قنبلة موقوتة على الحدود المصرية - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الإثنين 14 يوليه 2025 10:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

قنبلة موقوتة على الحدود المصرية

نشر فى : الأحد 13 يوليه 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الأحد 13 يوليه 2025 - 8:15 م

فى ختام زيارته إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو معلنًا توصله إلى «تفاهمات تاريخية» مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تتعلق بقطاع غزة والشرق الأوسط، لكنه لم يوضح مضمونها، واكتفى بالقول «سنكشف التفاصيل لاحقًا».

بعض تلك التفاصيل تكشفت، تباعًا عبر ما طرحه نتنياهو أمام الكاميرات من تصريحات مُلغزة أو ما نقلته وسائل إعلام عبرية من مخططات لوزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس، والتى تهدف إلى تهجير سكان قطاع غزة بـ«إرادتهم الحرة».

مخطط وزير الدفاع الإسرائيلى يقضى بحشر مئات الآلاف من أهل غزة فى جنوب القطاع على الحدود المصرية، فى معسكر احتجاز مغلق أُطلق عليه «المدينة الإنسانية».

المدينة التى يخطط كاتس لإقامتها على أنقاض مدينة رفح الفلسطينية، بين محورى «موراج» و«فيلادلفيا»، سينقل إليها فى المرحلة الأولى 600 ألف فلسطينى. هؤلاء المدنيون سيخضعون لفحص أمنى صارم قبل السماح لهم بالدخول، ولن يُسمح لهم بالمغادرة، إلا إذا اختاروا الرحيل خارج غزة فى إطار ما يُسمى بـ«الهجرة الطوعية».

الخطة، تتضمن تجميع كل سكان القطاع على مراحل فى تلك المنطقة المعزولة، ضمن مشروع أكبر لتقسيم غزة إلى قطاعات أمنية، ثم إفراغها تدريجيًا من سكانها أو دفعهم طوعًا وقسرًا إلى المنافى.

التهجير إذن هو المقصد.. تدرك إسرائيل أن بقاء الكتلة السكانية التى تشكل حاضنة طبيعية للمقاومة فى غزة يشكل تهديدًا لأمنها وخطرًا دائمًا على بقائها، ومن ثم فلا تراجع عن خلخلة تلك الكتلة وتفكيكها أيًا كانت التداعيات.

عندما سُئل عن مشروع ترامب للتهجير راوغ نتنياهو كعادته، قائلًا: «فكرة ترامب تُسمى خيارًا حرًا.. من يريد أن يبقى يمكنه ذلك، لكن من يريد المغادرة، ينبغى السماح له»، ثم استدرك، قائلًا: «ينبغى لهذا المكان ألا يكون سجنًا بل مكانًا مفتوحًا».

هكذا اكتملت الصورة، يضاعف الاحتلال من عمليات القتل والإبادة ضد المدنيين فى مدن القطاع، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية، فيجد الغزاويون أنفسهم محاصرين بالموت والجوع، ما يضطرهم إلى الاندفاع جنوبًا، حيث «الخديعة الإنسانية» التى جرى الإعداد لها فى تل أبيب ثم اعتمدت فى واشنطن، والتى تقضى بحشر نحو 2 مليون مواطن فلسطينى على مراحل فى أقل من 50 كلم مربع.

أعاد ترامب طرح مشروعه لـ«التهجير»، وحاول أن يورط بعض حلفائه فى المنطقة عندما قال: “نحظى بتعاون كبير من الدول المحيطة”، وهو ما أشار إليه نتنياهو نعمل مع واشنطن للعثور على دول أخرى توافق على مثل هذه الخطة، ما يعنى أن مخطط خلخلة كتلة غزة السكانية تمت مناقشته مع عدد من دول المنطقة، ضمن رؤية أكبر للشرق الأوسط تشمل إلى جانب التطبيع، اتفاقيات ومشروعات اقتصادية ترسخ من موقع إسرائيل كمركز للإقليم.

المخطط الإسرائيلى المدعوم أمريكيا، «ترانسفير إجرامى»، بتعبير صحيفة هاآرتس العبرية التى أشارت فى افتتاحيتها، الأربعاء الماضى، إلى أن «ما يُسوّق له تحت اسم المدينة الإنسانية ليس سوى معسكر اعتقال»، يُزج إليه الفلسطينيون، ولا يُسمح لهم بالمغادرة إلا إذا اختاروا الهجرة.

لماذا غابت مصر عن اجتماعات واشنطن؟.. لم يجب أحد عن ذلك السؤال المُلح، فرغم انخراطها فى الوساطة والمفاوضات منذ بداية العدوان، ورغم أنها أكثر الدول تأثرًا بما يجرى فى غزة، فإنها غابت عن اجتماعات عقدت فى واشنطن الأسبوع الماضى وضمت أمريكيين وإسرائيليين وقطريين، تحت عنوان «التداول حول الصفقة المرتقبة وخرائطها».

لم يفسر أى طرف -بما فيها القاهرة- أسباب الغياب المصرى عن اجتماعات واشنطن، لكن ما طفا على السطح لاحقًا من مقترح بناء معسكر اعتقال للفلسطينيين على الحدود المصرية، يكشف بجلاء عن أسباب استبعاد الطرف الذى سُيضار بشكل مباشر.

الترتيبات الأمريكية الإسرائيلية التى بدأ النقاش حولها بعد ساعات من انتهاء الحرب الإيرانية الإسرائيلية تهدد بشكل مباشر خرائط الأمن القومى المصرى، إذ تهدف إلى خلق واقع جديد على الحدود المصرية الفلسطينية، بتحويل جنوب قطاع غزة إلى قنبلة ديموغرافية موقوتة معدة للانفجار ليس فى رفح الفلسطينية فقط بل فى سيناء أيضا، وهو السيناريو الذى تخشاه القاهرة وتحاول إجهاضه منذ بداية العدوان.

صمود أهل غزة وتمسكهم بأرضهم، واستبسال المقاومة الفلسطينية التى لاتزال تواجه آلة العدوان الإسرائيلى الأمريكى بما تيسر لها من سلاح، يظل هو الضمانة الأساسية التى أفسدت كل المخططات التى حاول الاحتلال فرضها منذ بداية الحرب.

لكن إلى متى يظل شعب غزة صامدًا، وهو ملاحق بالموت والجوع فى الداخل وبالتأمر والتخاذل فى الخارج؟

رفض «المدينة الإنسانية» التى ينوى الاحتلال احتجاز سكان غزة فيها على الحدود المصرية، والتعامل معها باعتبارها خطًا أحمر مصريًا، ليس من باب التضامن مع الشعب الفلسطينى وحسب، بل واجبًا تفرضه ضرورات ومقتضيات الأمن القومى المصرى.

محمد سعد عبدالحفيظ كاتب صحفي وعضو مجلس نقابة الصحفيين
التعليقات