الآن وبكل تأكيد يجب أن نقول إن نيازى مصطفى هو الاسم الأول الذى أسس الواقعية فى السينما المصرية، بالطبع لا يمكن لأحد أن ينكر مكانة كمال سليم فى هذا الأمر، هو الذى علم صلاح أبوسيف الأمر حيث عمل معه كمساعد مخرج فى فيلم العزيمة. لكن نيازى مصطفى هو الذى قاد هذا الاتجاه بقوة فى السينما المصرية قبل أبوسيف بسنوات كثيرة، وإذا اعتبرنا ان فيلم «لك يوم يا ظالم» 1951، هو الفيلم الواقعى الأول فى مسيرة أبوسيف، فإن فيلم «طاقية الاخفاء» لنيازى مصطفى 1944 هو واحد من الأفلام التى تدور أغلب أحداثه فى حارة مصرية، لن نغالى اذا قلنا ان هناك تماسا بين شكل الحارة فى المشهد الأول من فيلمى أبوسيف، وفيلم «طاقية الاخفاء» كما أن نيازى مصطفى قد استكمل تصوير المناطق الشعبية فى العام التالى فى فيلمه « شارع محمد على» وفيما بعد كانت الحارة موجودة فى افلام كثيرة منها «حميدو»، و«رصيف نمرة 5».
كما أن نيازى مصطفى سبق الكثيرين فى تقديم الفناتازيا، ومنهم عباس كامل بسنوات، لكن الحق يقال إن مؤلف قصة «طاقية الاخفاء» هو عباس كامل قبل أن يصبح مخرجا بسنوت، اما السيناريو الذى كتبه منتجا الفيلم عزيزة أمير ومحمود ذو الفقار، فقد شارك فى كتابة الحوار أبوالسعود الإبياري، والموضوع يعكس الثقافة العربية فى الحلم بتحقيق الثروة بشكل سريع، فالعرب هم الذين حلموا دوما بتحويل التراب إلى ذهب، ولعل هذا يفسر سبب تفوق العرب القدماء بما يسمى بالكيمياء الشعبية، وحتى الآن لم يحققوا الحلم، ما جلعهم يتمنون ان تأتى الثروة من خلال الأدوات القديمة التى لها قدرات خارقة، لجلب الثروات عن طريق المصباح السحرى أو طاقية الاخفاء، ولا شك أن هذا الحلم أرق المخرج فى ثلاثة أفلام على الأقل، وهناك تكرار ملحوظ بين ما رأيناه فى فيلم «طاقية الاخفاء».. فيلم «لو كنت غنى» وماذا يفعل الإنسان البسيط بالثروة المفاجئة التى تهبط عليه دون حساب، كما أن يوسف وهبى تعامل مع الفكرة نفسها فى العام التالى فى فيلم «سفير جهنم» فالأموال الوافدة هى السبيل المضمون لكسب قلوب الفتيات، ويحول الشيوخ إلى صبايا، وعندما تضيع الثروة يعود المواطن المصرى إلى حاله الأول راضيا، والغريب أيضا أن المؤلف نفسه عباس كامل، عندما عرف أن الدكتورة آنا أصلان اكتشفت العقار 3 الذى يعيد للشيوخ صباهم فإن أول شىء فكر فيه الاب الذى كان عجوزا أن ترك اسرته وبحث عن العاهرات فى الكباريهات عام 1961.
فى فيلم «طاقية الاخفاء» فإننا أمام عباس، رب اسرة من الحى الشعبى لديه ولدان متناقضان فى النظرة إلى المال الحرام، مثلما رأينا فى فيلم «فتوة الناس الغلابة».. عباس هذا كما يجسده بشارة واكيم سمكرى فى زمن كانت هذه هى مهنة الفقراء، يكتشف أن لدية طاقية الاخفاء، فيستخدمها فى السرقات الكبرى، يصبح من زوار الكباريهات مثلما فعل سكر فى فيلم «السبع أفندى» الذى قدمناه من قبل، وعباس يظل محتفظا بالاسرة كى يعود إليها فى أى وقت، لكن المهم هو مطاردة حورية ابنة الحارة التى صارت راقصة، أما الولدان اللذان يجسدهما محمد الكحلاوى، ومحمود إسماعيل، فإن واحدا منهما يطمع فى الخيرات التى تأتى بها الطاقية، أما الابن الثانى فإنه يظل سمكريا، يجد فى المهنة نفسه، أما عباس نفسه، فإنه يطلب من زوجته وأبنائه أن يذهبوا معه إلى مسكنه الجديد، يوافق الابن الشرير الذى يجسده محمود اسماعيل أن يكون برفقة أبيه، وكما نرى فإننا أمام فيلم تربوى، ويبدو ذلك فى الابتهال الذى يقدمه الكحلاوى طالبا من الله الستر، ما يعنى التحول الذى سار فيه المطرب فيما بعد، وبذا فنحن أمام أحد أفلام الكباريه، مليئة بالرقص، استعراضات والطامعين فى المال، بل إن الابن الشرير، يطمع فى مال أبيه، وأيضا الراقصة التى هام بها، ويفكر أن يقتله، وفى هذه الأفلام فإن العواجيز يفقدون عقولهم، ويحبون النساء الخائنات، وعليه فإن الكتاب الذين تتكرر الاستعانة بهم فى هذه الأفلام يسمعوننا نفس العبارات: «الناس بتفتكر أن المال هو السعادة» أو «المال خلانى أحب واحدة من سن أولادى».
و«شفت ازاى الفلوس بتخلى الابن عايز يقتل أبوه». وبالفعل فإن الابن سعى للتخلص من أبيه الذى صبغ شعره، ونال المال لكنه لم يهنأ به، وهو الذى يتمنى لو يتناول طبق الملوخية مثل ايام زمان، يقوم الابن بسرقة الطاقية ويسرق الأموال بحثا عن الثراء، وكما أشرنا فإن هذه أفلام تربوية ترسل دروسا إلى المتفرجين أن عليهم الرضاء بما رزق به كل انسان.. «اوعى تزعل ثانية.. صحتك بالدنيا»، مثلما جاء فى إحدى أغنيات محمد الكحلاوى: فقر من غير مرض هو دا الغنى الكامل»، إنها الحكمة التى يرددها الكحلاوى مرتين، وهو الذى اسمه فى الفيلم «مرزوق».
أهمية الفيلم أنه الأسبق فى أمور عديدة رغم تكرار موضوعه، فلا شك أن بعض المشاهد التى نفذها المخرج فى أفلامه اللاحقة قد صنعها هنا للمرة الأولى، ومنها مشهد الكوب الذى يتحرك فى الفراغ، وعلى كل فإن ما قدمه نيازى مصطفى، كان يدور فى أجواء عائلية باعتبار أن الطاقية ملكية للعائلة، مع فارق أن الفيلم الأول الذى نراه هنا كان يضم الكثير من الاستعراضات الغنائية، فالكحلاوى فى استعرض البدو يغنى ويبتهل أن يبارك الله فى عنتر وعبلة، وهو الموضوع الذى قدمه المخرج فى فيلمه التالي «عنتر وعبلة».. أما الفيلم الثانى فكان يضم استعراضا واحدا باسم الـ«هولاهو ب».. فى فيلم اليوم فإن نيازى يبدو شديد التمسك بالتراث البدوى الذى سار عليه دوما.
من الواجب ونحن نتذكر أفلامنا القديمة التى لا نكاد نعرفها إعلان التحية للسيدة عزيزة أمير التى كانت صانعة سينما حقيقية، فهى هنا المنتجة، وكاتبة القصة والسيناريو، وأضافت اسم زوجها الوسيم الشاب إلى اسمها، وهو تاريخ يستحق أن نعرفه.