مع تزايد أعداد المسلمين الأمريكيين خلال العقود الأخيرة، أصبحت معالم شهر رمضان الكريم واضحة فى كبريات المدن الأمريكية حيث تتركز أعداد كبيرة من جالية تقدر بالملايين.
ومنذ منتصف التسعينيات تزايد اهتمام الإدارات الأمريكية بشهر رمضان وأعياد المسلمين، وتقليديا استضاف البيت الأبيض ووزارة الخارجية رموز الجالية المسلمة الأمريكية على إفطار رمضانى فى البيت الأبيض ووزارة الخارجية. وعكست هذه الممارسات تكريما للمسلمين الأمريكيين والاعتراف بأهميتهم وأهمية الدين الإسلامى كدين سماوى يعتبر الأسرع نموا فى الولايات المتحدة. وهنأ الرئيس الأمريكى جو بايدن المسلمين فى أمريكا والعالم بحلول شهر رمضان، معتبرا أن هذه المناسبة تذكر بدور الإسلام فى دفع العدالة والتقدم والتسامح. وقدم التهنئة كذلك نائبته كامالا هاريس ووزير الخارجية تونى بلينكن.
أما الإعلام الأمريكى فيشهد كتابات ومقالات خاصة تلقى الضوء عن ماهية الصوم وأنشطة المسلمين الأمريكيين خلال شهر رمضان.
وفى زمن الكورونا، ومع العولمة المتواصلة بين المجتمعات والتى حجمت من أهمية البعد الجغرافى، لا يختلف كثيرا رمضان القاهرة أو أسيوط عن رمضان واشنطن أو كاليفورنيا. رمضان الولايات المتحدة، إذا ما تغاضينا عن الاختلاف بين أبناء الجاليات المسلمة حول تحديد بداية ونهاية الشهر، يعتبر شهرا مثاليا تتجسد فيه المعانى الأصيلة والحقيقية للصيام خاصة إذا ما أضفنا إلى ذلك أن اختيار الفرد للصيام والالتزام الأخلاقى الزائد ينبع من قناعة شخصية، وليس من خوف من قوانين المجتمع أو تقاليد الأسرة كما هو الحال عند الكثيرين فى مصر والدول الإسلامية.
أما فيما يتعلق بموعد بدء شهر رمضان، وكما هى العادة فى انقسام بعض الدول الإسلامية، يظهر هذا الانقسام بين مسلمى الولايات المتحدة حول أول أيام شهر رمضان الكريم، بما يعكس اختلاف بدايات رمضان من دولة إسلامية إلى أخرى. الكثير يبدأون صيام الشهر الكريم مع دولهم الأم، فى حين يقرر آخرون الانتظار إلى حين إعلان الاتحاد الإسلامى لدول أمريكا الشمالية (ISNA)، والتى تعد من أكبر المنظمات الإسلامية فى الولايات المتحدة وكندا، عن أول أيام الشهر الكريم. وكان الجمعة الماضية هو أول أيام الشهر الكريم رسميا فى أمريكا الشمالية.
***
وهناك بعض الاستعدادات غير التقليدية تتزامن مع حلول شهر رمضان فضلا عن الاستعدادات التقليدية لاستقبال رمضان. فقد اعتاد الشهر الكريم أن يشهد قيام قادة الجالية الإسلامية من خلال المساجد والمراكز الإسلامية بدعوة المسلمين إلى إحياء شعائر الشهر الكريم، وإعلان هذه المراكز عن برامج روحية وتثقيفية وترفيهية لمرتاديها من أبناء الجالية. لكن اختلف الأمر هذا العام مع استمرار إغلاق الكثير من المساجد بسبب تفشى فيروس كورونا.
كذلك تستعد المطاعم والمقاهى العربية لاستقبال أعداد كبيرة من الزبائن فى الفترة الممتدة من موعد الإفطار، الذى جاء فى أول أيام الشهر الكريم فى تمام الثامنة والنصف مساء، وحتى انتهاء وقت السحور. كما يحرص المسلمون على التوجه خلال الأيام التى تسبق حلول شهر رمضان لشراء احتياجاتهم خاصة من التمور والياميش إضافة إلى المشروبات التقليدية. كذلك يدعم المسلمون بعضهم بعضا فيما يتعلق بالاستعداد النفسى لتعديل مواعيد النوم والاستيقاظ، وانشغال الأسر فى التفكير فى قوائم المدعوين وأفضل الأوقات لدعوة المعارف والأصدقاء لتناول الإفطار أو السحور.
ويمكن لأى فرد أن يستشعر أجواء رمضان قبل حلوله بليلة أو ليلتين من كم الزحام والإقبال على المتاجر العربية والإسلامية لشراء احتياجات الشهر الكريم. وزاد الازدحام خلال الأسبوع الماضى خاصة فى المحال التى تبيع اللحوم المذبوحة طبقا للشريعة الإسلامية، وهى محال منتشرة أيضا فى أغلب مناطق تركز الجاليات الإسلامية. وتتضاعف المبيعات طوال شهر رمضان بمناسبة الاستعداد لتجمعات ودعوات الأهل والأصدقاء. ويؤكد أحد أصحاب المحلات العربية أن مبيعات الأغذية خلال شهر رمضان تعادل ثلث حجم المبيعات السنوية.
***
لا تختلف طرق الاحتفال برمضان بين مسلمى أمريكا عنها فى مصر، فبمجرد معرفة موعد بدء الشهر الكريم يتبادل المسلمون التهانى، وتمتلئ المقاهى والمطاعم العربية المنتشرة فى مختلف ولايات أمريكا بالشباب يتبادلون عبارات التهنئة سواء كانت باللغة العربية أو الإنجليزية، كذلك يتم متابعة البرامج والمسلسلات العربية وكأنك فى مصر تماما.
ورغم عدم اعتبار المناسبات الدينية الإسلامية عطلة رسمية حكومية أو ذات طبيعة خاصة، إلا أنه مع تنامى معرفة المجتمع الأمريكى بالإسلام والمسلمين أصبح الكثير من المؤسسات التعليمية والاقتصادية وأصحاب الأعمال والشركات تتفهم حق المسلمين فى الاحتفال بأعيادهم والصيام وما يتطلبه ذلك من تعديل بعض مواعيد تناول الطعام، وترتيبات أوقات الصلاة. كذلك توصى إدارات الجامعات والمدارس الأساتذة بعدم عقد اختبارات فى أيام الاحتفال الدينية وعدم تكليف الطلاب بواجبات منزلية مجهدة، لكن غير فيروس كورونا ذلك مع اتجاه الكثير من الأعمال والدراسة لتصبح أونلاين.
ولا يعرف أحد بدقة أعداد المواطنين الأمريكيين المسلمين، لأن الإحصاءات الرسمية الأمريكية لا تأخذ الدين (العقيدة) بعين الاعتبار لأنه يعد أحد أهم الحقوق والحريات الإنسانية الخاصة التى لا يجب أن تتدخل فيها الدولة. إلا أن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، وهو أحد أهم منظمات المسلمين الأمريكيين قدر العدد مؤخرا بحوالى 1% من سكان أمريكا أو ما يزيد قليلا على 6 ملايين مسلم، لديهم ما يقرب من 2500 مسجد يتوزعون فى كل الولايات الأمريكية الخمسين.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن
الاقتباس
لا تختلف طرق الاحتفال برمضان بين مسلمى أمريكيا عنها فى مصر، فبمجرد معرفة موعد بدء الشهر الكريم يتبادل المسلمون التهانى، وتمتلئ المقاهى والمطاعم العربية المنتشرة فى مختلف ولايات أمريكا بالشباب يتبادلون عبارات التهنئة سواء كانت باللغة العربية أو الإنجليزية.