الصحافى أو الكتابة الأدبية، وفى الأعمال الفنية والمهنية.

• • •

مع ولادة لبنان الكبير أصبحت المرأة اللبنانية فى موقع أفضل نسبيا عما كانت عليه سابقا. فبدأت تطالب بالمساواة التامة بين الذكور والإناث فى جميع المجالات، وأثبتت كفاءة عالية فى مشاركتها النشطة فى مختلف الأعمال التى كان يقوم بها الرجال. كانت تتوقع من إدارة الانتداب الفرنسى إنصاف المرأة اللبنانية من الغبن المزمن الذى لحق بها. ومع أن إدارة الانتداب عملت لمصلحة الاحتكارات الفرنسية فى الدرجة الأولى، إلا أنها قامت فعلا بإصلاحات ضرورية لإرساء دعائم دولة عصرية. وطرحت النخب النسائية اللبنانية تساؤلات مشروعة: أين هو موقع المرأة فى الحياة السياسية اللبنانية؟ ولماذا تم تغييبها من مجلسَى الشيوخ والنوّاب؟ ولماذا لا يحق لها أن تتسلم المناصب الإداريّة الكبرى فى الدولة كالمحافظ؟ لقد حُرمت حتى من الوصول إلى رئاسة البلدية أو وظيفة مختار. وكانت تُمنع عنها أحيانا عضوية المجالس البلدية أو المجالس الاختيارية.

مع ازدهار المدن اللبنانية الكبرى إبان مرحلة ما بين الحربين العالميتين، برزت تبدلات اجتماعية مهمة أسهمت فى تطوّر نضال المرأة اللبنانيّة، فتضاعف عدد سكّان بيروت تقريبا خلال تلك المرحلة. واجتذبت المدينة أعدادا كبيرة من الريفيين اللبنانيين، فاستقر قسم منهم فى ضواحيها إلى جانب فقراء الأرمن والأكراد وأقليّات أُخرى. وبدأت بيوت المدينة وأحياؤها تتخذ مظهرا طبقيا واضحا ما بين سكن الفقراء وقصور الأغنياء، بالإضافة إلى بدايات تشكل أحياء الطبقات الوسطى. وأسهم النظام الاقتصادى الذى بُنى فى لبنان على قاعدة الليبرالية والخدمات فى تطوير عمل القوى المنتجة، وبشكلٍ خاص عمل المرأة اللبنانيّة؛ فبدأت تدخل بقوّة فى عمليّة الإنتاج ونظام العمل المأجور، والانتقال من الأرياف إلى المدن، وتبلور التغيير التدريجى فى السلوك والعادات ونمط العيش والسكن وتعليم الفتاة والتخفيف من قيود عادات الزواج والطلاق والإرث وغيرها. فأسست لتغييرات جذرية فى المجتمع اللبنانى خلال العقود اللاحقة.

كان تعليم الفتاة على كاهل الأهالى، فكان على اللبنانيّين تحمّل نفقات تعليم أبنائهم فى مختلف مراحل التعليم، من الابتدائى حتّى الجامعة؛ وعلّم المتنوّرون منهم بناتهم تعليما عاليا على نفقتهم الخاصّة أو بمساعدة من مؤسسات مانحة. ما أسهم فى ولادة جيل جديد من النساء المتعلمات اللواتى انخرطن فى سوق العمل على أساس دخل متجانس للرجل والمرأة معا. كانت اللغة الفرنسية فى عهد الانتداب بمثابة لغة رسمية فى لبنان إلى جانب العربيّة. فواجه أبناء وبنات الطبقات الدنيا والوسطى من اللبنانيّين حواجز إضافيّة حرمتهم من التعليم. واتّجه عمل المرأة بشكل أساسى نحو القطاع التربوى، والقطاع الصحى، والإدارات الخاصة والعامّة، وقطاع الخدمات، والعمل فى الفنادق، ومراكز الهاتف. ثم توسع مع بدايات عمل المرأة فى الصحافة، والطباعة، والإعلام، والمهن الحرة، وبرز منهنّ طبيبات، ومهندسات، ومحاميات، وكاتبات وفنّانات.

• • •

أسهم دخول المصانع الحديثة وتحديث بعض الصناعات القديمة فى تدمير الكثير من الحِرف، ما زاد من عدد العاطلين عن العمل، وبخاصّة فى صفوف النساء. وانتشر العمل المؤقت بأجور زهيدة على نطاق واسع فى صفوف القوى العاملة النسائيّة. وتعرّض بعضهن لأقسى درجات الاستغلال والقهر الاجتماعى. وحُرمت النساء لأسباب ذاتية وموضوعية من المشاركة فى التنظيم النقابى، ولم يتعودن على الانخراط فيه. لكنّ القوى الطليعية فى الحركة النقابية اللبنانية، وبشكلٍ خاص النقابى البارز فؤاد الشمالى، سارعت إلى إصدار سلسلة مهمّة من الدراسات التثقيفيّة والمقالات الصحافيّة للمطالبة بإنصاف العاملات، وإعطائهن الحقّ بالتنظيم النقابى، ومساواة المرأة بالرجل فى الأجور وساعات العمل والعطل الأسبوعيّة والسنويّة المدفوعة الأجر، ورفع الظلم عنهنّ، ومنع التعرّض لكرامتهن فى أثناء العمل وعدم تشغيل النساء فى أعمال خطرة، ومنع تشغيل الأولاد منعا باتّا وإلزام الدولة بتأمين مدارس لهم، وغيرها من المواقف الجريئة. وتزايد بشكلٍ ملحوظٍ عدد المدارس التى تهتمّ بتعليم الفتيات، ومنها مدارس خاصّة بالبنات وأخرى مختلطة. وتشجّع كثير من الأهالى على تعليم بناتهم لأسباب مختلفة، منها ما يمكن تفسيره بتغيّر نظرة الأهل للاعتراف بالحقّ الطبيعى للفتاة فى أن تكون مساوية للصبيّ فى العلم والعمل؛ ومنها ما له علاقة بالحاجة الماديّة للعمل؛ إذ باتت المدارس بحاجة ماسّة إلى مدرّسات، وبخاصّة إلى مَن يتقن لغةً أجنبيّة كالفرنسيّة والإنجليزيّة. وتزايدت حاجة المستشفيات إلى ممرّضات من ذوات الكفاءة اللغويّة والمهنيّة. ومنها ما ينبع من رغبة الفتيات بالتخلّص من العمل المرهق فى المنزل والزراعة؛ فتوجّهن بحماسة بالغة نحو تحصيل العلم لإيجاد فرص عمل أفضل كانت تتزايد باستمرار مع التوسّع فى نظام الخدمات والسياحة فى لبنان.

فى عهد الاستقلال تعزّز حضور المرأة اللبنانيّة تدريجا، وعلى جميع المستويات، وبخاصّة فى عالم الصحافة، والأدب، والتعليم. وزادت مشاركتها فى المؤتمرات النسائيّة العربيّة والدوليّة، مع مشاركة محدودة فى العمل السياسى والإدارى والنقابى، ونشطت كثيرا فى معركَتَى الاستقلال والجلاء. كانت مقولات الغرب التحرّرية فى صلب مؤسّسات الدولة الحديثة النشأة فى لبنان. فقد نصّ الدستور على المساواة التامّة بين اللبنانيّين فى الحقوق والواجبات، بمعزل عن الجنس أو القوميّة أو الانتماء الطائفى. فنشطت الحركة النسائيّة لوضع تلك الموادّ الدستوريّة موضع التطبيق العملى من دون أن تحظى بنجاحٍ كبير.

ختاما، رفعت المرأة اللبنانيّة راية النضال المتواصل لتحقيق مكاسب متدرّجة عبر شعارات مطلبيّة ووطنيّة ملحّة، منها المساواة بين اللبنانيّين فى الحقوق والواجبات، والمساواة بين المرأة والرجل فى مختلف المجالات، وحماية الطفولة، ومنع تشغيل الأطفال، والتعليم الإلزامى المجانى للذكور والإناث، ودخول المرأة سوق العمل وغيرها. وبرزت مناضلات رائدات من الحركة النسائيّة كان لهنّ الدور الأساس فى الدفاع عن حقوق المرأة، واستقلال لبنان، وحماية الصناعة الوطنيّة، والمشاركة فى عدد من المؤتمرات النسائيّة، العربيّة منها والدوليّة، لإيصال صوت المرأة عبر الصحافة ووسائل الإعلام. واضطلعت الصحافة اللبنانيّة بدورٍ أساسى فى طرح قضايا المرأة الحياتيّة، وضرورة تعليم الفتاة، وحقّ المرأة فى العمل والتوظيف، والأجر المساوى للعمل الواحد، وحقّ المرأة فى الترشّح والانتخاب، والمشاركة فى العمل السياسى وفى النشاطات الفنيّة؛ فتركت تلك المرحلة أثرا واضحا فى تطوّر حركة نسائيّة لبنانيّة متنوّرة فى عهد الاستقلال. وكانت على صلة وثيقة بتطوّر نضالات المرأة العربيّة والأوروبيّة. ونجحت فى استصدار قوانين ومراسيم جديدة كان لها أعمق الأثر فى تطوّر الحركة النسائيّة فى تاريخ لبنان الاجتماعى المعاصر.

النص الأصلى


التعليقات