‫مصر.. والدور المنشود! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 17 أكتوبر 2025 10:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

‫مصر.. والدور المنشود!

نشر فى : الجمعة 17 أكتوبر 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 17 أكتوبر 2025 - 7:05 م

الإنجاز الذى حققته مصر فى وقف حرب الإبادة الصهيونية الدائرة ضد قطاع غزة منذ عامين، يفتح باب الأمل والتفاؤل أمام استعادة دورها التاريخى كرقم صعب فى معادلات القوة الإقليمية التى يصعب تجاوزها أو تخطيها عند مناقشة قضايا المنطقة أو رسم ملامح حاضرها ومستقبلها.

الحديث عن استعادة الدور المصرى المؤثر والفعال، ليس فقط نوعا من «النوستالجيا» أو الحنين إلى الماضى الذى نشتاق إليه، أو محاولة لاجترار الذكريات عن زمن كانت فيه القاهرة محط أنظار العالم العربى ومحور حركته، وكلمتها ومواقفها وسياساتها لها وزن وقوة وقدرة على تحديد المسارات وتغيير التوجهات بالمنطقة، لكنه أضحى اليوم ضرورة تفرضها محددات وتحديات ومقتضيات اللحظة الراهنة، وتدعمها حقائق الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ أيضا.

مر دور مصر بمراحل مختلفة من الصعود والتفرد إلى التراجع والانكفاء منذ تأسيس الجمهورية الأولى، حيث برز وتألق فى فترة «الوهج الثورى» فى خمسينيات القرن الماضى بقيادة عبدالناصر، وتحولت القاهرة وقتها إلى اللاعب الرئيس فى المنطقة، وتمدد دورها وعلاقاتها الإقليمية والدولية بدرجة هائلة، لكن التجربة تعرضت لنكسة مدوية فى يونيو ٦٧.

مع استلام السادات مقعد القيادة واستدارته المفاجئة نحو السلام والتطبيع مع إسرائيل فى السبعينيات، تراجع دور مصر تدريجيا لصالح أصوات عربية إما أكثر صخبا ومزايدة على التوجه الجديد لمصر، أو أكثر تحفظا وحساسية تجاه شعارات الثورة والوحدة والقومية التى كانت ترددها القاهرة فى أوقات سابقة.

طوال فترة حكمه التى استمرت ثلاثين عاما، لم يسع مبارك لاستعادة الدور التاريخى لمصر، بل اكتفى بأن تكون القاهرة ضلعا فقط فى «مثلث عربى» يحدد ويقود ويرسم توجهات المنطقة، ما أدى إلى مزيد من التراجع لدور مصر، الذى تضاعف عقب رحيله عن السلطة فى عام ٢٠١١، حيث انكفأت أكثر على نفسها للملمة جراح وعلاج ندوب «ثورات الربيع»، ما سمح لدول الوفرة والفوائض المالية الهائلة، بالتقدم أكثر لملء الفراغ الذى تركه غياب القاهرة عن الساحة، لكن حرب غزة جاءت كاشفة لقدرات تلك الدول على تطويق ومحاصرة تداعيات الهمجية الإسرائيلية، بل إن بعضها لم يسلم من شظاياها.

المخاطر الحقيقية التى خلفتها الحرب الإسرائيلية، دفعت القاهرة إلى نفض غبار الانكفاء والعودة مرة أخرى لتصدر المشهد، وبدا خطابها الوحيد الواضح فى التصدى لمخطط تهجير الفلسطينيين وإنهاء قضيتهم، واستطاعت بكل ما تملكه من أدوات وأوراق الضغط التدخل لوقف هذه الحرب المدمرة، ما يؤشر إلى إمكانية مد الخط على استقامته لاستعادة دورها الذى طال انتظاره، لاسيما وأن ابتعادها عن ممارسة هذا الدور، أثر إلى حد كبير على مصالحها الاستراتيجية.

خلال قمة شرم الشيخ للسلام التى أنهت حرب غزة رسميا، كان هناك كلمة لافتة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لم ينتبه إليها الكثيرون، حيث قال إن «اختيار مصر لاستضافة القمة لم يكن مصادفة، والجميع أراد استضافتها»، وهو ما يعنى صراحة أن هناك قناعة أمريكية كبيرة بعدم إمكانية تخطى أو تجاهل دور مصر فى المنطقة، والذى ظهر بوضوح فى مواقفها القوية خلال الحرب على غزة، حيث صمدت أمام الضغوط الهائلة التى تعرضت لها والإغراءات الكثيرة التى عرضت عليها لقبول تهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى سيناء.

لا ينبغى على مصر الاكتفاء فقط بالإنجاز الذى حققته فى إنهاء الحرب وتثبيت وقف إطلاق النار والتخطيط لإعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية الصهيونية فى غزة، أو التصدى لمحاولات السيطرة والهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، وإنما يجب أن ينشط هذا الدور أكثر فى الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومى، سواء غربا أو شمالا وكذلك جنوبا، حيث الملف الأخطر الذى يتهدد وجودها، ونعنى بذلك مياه النيل التى تسعى إثيوبيا إلى إحكام قبضتها عليها.

استعادة مصر لدورها التاريخى المنشود بعد هذا الغياب الطويل مسألة ليست سهلة على الإطلاق، لكنها فى الوقت ذاته ليست مستحيلة طالما توفرت لدينا الإرادة والرغبة مثلما حدث خلال حرب غزة، والشىء الأهم حتى يسترد هذا الدور عافيته ووهجه وحيويته وقوته، هو العمل على «تمتين» الجبهة الداخلية عن طريق علاج تشوهات الاقتصاد التى استنزفت مقدرات البلاد، وتخفيف الضغوط الهائلة على الغالبية العظمى من المواطنين الذين يجدون صعوبات بالغة فى توفير احتياجاتهم المعيشية اليومية، وفتح المجال العام وتحرير السياسة ورفع القيود على حرية الرأى والتعبير طالما كانت فى إطار القانون، ولا تحرض على العنف أو تثير الفتن بين فئات المجتمع.

التعليقات