رغم أن أحد أهم مشكلات النُخبة السياسية فى مصر على تنوع ألوان طيفها هو الافتقار لرؤية الإصلاح المتكاملة؛ إذ لم يطرح أحد ٌحتى اللحظة رؤية متكاملة أو حتى ملامح رئيسية واضحة لمشروع ٍتنموى يأخذ بيد هذه الأمة إلى مكانتها اللائقة بها وسط العالم.
إلا أن الأخطر من ذلك هو حالة الإصرار الغريبة عند أغلب الأطياف لتطبيق المعادلة الصفرية ضد الآخرين ــ أيا كان الآخرون ــ ناسين أو متناسين احتياجنا لتكامل الجهود وتلاقى الإرادات حتى لا تتكرر الأخطاء.
والغريب أيضا إصرار البعض على جرنا جميعا إلى معارك جانبية لا تمتلك الأمة رفاهية التسلى بمشاهدتها من بعيد فضلا عن أن تلقى إلى آتونها بفلذات أكبادها.
ربما نعانى من فشل اجتماعى يتمثل ُفى عدم قدرتنا منذ الصغر على العمل فى إطار فرق عمل ٍمختلفة ٌثقافات أعضائها.. ربما هى طريقة تربية مختلة تشيع بيننا.. وربما أسلوب تعليمى.. وربما عوامل أخرى لا أدرى!
لكن الذى أتيقن منه هو حتمية دق العقلاء لناقوس الخطر قبل أن نقع جميعا فى فخ التناحر البينى مجددا بينما بلادنا تعانى من غرق ٍتدريجى على جميع الأصعدة؛ اقتصاديا وسياسيا بل وحتى اجتماعيا.
لماذا لا نتفق على هُدنة طويلة ننحى فيها ما اختلفنا عليه ونرجئه إلى توقيت ٍننعم فيه باستقرارٍ أكثر؛ وتنصب الآن جهودنا على البناء والتطوير لما اتفقنا عليه ولو بصورة جزئية؟
المساحات المشتركة بين أطياف العمل السياسى فى مصر ضخمة ٌللغاية إذا قورنت بمساحات التنافر والتباعد؛ لكنها تحتاج إلى توافر نية ٍخالصة لاكتشافها؛ وعمل ٍدءوب لتنميتها والبناء عليها؛ ومرونة وسعة أفق للمحافظة على ترابطها وتماسكها.
مادة خلافنا موجودة لن تختفى؛ وفكرة النقاء العنصرى التى تُلح على مخيلة الكثيرين بحيث يتمنى أن يصحو فى يوم ٍفلا يجد فى واقعه إلا هؤلاء الذين يوافقنه الرأى وأسلوب الحياة.. هى مجرد أضغاث أحلام تدل على افتقار صاحبها إلى استيعاب دروس التاريخ.. كما تدل على انسلاخه من فطرته ولوازم انسانيته بالتأكيد!
وهذا بعينه هو أخشى ما أخشاه.. أن يتحول الاختلاف مهما كان عميقا إلى افتراق، وأن تتحول المنافسة السياسية إلى منطق من ليس معنا فهو علينا! فتكرر الجماعة الوطنية أخطاء فادحة سبق وأن انتقدها وعابها العقلاء على من تشبث بها!