فى عصر تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية، لم يعد الذكاء الاصطناعى مجرد أداة علمية محصورة فى المختبرات أو برامج متخصصة، بل أصبح شريكًا محوريًا فى مختلف مناحى الحياة وعلى رأسها قطاع الصحة واليوم نشهد تحولاً نوعيًا فى كيفية رعاية الأفراد لصحتهم الجسدية والنفسية، خاصة فيما يتعلق بممارسة الأنشطة البدنية والرياضة، من خلال دمج الذكاء الاصطناعى فى التقييم، والتوجيه، والتحفيز، الذكاء الاصطناعى يتغذى على البيانات وفى مجال الرياضة والنشاط البدنى، توفر الأجهزة القابلة للارتداء كالساعات الذكية وأجهزة تتبع اللياقة وتسجيل بيانات دقيقة عن نبض القلب، ومعدل الخطوات والسعرات الحرارية المحروقة وجودة النوم، هذه البيانات حين تُحلل باستخدام خوارزميات متقدمة، تتيح للأطباء والمدربين والمستخدمين أنفسهم تصورًا شاملاً للحالة الصحية وتساعد فى تصميم برامج رياضية فردية مخصصة، تتناسب مع قدرات كل شخص واحتياجاته الصحية.
لم تعد النصائح الرياضية عامة كما فى السابق الذكاء الاصطناعى يستطيع بناء خطط تدريبية وصحية دقيقة بناءً على العمر، الوزن، التاريخ الطبى وحتى الحالة النفسية، هذا التخصيص يعزز من فاعلية الممارسة الرياضية، ويقلل من الإصابات الناتجة عن الإجهاد أو التمارين غير المناسبة.
من أبرز مكاسب الذكاء الاصطناعى فى مجال الصحة الرياضية هو الوقاية، فبفضل تحليلات البيانات، يمكن التنبؤ بظهور بعض الأمراض المزمنة المرتبطة بقلة النشاط البدنى مثل: السكرى من النوع الثانى، وأمراض القلب، وتنبيه الشخص لتعديل سلوكياته قبل أن تتفاقم حالته، وهنا تكمن القيمة الكبرى: تقليل الضغط على منظومات الرعاية الصحية وتحسين جودة الحياة.
لم يعد التغيير السلوكى مهمة صعبة كما كان فى الماضى، تطبيقات الهاتف المحمول المدعومة بالذكاء الاصطناعى تلعب اليوم دور المدرب الشخصى والمحفز النفسى فهى تُذكر، تُشجع، وتقدم مكافآت افتراضية وحتى تحليلاً لتقدم المستخدم، مما يسهم فى رفع الالتزام والاستمرارية فى ممارسة الرياضة.
دولة الإمارات تمثل نموذجًا متقدمًا فى تسخير الذكاء الاصطناعى لخدمة الصحة؛ حيث أطلقت العديد من المبادرات الوطنية لتعزيز اللياقة البدنية ودعمت البنية التحتية الرقمية لتتبع الصحة العامة وأدخلت الذكاء الاصطناعى فى عيادات الطب الرياضى والمستشفيات والمراكز التدريبية، وما يعزز هذا التوجه أن وزارة التربية والتعليم أعلنت استحداث مادة تعليمية متخصصة فى الذكاء الاصطناعى لتُدرّس فى المدارس، تأكيدًا على أهمية تنمية وعى الأجيال الصاعدة بهذه التقنيات، إن الشراكة بين الذكاء الاصطناعى والصحة، خصوصًا فى مجال النشاط البدنى والرياضة، لم تعد ترفًا أو خيارًا، بل ضرورة استراتيجية، نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف مفهوم «الصحة» وتحقيق نقلة نوعية نحو مستقبل يكون فيه كل فرد قادرًا على إدارة صحته بذكاء.
مريم الزعابى
صحيفة الخليج الإماراتية