لا يوجد أقذر من إسرائيل، إلا من تنوب عنهم فى تنفيذ «الأعمال القذرة».
تصريح المستشار الألمانى فريدريش ميرتس الذى عبر فيه عن امتنانه لدولة الاحتلال لأنها تنفذ «أعمالا قذرة» ضد إيران «نيابة عن الغرب بأكمله»، لم يكن إلا إقرار واقع، فإسرائيل هى الأداة التى زرعها الغرب الاستعمارى قبل رحيله من الشرق الأوسط كى تحافظ على مصالحه من جهة، وتظل المنطقة فى حالة اضطراب وتوتر دائم من جهة أخرى.
ورغم ما انطوى عليه تصريح ميرتس من إهانة وتقليل من قدر أى دولة تحترم تاريخها وحاضرها، إلا أنه لم يغضب ساسة إسرائيل ولم يبادر أى منهم بالرد عليه، بل ما جرى هو العكس، إذ أعاده وزير المالية الإسرائيلى اليمينى المتطرف بتسلئيل سموتريتش فى لقاء مع القناة 14 العبرية مؤكدا أن بلاده «تقوم بالعمل القذر من أجل العالم كله»، ثم كرره دانى دانون مندوب دولة الاحتلال فى مجلس الأمن بالجلسة الطارئة التى عقدها المجلس نهاية الأسبوع الماضى.
ما إن بدأ العدوان الإسرائيلى على إيران، فجر الجمعة 13 يونيو، حتى تبارى قادة الغرب فى تبريره باعتباره «دفاعا عن النفس» فى مشهد شديد العبثية ينتحر معه المنطق، لأن الدفاع عن النفس لا يكون إلا فى مواجهة هجوم، فكيف يكون الطرف الذى بدأ بالهجوم المجرد من أى سند قانونى أو شرعى، وهو دولة الاحتلال، فى حالة دفاع عن النفس؟
ليس هذا فحسب بل إن المبرر الذى استخدمته إسرائيل ومن ورائها أمريكا لضرب إيران وهو وجود برنامج لتطوير أسلحة نووية، لا يجد ما يدعمه من أى جهة ذات شأن بما فى ذلك تولسى غابرد مديرة الاستخبارات الأمريكية نفسها التى قالت فى مواجهة ترامب إن «إيران لا تطور أسلحة نووية»، وتبعها رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل جروسى الذى نفى أن تكون وكالته قد قالت إن لديها أدلة على وجود برنامج إيرانى لتطوير أسلحة نووية، ورغم ذلك لم يكتف الرئيس الأمريكى بالدعم والدفاع عن الكيان، بل نفذ هجوما على منشآت إيران النووية كى يفرض ما وصفه بـ«السلام» أو «المآساة».
ترفض إسرائيل الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووى المنضمة إليها إيران، ولم يعد سرا امتلاكها لترسانة نووية، إذ اعترف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ضمنا بحيازة بلاده للسلاح النووى، فعندما سُئل قبل سنوات عما إذا كان مستعدا للاعتراف ببرنامج إسرائيل النووى قال: «لطالما قلنا إننا لن نكون السباقين فى استخدام سلاح نووى.. ولذلك لم نستخدمه».
عندما يتعلق الأمر بإسرائيل يدوس الغرب على قيمه ومبادئه، يضع الشرعية الدولية وحقوق الإنسان وسيادة القانون تحت الأحذية، وينتصر لصنيعته ظالمة كانت أو ظالمة أيضا، فلم تكن يوما مظلومة، تستهدف صواريخها مستشفيات قطاع غزة واحدا تلو الآخر وتقتل المرضى والجرحى والأطفال فيغض الغرب الطرف عن جرائمها ويروج سرديتها عن «وجود إرهابيى حماس فى أنفاق أسفل المستشفيات»، وعندما تصيب شظايا صاروخ إيرانى أطلق على مركز قيادة عسكرى ومقر استخبارى مستشفى سوروكا المخصص لعلاج الجنود المصابين يذرفون الدمع ويتهمون قادة طهران بـ«الفاشية».
تضرب القنابل الأمريكية والإسرائيلية الخارقة للتحصينات منشآت نووية فى إيران وتعرض الشرق الأوسط بأكمله لخطر الإشعاع النووى فلا نسمع تصريحا يحمل إدانة أو دعوة للتوقف بل اصطفافا كاملا ومشاركة استخباراتية ومعلوماتية وأخيرا عملياتية، حتى يتحقق لإسرائيل ما تنشده «قيادة الشرق الأوسط»، من خلال القوة، «أولا تأتى القوة، ثم يأتى السلام»، حسبما قال نتنياهو بعد ضرب الولايات المتحدة للمفاعلات النووية الإيرانية فجر الأحد.
فى صيف 2022 قصفت روسيا مناطق قريبة من محطة زابوروجيا للطاقة النووية فى أوكرانيا، حينها قامت الدنيا ولم تقعد، واتهم الاتحاد الأوروبى موسكو بممارسة «إرهاب نووى». الآن تقصف المواقع والمراكز النووية الإيرانية بشكل يومى وعلى الهواء مباشرة، ورغم ذلك لم يكتف بعض قادة الغرب المنحط بالصمت على تلك الجرائم بل يشجعها بدعوى منع إيران من «تطوير سلاح نووى إذ سيشكل ذلك تهديدا للأمن الدولى».
لن يتوقف دعم حكومات الغرب لإسرائيل إلا لو أيقنت دوله أن مصالحها فى المنطقة مهددة وأن دول الشرق الأوسط لن تظل صامتة أمام هذا التواطؤ. المعادلة بسيطة، «مصالحكم فى الشرق الأوسط مرهونة على توقفكم عن دعم جرائم دولة الاحتلال»، وهو أمر فى متناول الدول العربية والإسلامية لو توافرت لديها الإرادة السياسية التى نأمل أن تتوافر قبل فوات الأوان.