ربما سيكون هذا عقدًا أمريكيًا غير ليبرالى - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ربما سيكون هذا عقدًا أمريكيًا غير ليبرالى

نشر فى : الثلاثاء 13 أكتوبر 2020 - 8:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 أكتوبر 2020 - 8:50 م

نشر موقع American Enterprise Institute مقالا للكاتب Michael Beckley عرض فيه الأسباب التى جعلت الولايات المتحدة تؤيد النظام الليبرالى العالمى، ومع غياب هذه الأسباب وظهور تطورات أخرى سترجع الولايات المتحدة إلى عزلتها... معرض منه ما يلى:
عندما تولى ترامب منصبه كرئيس للولايات المتحدة وعد بإصلاح السياسة الخارجية الأمريكية، ومنذ ذلك الحين والسياسة الخارجية الأمريكية فى تدهور بعد ازدراء الحلفاء وانسحاب أمريكا من الاتفاقيات الدولة وفرض الرسوم الجمركية على الأعداء والأصدقاء. يرى الخبراء أن اتباع ترامب سياسة «أمريكا أولا» أضر بالنظام الدولى الليبرالى، ويأملون برحيل ترامب أن تستعيد أمريكا دورها كقائد للعالم الحر.
ولكن هذا الأمل مشكوك فيه.. فهيمنة الولايات المتحدة الليبرالية كانت نتيجة لحظية للحرب الباردة، ولكن نهج ترامب فى السياسة الخارجية لطالما كان المعيار فى تاريخ الولايات المتحدة. ولذلك قد تستمر بصمة ترامب لفترة طويلة حتى بعد رحيله.
نهج ترامب يعجب الكثيرين، وسيزداد هذا الإعجاب وسيقوى مع التصاعد السريع لظاهرتين عالميتين؛ شيخوخة السكان والأتمتة (نظام التشغيل الآلى) والذى سيصب فى مصلحة الولايات المتحدة. بحلول عام 2040 ستكون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التى تتمتع بسوق كبيرة وقدرة مالية للحفاظ على الوجود العسكرى العالمى. وستقلل التقنيات الحديثة من اعتماد الولايات المتحدة على العمالة والموارد الأجنبية وستزود الجيش الأمريكى بأدوات جديدة لاحتواء التوسع الإقليمى لمنافسيها... باستغلال الولايات المتحدة لهذه المزايا، فإنها ستظل القوة الاقتصادية والعسكرية المهيمنة فى العالم.
ولكن البقاء كأقوى دولة لا يساوى بقائها كضامن للنظام الدولى الليبرالى... فما سيعزز القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة سيصعب أيضا من لعبها لهذا الدور ويصبح نهج ترامب أكثر جاذبية. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتبرت الولايات المتحدة نفسها المدافع الرئيسى عن النظام الرأسمالى والنظام الدولى القائم على القيم الليبرالية. لذلك وفرت واشنطن الحماية العسكرية لعشرات الدول وأمنت الطرق التجارية وسهلت الوصول إلى الدولار والأسواق الأمريكية. فى المقابل، حصلت على ولاء الدول.
ولكن فى العقود القادمة، ستؤدى شيخوخة السكان المتسارعة والأتمتة إلى إضعاف الإيمان بالرأسمالية وتفكيك جوهر ما يسمى بالعالم الحر. أعباء رعاية السكان الأكبر سنا وفقدان الوظائف الناتج عن التقنيات الجديدة ستزيد المنافسة على الموارد والأسواق. الشيخوخة والأتمتة سيضعفان من المؤسسات الدولية التى تعتمد عليها الحكومات لمعالجة المشكلات المشتركة، وسيتمكن الأمريكيون من التحرر بشكل كبير من اعتمادهم على شركائهم الأجانب.. ولذلك قد تصبح الولايات المتحدة قوة عظمى مارقة، ومثل القرن العشرين، ستهيمن الولايات المتحدة على القرن الحادى والعشرين. ولكن بينما بُنى «القرن الأمريكى» السابق على رؤية ليبرالية لدور الولايات المتحدة فى العالم، فإن ما قد نشهده اليوم هو فجر لقرن أمريكى غير ليبرالى.
***
نهج ترامب «أمريكا أولا» له جذور فى تاريخ الولايات المتحدة. قبل عام 1945، حددت الولايات المتحدة مصالحها بشكل ضيق، معظمهم لتحقيق المال والأمن، وطاردتهم بقوة غير آبهة بتأثير ذلك على بقية العالم. طبقت القيم الليبرالية بشكل انتقائى فى الداخل والخارج، ولم تشكل تحالفات غير تلك التى وقعتها مع فرنسا خلال حرب الاستقلال... بحلول ثمانينيات القرن التاسع عشر، كانت الولايات المتحدة أغنى دولة فى العالم، وأكبر سوق استهلاكى، ومُصنِعا ومنتجا رائدا للطاقة، مع موارد طبيعية هائلة وغياب تهديدات كبيرة، لذلك لم تكن الولايات المتحدة تهتم بتشكيل تحالفات خارجية. تغير ذلك خلال الحرب الباردة عندما احتل السوفييت مساحات شاسعة من أوراسيا واجتذبت الشيوعية الملايين فى أنحاء العالم. بحلول الخمسينيات من القرن الماضى عظمت قوة موسكو واحتاجت الولايات المتحدة إلى شركاء لاحتواء هذه تهديداتها، لذلك نشأت التحالفات ووفرت لعشرات الدول ضمانات أمنية وسهولة الوصول إلى الأسواق الأمريكية.
ولكن مع انتهاء الحرب الباردة، لم يعد الأمريكيون يرون فائدة من القيادة العالمية وأصبحوا أكثر حذرا من التشابكات الخارجية وتعهد رؤساء الولايات المتحدة بالتركيز على الداخل. على الرغم من هذه الوعود، شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة قيام واشنطن بالعديد من التدخلات العسكرية وشهدت مزيدا من التوسع فى النظام الليبرالى بقيادة الولايات المتحدة، حيث انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وتوطد الاتحاد الأوروبى، وتوسع الناتو، وزاد اعتماد الاقتصاد العالمى أكثر من أى وقت مضى على المؤسسات الأمريكية.
هذا الاتجاه هو أحد الأسباب التى جعلت العديد من النخب الأمريكية، الذين رحبوا فى الغالب بانتشار الهيمنة الليبرالية الأمريكية، مصدومين بانتخاب ترامب. سيكون من السهل إلقاء اللوم على ترامب وحده، لكن دعم الأمريكيين للنظام الليبرالى بعد الحرب كان متزعزعا لعقود. تظهر الاستطلاعات الآن أن أكثر من 60 فى المائة من الأمريكيين يريدون من الولايات المتحدة ببساطة أن تهتم بنفسها. فلم يعد التركيز على تعزيز الديمقراطية والتجارة وحقوق الإنسانــ وهى الأنشطة الأساسية للقيادة الدولية الليبراليةــ بل يشيرون إلى منع الهجمات الإرهابية وحماية الوظائف الأمريكية والحد من الهجرة غير الشرعية. ما يقرب من نصف الذين شملهم الاستطلاع يقولون إنهم يعارضون إرسال قوات أمريكية للدفاع عن الحلفاء المعرضين للهجوم، ويفضل نحو 80 فى المائة استخدام الرسوم الجمركية لمنع فقدان الوظائف بسبب التجارة. نهج ترامب ليس انحرافا، بل تيارا لطالما كان موجودا بالثقافة السياسية الأمريكية.
***
فى السنوات المقبلة قد يتراجع دعم الأمريكيين للنظام الليبرالى أكثر بفضل التغيرات الديموغرافية والتكنولوجية التى ستزيد من القيادة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة وتجعل البلاد أقل اعتمادا على الآخرين. أولا، يتقدم سكان معظم البلدان فى السن، وبحلول عام 2070 سيتضاعف متوسط عمر سكان العالم مقارنة بما كان عليه قبل 100 عام، من 20 عاما إلى 40 عاما، وستكون نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر فى سكان العالم قد تضاعفت أربع مرات تقريبا، من خمسة بالمائة إلى 19 بالمائة. لطالما كان عدد الشباب يفوق عدد كبار السن، ولكن فى عام 2018، ولأول مرة، زاد عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 64 عاما عن من هم أقل من ستة أعوام. قريبا ستصبح الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التى تتمتع بسوق كبير ومن بين أكبر 20 اقتصادا فى العالم، ستشهد أستراليا وكندا والولايات المتحدة فقط عددا متزايدا من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 49 عاما على مدى الخمسين عاما القادمة. ستعانى الاقتصادات الكبيرة الأخرى من انخفاض بنسبة 16% فى تلك الفئة العمرية، مع تركز معظم الانخفاض الديموغرافى بين أقوى اللاعبين الاقتصاديين فى العالم. على سبيل المثال الصين ستفقد 225 مليون عامل ومستهلك تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 49 عاما. سينكمش عدد سكان اليابان الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و49 عاما بنسبة 42%، وروسيا بنسبة 23%، وألمانيا بنسبة 17%. فى غضون ذلك، ستتوسع الولايات المتحدة بنسبة عشرة بالمائة، والسوق الأمريكية كبيرة بالفعل وتعتمد الولايات المتحدة على التجارة الخارجية والاستثمار بشكل أقل من أى دولة أخرى تقريبا. مع تقلص الاقتصادات الرئيسية، ستصبح الولايات المتحدة أكثر مركزية للنمو العالمى وأقل اعتمادا على التجارة الدولية.
سيقل احتياج الولايات المتحدة إلى حلفاء، لأن الشيخوخة السريعة ستعيق التوسع العسكرى لخصومها من القوى العظمى. بحلول عام 2050، سيزداد إنفاق روسيا على المعاشات التقاعدية والرعاية الطبية للمسنين بنحو 50٪ كحصة من الناتج المحلى الإجمالى، وسوف يتضاعف الإنفاق الصينى ثلاث مرات تقريبا، بينما فى الولايات المتحدة سيزداد هذا الإنفاق بنسبة 35٪ فقط. ستواجه روسيا والصين قريبا خيارات قاسية بين شراء الأسلحة لجيشيهما وشراء العصى لعواجيزهما، والتاريخ يرجح الكفة الأولى. حتى لو لم تخفض روسيا والصين إنفاقهما العسكرى، فسوف يكافحان لتحديث جيوشهما. تستهلك تكاليف الموظفين بالفعل 46% من الميزانية العسكرية الروسية (مقارنة بـ 25% من الميزانية العسكرية الأمريكية) ومن المرجح فى هذا العقد أن تتجاوز 50% مع تقاعد القوات الأكبر سنا وسحب المعاشات التقاعدية. أما فى الصين تشير البيانات الرسمية إلى أن الموظفين يستهلكون نسبة 31 % من ميزانيتها العسكرية، لكن التقديرات المستقلة تشير إلى إنهم يستهلكون ما يقرب من نصف الإنفاق الدفاعى للصين وسترتفع هذه النسبة فى السنوات القادمة.
***
نمو الأتمتة سيلعب دورا أيضا فى تسريع تقدم الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا وتفوقها على منافسيها من القوى العظمى. بفضل ما يسمى أحيانا بـ«التعلم الآلي«ــ وهو نوع من الذكاء الاصطناعيــ فسيمكن أتمتة ما يقرب من نصف الوظائف فى اقتصاد اليوم بحلول عام 2030. مثل الشيخوخة العالمية، سيقلل هذا من اعتماد اقتصاد الولايات المتحدة على البلدان الأخرى. الولايات المتحدة بالفعل متفوقة فى مجال الأتمتة ويمكن للشركات الأمريكية الاستفادة من هذه الريادة التكنولوجية لاستبدال سلاسل التوريد العالمية بمصانع متكاملة فى الولايات المتحدة. وهذا أيضا سيكون مصير الصناعات الخدمية. فمراكز الاتصال، على سبيل المثال، تنتقل بالفعل من الدول الأجنبية إلى الولايات المتحدة. لطالما بحثت الولايات المتحدة عن العمالة الرخيصة والموارد فى الخارج، لكن تغير الموقف الآن لأن الأتمتة تسمح للولايات المتحدة بالاعتماد أكثر على نفسها. سيساعد ظهور الآلات الذكية على احتواء الصعود العسكرى لمنافسى الولايات المتحدة وستعمل على نشر الطائرات المسلحة بدون طيار وقاذفات الصواريخ فى مناطق الصراع المحتملة لتكون حقول ألغام عالية التقنية قادرة على القضاء على القوات المعادية، ورخص ثمنها لن يكلف الولايات المتحدة الكثير.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bit.ly/2FpxGWE

التعليقات