ليس من الشهامة أو الجدعنة أو الفروسية أو البطولة أن تنطلق سهام النقد والتجريح والسخرية والشماتة ضد المهندس إبراهيم محلب بعد ان قبل رئيس الجمهورية استقالة حكومته صباح أمس الأول السبت.
البطولة ان تكن قد انتقدت أداء حكومة محلب أو بعض وزرائها خلال عملها وفى عز قوتها، وليس بعد خروجها.
والموضوعية ان تقول كلمة حق فى هذه الحكومة بعد نهاية عملها، دون أن يعنى ذلك الحجر على الانتقاد الموضوعى العقلانى لحكومة محلب وتقييم أدائها منذ تكليفها قبل ١٦ شهرا وحتى ظهر السبت الماضى.
أول احتكاك لى مع المهندس محلب كان خلال توليه مسئولية وزارة الإسكان فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى.
ذات ليلة اتصل بى الرجل عاتبا على خبر نشرته بوابة الشروق عن الوزارة. ورغم عتابه كان رقيقا وشديد الهدوء.
ومنذ توليه منصبه قابلته مرارا وتكرارا فى لقاءات ومؤتمرات وندوات وحفلات.
فى كل مرة كان يقابلنى ويقابل غيرى من الزملاء بكل الود والترحيب والتواضع، ورفع التكليف.
تحدثت إليه هاتفيا عشرات المرات وكان يشرح ويوضح ويفصل، وفى بعض الأوقات كان يطلب بكل أدب عدم الإشارة إلى اسمه فى الخبر.
فى أكثر من مرة كتبنا أخبارا وقصصا خبرية منتقدة للرجل ولبعض سياساته، لم يغضب، ولم ينفعل، ولم يهدد، بل كان يتصل ويشرح ويوضج، وآخرها ما حدث حينما نشرنا هنا فى «الشروق» تصريحه الملتبس خلال حواره مع الصديق أسامة كمال فى قناة القاهرة والناس عن وظائف الشباب والتوك توك.
صبيحة يوم النشر اتصل بى المهندس محلب ليوضح حقيقة التصريح وانه لم يقصد ذلك بالمرة، كانت لفتة مهذبة لدرجة أشعرتنى بالحرج، أما آخر اتصال هاتفى فكان يوم إقالة صلاح هلال وزير الزراعة السابق والقبض عليه، حينما أكد لى أنه لا أحد فوق القانون.
كل ما سبق يخص إبراهيم محلب الإنسان، وأعتقد أن كثيرين لا يختلفون حول هذه الصفات.
أما محلب رئيس الوزراء فهو خاضع للنقد والمناقشة قد يؤيده البعض وقد يعارضه البعض الآخر، قد يراه البعض أفضل شخص تولى المنصب، وقد يراه البعض الأسوأ.
محلب لم يزعم فى يوم من الأيام أنه سياسى محترف، لم يأت الرجل من حزب سياسى، صحيح أنه التحق بالحزب الوطنى أيام مبارك، لكن ذلك كان من قبيل الاضطرار مثل كثيرين من أجل استكمال الديكور. محلب هو مقاول محترف، حياته هى المقاولات والبناء والجسور وتفقد المواقع من الصباح الباكر إلى آخر الليل. وعندما تولى منصبه كان ذلك معروفا للجميع.
بذل محلب جهدا حقيقيا، نجح مرات وأخفق فى مرات أخرى، فى حدود المتاح والصلاحيات المتاحة له والظروف التى مرت بها حكومته.
كان محظوظا أن بعض الوزراء أدوا دورهم بكفاءة شديدة وحققوا انجازات شعر بها الناس البسطاء خصوصا الكهرباء والتموين والبترول والتخطيط، وكان سىء الحظ أن وزراء آخرين خصموا الكثير من رصيده ومن رصيد الرئيس، سواء لفسادهم، أو لتقصيرهم وانعدام الخبرة السياسية بل والفنية لديهم.
أكتب هذه الكلمات اليوم فى حق محلب بعد أن صار خارج منصبه، أشعر أن هناك واجبا أن أقول كلمة فى حق الرجل، فى هذه اللحظات دون أن يتهمنى أحد بالمجاملة أو النفاق. أتمنى أن نكرس فضيلة حفظ حقوق الآخرين خصوصا حينما يغادرون مناصبهم، على الأقل حتى يشعر من هم على رأس عملهم الآن ان هناك من سوف ينصفهم.
صباح أمس كنت فى قاعة الاحتفالات بجامعة فناة السويس لحضىور الاحتفال بأسبوع الجامعات، عندما دخل محلب وقف الجميع ليحيوه وصفقوا له طويلا، وعندما بدأ الرئيس السيسى كلمته حرص على توجيه التحية له، فزاد تصفيق الناس.
مرة أخرى تحية واجبة إلى المهندس محلب على كل ما فعله من أجل هذا الوطن.