هل يجب أن نخاف من الذكاء الاصطناعى؟ - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يجب أن نخاف من الذكاء الاصطناعى؟

نشر فى : السبت 13 مايو 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 13 مايو 2023 - 8:20 م

استقالة جيفرى هنتون من جوجل أثارت مخاوف الرأى العام فى العالم كله وأخذوا يتساءلون عن السبب الذى دفعه لذلك بعد كل تلك السنين التى قضاها فى الشركة، الكثيرون يعتبرون أن جيفرى من الآباء المؤسسين للذكاء الاصطناعى وطالما قد استقال إذا فإنه يرى خطرا ما وبالتالى يجب أن نخاف. مقالنا اليوم عن هل يجب أن نخاف؟ وممَ نخاف بالضبط؟
أول شىء يجب أن نخاف منه أن الكل أصبح يلقى بدلوه فى هذا الموضوع سواء المتخصص أو غير المتخصص مما يزيد من انتشار المعلومات الخاطئة والتى تنتشر أكثر بكثير من المعلومات الصحيحة لأنها تكون فى الغالب أكثر إثارة، خاصة أن غير المتخصص تكون آراؤه غالبا نابعة من «مشاعره» تجاه ما يسمعه عن الذكاء الاصطناعى وليس عن علم حقيقى بكيفية عمله ومحاسن ومساوئ هذه التكنولوجيا.
ثانيا نأتى إلى موضوع استقالة جيفرى هنتون، هو استقال حتى يتمكن من الكلام بأريحية عن مخاطر التكنولوجيا دون أن يسبب حرجا لجوجل، وفى جميع أحاديثه لم يتهم جوجل بشىء بل على العكس مدح الشركة. ما قاله هنتون أن الشركات فى صراعها المحموم لكسب المال فإنها تعطى العالم تكنولوجيا متقدمة جدا قبل أن يكون العالم مستعدا لها، هذا الاستعداد يكون بتبصير الناس بهذه المخاطر وسن قوانين لمجابهة الاستخدام الخاطئ لها. وهذه المخاوف يشاركه فيها أكثر من ألف مدير ورئيس يعملون فى مجال التكنولوجيا وقد وضعوا إمضاءهم على خطاب مفتوح للمطالبة بالتوقف عن تطوير تلك التكنولوجيا لمدة ستة أشهر، وبعد عدة أيام أصدرت جمعية تطوير الذكاء الاصطناعى خطابا مشابها، فما الذى يخشونه بالضبط؟ يجب أن نعرف ما هى التكنولوجيا المعتمد عليها برنامج مثل (chatGPT)؟
برامج المحادثة مثل (chatGPT) تعتمد على ما يسمى (Large Language Model) أو نموذج اللغة الكبير، بتبسيط مخل هو نوع من برمجيات الذكاء الاصطناعى التى تقوم بقراءة كميات هائلة من المعلومات المكتوبة (على الانترنت مثلا فى حالة chatGPT)، هذه القراءة أو المسح هو «تدريب» للبرمجيات لمعرفة أفضل الكلمات التى تأتى بعد كلمة معينة وأفضل الجمل التى تأتى بعد جمل معينة، فمثلا إذا سألت سؤالا فإن كلمات هذا السؤال تحدد الكلمات والجمل التى ستأتى فى الإجابة. إذا لا يوجد تفكير حقيقى من قبل البرمجيات، ولكن معرفة ترتيب الكلمات والجمل عن طريق عمل مسح لجميع الجمل المنشورة فى لغة ما. هذا طبعا تبسيط مخل جدا لكنه يفى بالغرض الذى نريد قوله وهو أن تلك البرمجيات لا «تفهم» الكلمات ولا معناها. يمكنك أن تتخيلها كمحرك بحث متقدم. إذا ما الخطر فى ذلك؟ للإجابة عن ذلك دعنا نذكر حادثتين حدثتا أخيرا.
سأل أحد أساتذة القانون (chatGPT) عن حوادث التحرش الجنسى التى ارتكبها أساتذة الجامعات، وجاءت النتيجة بعدة أسماء تعرف منها هذا الأستاذ على زميل له، بل إن (chatGPT) جاء له بمقال يتحدث عن واقعة التحرش لهذا الأستاذ منشورة فى الواشنطن بوست، أرسل هذا الأستاذ لزميله المذكور اسمه وهو أستاذ القانون والمحامى الشهير جوناثان تورلى (Jonathan Turley)، وقد فوجئ جوناثان بالزج باسمه فى جريمة كهذه وكانت المفاجأة أن مقال الواشنطن بوست مؤلف بالكامل من (chatGPT) ولم تنشر الجريدة شيئا كهذا مطلقا.
حدثت مشكلة مشابهة عندما كتب (chatGPT) أن براين هوود وهو أحد المحافظين باستراليا قد قُبض عليه وسُجن سنة 2008 فى قضية رشوة وهو ما لم يحدث وأرسل براين لشركة (OpenAI) تهديدا برفع دعوة قضائية فى المحاكم الأسترالية ما لم تتدارك هذا الخطأ، وستكون هذه أول دعوة قضائية يتم رفعها ضد الشركة. والقصة الحقيقية أن براين كان هو من اكتشف قضية الرشوة وتم القبض على المتهمين، ولكن هو نفسه لم يقبض عليه ولم يسجن.
تلك الحادثتين تدلان على الخطر الذى نواجهه، تلك البرمجيات تم تدريبها عن طريق بلايين الجمل الموجودة على الانترنت، والمعلومات الموجودة على الانترنت غير صحيحة كلها ويختلط الصحيح بالخاطئ، وبالتالى إجابات تلك البرمجيات قد تبدو صحيحة لكنها خاطئة أو بها أجزاء خاطئة. هذا يجعل تلك البرمجيات سلاحا فى يد من يريد نشر أخبار كاذبة بطريقة مقنعة، بل إن تلك البرمجيات تم تدريبها أيضا على الصور والفيديوهات وبالتالى من الممكن التشهير بأى شخص عن طريق فيديوهات أو مقالات مفبركة يصعب جدا كشفها حتى الآن على الأقل.
إذا الخوف هو من الاستخدام الشرير والمتهور لتلك البرمجيات وليس الخوف من أن تسيطر تلك البرمجيات على الجنس البشرى أو تستعبده. الخوف أيضا من اختفاء بعض الوظائف، لكن ستظهر وظائف جديدة تحتاج قدرات عقلية أكبر وقد تكلمنا عن ذلك فى مقالات سابقة.
لا ننكر الخطر لكن لنعرف ونفهم ما نتكلم عنه.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات