من أهم الأحداث الثقافية والفنية التى تشهدها القاهرة حاليا أسبوع القاهرة للتصوير الفوتوغرافى، والذى يعد حدثا استثنائيا بكل المقاييس، فهو يسلط الضوء على أرشيفات مهمة فى وقت يتساءل فيه الجميع عن الكيفية التى يتم التعامل بها مع الأرشيف، فى عموده الأسبوع الماضى سلط الصديق محمد بصل الضوء على مخاطر التجارة فى الأرشيف بوصفها التجارة الأهم فى عالم اليوم، داعيا إلى آلية قانونية لحماية الأرشيف، والأهم من ذلك البحث فى آليات لتنظيم وإتاحة محتويات أرشيفات متنوعة، فالإتاحة هى التى تضمن حماية أى محتوى وليس الحجب كما يعتقد بعض المسئولين، ويعلم الصحفيون قبل غيرهم كيف تم نهب أرشيفات الصحف المصرية بعد تأسيس بعض الصحف العربية التى اعتمدت فى سنواتها الأولى على كوادر مصرية تولت تسريب أرشيف الصور بشكل خاص، وحصلت فى المقابل على ملاليم أمام كنوز لم تكن تقدر بمال.
أسباب كثيرة تمنح أسبوع القاهرة للصور ميزات لا تملكها معارض أخرى، فقد أبرز تجارب معاصرة، ومنها على سبيل المثال تجربة المصور الراحل ياسر علوان فى الاشتغال على سرديات وقصص مصورة، وبالمثل تجربة الصديقة راندا شعث ذات الخبرة الكبيرة فى مجال التصوير الصحفى، بخلاف عملها الطويل فى «الأهرام ويكلى»، ساهمت فى تأسيس قسم التصوير فى صحيفة (الشروق)، ومنحت من خلاله الفرصة لأسماء شابة حققت قفزات نوعية وأصبحت ذات ثقل عالمى، حظى التصوير المستند على جماليات الفن المعاصر بفرص مميزة للعرض تمثلت فى المعرض الذى تم تخصيصه لتجربة المصور والمعمارى كريم الحيوان، ونال التصوير السينمائى حصة مهمة تمثلت فى المحاضرة التى قدمها المصور السينمائى عبد السلام موسى حول تجربته، وأدارتها المخرجة هالة القوصى صاحبة البحوث المهمة فى التاريخ للأرشيف البصرى وتاريخ الفوتوغرافيا فى مصر إلى جانب دورها فى تأسيس موقع (فوتو مصر)، الذى نشر عدة كتب مصورة قدمت خدمات هائلة للمعنيين بالتاريخ الاجتماعى ودور الصور فى توثيق التحولات الاجتماعية.
هذا العام، أحسن القائمون على الأسبوع اختيار شعاره الرئيسى «اكتشاف المشهد»، وقد أهدت منسقة المعرض مروة أبو ليلة الدورة الحالية، وهى الرابعة، إلى صمود الشعب الفلسطينى كما قامت بتصميم جدار تذكارى لأسماء الشهداء من المصورين الصحفيين، كما سلّط معرض «من خلال عدساتهم: قصص غزة غير المروية» الضوء على أعمال مصورين عملوا فى غزة، وتولوا توثيّق واقع الحياة هناك فى مواجهة الإبادة الجماعية التى تقودها إسرائيل، ولهذه المبادرة قيمتها الرمزية فى وجود ممثلى السفارات الأوروبية وشبكة من الرعاة التابعين لمؤسسات دولية إضافة إلى فنانين ومنظمى عرب شاركوا فى بعض الفعاليات سواء كمتحدثين أو منظمين وأبرزهم سامى الرميان رئيس لجنة «التصوير من أجل الإنسانية».
بالاضافة لذلك أعاد الأسبوع اكتشاف مساحات هائلة للعرض من خلال الجراجات التى تديرها شركة الإسماعيلية فى محيط تاون هاوس خلف سينما راديو وأمام مسرح روابط والتى تحولت إلى مساحات نابضة بالحياة، وباتت أشبه بخلية نحل استعادت بعض الوهج المفتقد، وأتاحت المعارض المصاحبة الفرصة لاكتشاف مساحات أخرى منها فيلا فيضى باشا الأسطورية فى شارع الشيخ ريحان، وبالمثل عمارة الشوربجى التى استضافت معرض ستديو بدوى، الذى أعده أحد أهم المعارض التى شهدها أسبوع القاهرة للصورة، نظرا للدور الذى لعبه فى الكشف عن أرشيف مفقود فى مدينة الإسكندرية أكد من جديد حاجتنا فى البحث التاريخى إلى طرق مساحات جديدة نتجاوز فيها مركزية القاهرة، فقد أظهرت الصورة المعروضة الكثير من التفاصيل المجهولة عن صور الحياة اليومية فى الإسكندرية، وهى صور تكسر التصور النمطى عن المدينة.
من الصعب تماما الإلمام فى هذه المساحة الصغيرة بـ20 معرضا متميزا شارك فيها مئات المصورين من العالم، وتضمن أكثر من 100 محاضرة وورشة عمل وعروضًا توضيحية مباشرة لكن ما أود التوقف أمامه أمر يتعلق بشعور الفخر الذى ملأنى بمهنة الصحافة التى كانت بطلة لهذه الدورة التى جاءت بعد أيام قليلة من انتهاء انتخابات نقابة الصحفيين، وإذا كانت نتائج الانتخابات أكدت من جديد حاجة الصحافة إلى مناخ مختلف تستعيد فيه أدوارها القديمة، فإن ما يظهره المعرض يؤكد أن الصحافة المصرية أداة رئيسية من أدوات التنوير، فهى من تولت الدعوة إلى الاستقلال الوطنى، وقادت معارك التحرير، والتنوير، وانتصرت لكل فكرة تقدمية أخذت المجتمع معها إلى الأمام، وهذه الحقيقة تثبتها الصور المعروضة فى جاليرى سبيس تحت عنوان (صاحبة الجلالة)، وضمت نماذج من إنتاج 46 مصورا من كبار مصورى الصحافة المصرية منذ أيام ثورة عرابى 1881 وإلى ثورة 30 يونيو 2013، المعرض المتميز الذى أدعو الجميع لزيارته تولت تنسيقه هبة خميس بمعاونة من المصور الكبير عمرو نبيل، كما تولت رابطة المصورين الصحفيين دعم مبادرات أخرى داخل أسبوع الصورة الذى يصعب جمع مكاسبه فى مقال واحد لأنه بلغ من الإجادة والحرفية درجة تجعله ينافس أى حدث مماثل فى العالم.