حالة الانكسار التى تمر بها الأمة العربية فى الوقت الراهن، جراء عدم قدرتها على وقف حرب الإبادة والتجويع الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، جعلها تهرب خطوات إلى الأمام عبر التشكيك والمزايدة على مواقف بعضها البعض، بدلًا من الاعتراف بالعجز، والعمل الجاد والحقيقى على معالجة هذا الوضع المتردى، الذى لم تشهده من قبل حتى فى أسوأ أحوالها.
«قافلة الصمود» المغاربية التى انطلقت من تونس فى اتجاه غزة، هى انعكاس حقيقى لحالة الانكسار العربى.. فهذه القافلة التى تضم أكثر من 1500 ناشط على متن 14 حافلة و100 سيارة، تستهدف الوصول إلى مدينة رفح المصرية، ومنها تعبر إلى غزة فى محاولة لكسر الحصار الإسرائيلى المفروض على القطاع، لكنها لم تحصل على التصاريح اللازمة لعبور الأراضى المصرية.
الخارجية المصرية رحبت فى بيان لها الأربعاء الماضى بـ«المواقف الدولية والإقليمية، الرسمية والشعبية، الداعمة للحقوق الفلسطينية، والرافضة للحصار والتجويع والانتهاكات الإسرائيلية السافرة والمنهجية بحق الشعب الفلسطينى بقطاع غزة»، لكنها شددت على ضرورة حصول الراغبين بزيارة المنطقة الحدودية المحاذية لغزة على موافقات مسبقة وفق
الضوابط التنظيمية والآلية المتبعة، وذلك لضمان أمن الوفود الزائرة، نتيجة لدقة الأوضاع فى تلك المنطقة الحدودية منذ بداية الأزمة فى غزة.
هذا الموقف الذى اتخذته مصر، لم يعجب بعض المشاركين فى القافلة أو الداعمين لها، رغم أنه إجراء طبيعى ينبغى على أى دولة تحترم سيادتها اتخاذه بلا تردد، لاسيما وأن منطقة الحدود التى يرغب الناشطون فى الوصول إليها، أشبه ببرميل بارود قابل للانفجار فى أى وقت، حال وجود شرارة صغيرة أو حدث أمنى عابر، وهو أمر وارد الحدوث مع هذا العدد الكبير المشارك فى القافلة، والمعبأ بغضب إنسانى هائل ومشروع، جراء حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين منذ ما يقارب العامين، وبالتالى قد يفتح الباب على مصراعيه لمواجهة مع المحتل الصهيونى لم تخترها مصر أو تريدها فى الوقت الراهن.
كان من الضرورى على منظمى قافلة الصمود وداعميها والمشاركين فيها، التمسك بالوصول إلى صيغة تفاهم وتلاقى
عبر الحوار الصريح مع السلطات فى مصر قبل التحرك صوب حدودها الغربية وطرق أبوابها، حتى يسمح لهم بإيصال رسالتهم النبيلة والبريئة إلى العالم، والهادفة إلى ضرورة التدخل العاجل لإنهاء الحصار وحرب الإبادة والتجويع ضد الشعب الفلسطينى، وفى الوقت نفسه إبعاد شبح أى سيناريوهات قد تؤثر على استقرار مصر وأمنها القومى وسلامة أراضيها.
لم يحدث ذلك، بل إن مشاركين فى القافلة، سارعوا - فى انعكاس واضح لحالة الانكسار العربى - إلى التشكيك والمزايدة على مواقف مصر، التى تصدت بقوة رغم الضغوط الهائلة، لمخطط التهجير وإنهاء القضية الفلسطينية من جذورها، بل إن بعضهم قال صراحة وبدون مواربة: «ما كان لهؤلاء الناشطين أن يأتوا إلى مصر، لو أنها قامت بواجبها بفك الحصار المفروض على قطاع غزة»، وهو كلام لا يختلف كثيرا عن تصريحات المسئولين الإسرائيليين التى تدَّعى أن مصر هى من تحاصر غزة، رغم أن الاحتلال هو من يفرض الحصار على القطاع منذ ٢٠٠٧.
لو أن المشاركين فى القافلة، نظروا قليلًا فى المرآة، لوجهوا سهام التخوين والتشكيك والمزايدة إلى اتجاهات أخرى غير مصر.. فمنهم من جاء من دول حكوماتها على علاقة وثيقة سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا وأمنيًا مع العدو الصهيونى.. ومنهم كذلك من جاء من دول طالبت حكوماتها بفتح الحدود المصرية مع غزة أمام جيشها.. هل ليحرر ويحمى الفلسطينيين.. بالتأكيد لا، ولكن ليبنى ٣ مستشفيات فى غزة خلال ٢٠ يومًا.. ومنهم أيضا من أرسلت حكومته وزيرة الخارجية فيها إلى روما للقاء نظيرها الإسرائيلى رغم عدم وجود أى علاقات رسمية مع دولة الاحتلال، ليس هذا فقط بل هناك تقارير تحدثت عن أن الإدارة الأمريكية تباحثت مع هذه الحكومة فى إمكانية توطين مليون فلسطينى فى أراضيها مقابل رفع الحظر المفروض على مليارات الدولارات المجمدة لبلادها فى الولايات المتحدة!!.
أغلب البيوت فى منطقتنا العربية من زجاج، وبالتالى لا داعى للتخوين والمزايدة والتشكيك فى مواقف أى طرف، لأنه لن يؤدى إلا إلى مزيد من الانقسام وتعميق حالة الانكسار بين أبناء الأمة، وهو ما يصب فى صالح الكيان الصهيونى، ليواصل بلا هوادة المجازر وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى.