جيمس زغبى
أعتقد أن لدينا الآن كل المبررات والدواعى الكافية للاهتمام بمصير المسيحيين فى العالم العربى. وفى العديد من دول المنطقة لم تتمكن كنائسهم القديمة من تجاوز المحن والمصاعب المتتابعة والغزوات الأجنبية والقمع الداخلى فحسب، بل إنها لعبت أيضا دورا مهما من حيث إسهاماتها العميقة فى صياغة وإثراء الثقافة العربية والحضارة الإسلامية برمّتها.
وبالنظر إلى الظواهر العدائية التى تفشت خلال أحداث ما سُمّى «الربيع العربى» فى الشرق الأوسط، وجدت الأقليات الدينية والإثنية نفسها فى لجّة الأخطار الداهمة، وعالقة فى خضم الصراعات المذهبية والطائفية. وهى تعانى الآن من الاحتلال والاستبعاد القسرى عن الحياة الاجتماعية والسياسية. وقد كُتب لهذه التجمعات البشرية التى تعرضت لهذا المصير المؤلم أن تدفع ثمنا باهظا، خاصة فى سوريا والعراق.
وقد تفاقم نزوح هذه التجمعات البشرية من بيوتها ومدنها، هربا من عنف الحروب الأهلية التى اجتاحت تلك البلدان، أو بسبب تعرضها للطرد والترحيل القسرى على أيدى المتطرفين المجرمين فى إطار حملاتهم الشعواء للتطهير الدينى، ولذلك فإن حجم التجمعات البشرية المسيحية قد شهد تراجعا كبيرا وبما يبرر مشاعر الخوف من انقراضها تماما فى أوطانها ومعاقلها التى عاشت فيها على مر العصور.
وبما أن هذه الكنائس تعود من حيث القِدَم إلى أيام المسيح، وأنها أضافت خلال هذا الوقت الطويل، الكثير من عناصر الغنى والتنوع لثقافة المشرق العربى وحضارته، فإن من غير المعقول أن نتصور دولا مثل مصر ولبنان وفلسطين وسوريا والعراق من دون وجود الأقباط والموارنة والسريان والآشوريين والكلدان وبقية أتباع الكنيستين الكاثوليكية الغربية والأرثوذكسية الشرقية.
ويقتضى الخط السليم فى التفكير ألا نقصر اهتمامنا على انتهاج الأساليب الظرفيّة، لإنقاذ هذه الأقليات ذات الأهمية الثقافية والتاريخية من الانقراض، بل إن الأمر يتطلب منا التفكير فى تأمين مستقبل بقائها فى أوطانها. وبكلمة واحدة، يمكن القول إن الفصائل والمجموعات المتطرفة وغير المتسامحة، تشكل تحديا كبيرا ليس على مسيحيى المشرق العربى وحدهم، بل على العرب والمسلمين أيضا.
وبالطبع، فإننا لو نظرنا إلى الهجوم الوحشى لتنظيم «داعش» فى سوريا والعراق وتصرفاته المرعبة التى تتميز بالعنف المفرط وعدم التسامح، فإن السؤال الذى يقفز إلى أذهاننا يتعلق بما يمكننا أن نفعله للدفاع عن المسيحيين وبقية الأقليات التى تتعرض الآن للمخاطر بسبب هذا الصراع الدموى. وسيكون هذا السؤال هو الموضوع المحورى لمؤتمر سينظم فى واشنطن الأسبوع المقبل تحت شعار «دفاعا عن المسيحيين». وسيجمع هذا الحدث قادة الدول التى تتبع الكنائس الست فى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رجال قانون وناشطين فى الحقوق المدنية من عدة منظمات غير حكومية، ومهتمين بحقوق الإنسان والحريات الدينية بصفة عامة.
من المهم ألا نسمح باستغلال شعار الدفاع عن المسيحيين، لتغطية أجندات «صقور الحرب»، فإن من واجبنا أيضا ألا نسمح لهذا الشعار بأن يبدو وكأنه قد تحوّل إلى عملية استهداف للمسلمين، لأن ذلك سيضرّ بواقع المسيحيين وأحوالهم فى الشرق الأوسط.
والشىء الذى ينبغى التخوف منه أيضا هو أصوات أولئك الذين يدافعون عن بعض المسيحيين فقط ويهملون على سبيل المثال الصعوبات التى يعيشها المسيحيون الفلسطينيون الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلى ــ أو أولئك الذين يقصرون ولاءهم وانتماءهم للمسيحيين دون غيرهم. وأنا كمسيحى وعربى أمريكى، أرفض هذين الطرحين معا. ولا يمكننى أن أتخيل فلسطين من دون مجتمعها المسيحى العربى.