المعلومات هى وقود العصر الذى نعيشه، يمكننا أن نقول إن المعلومات هى بترول القرن الحادى والعشرين لكن الاختلاف أن البترول من السهل تسعيره حتى مع التدخلات السياسية والعلاقات الدولية المعقدة، المعلومات من الصعب جدا تسعيرها، جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعى تعتمد فى عملها على المعلومات. سنتحدث فى مقال اليوم عن المعلومات: ما هى؟ ما حجمها؟ كيفية استخدامها؟ ما الأخطار التى قد نواجهها بسببها؟
أول خطوة هى التعرف على ماهية المعلومات؟ ولكى نفعل ذلك يجب أن نعرف العلاقة بين البيانات (data)، والمعلومات (information)، والمعرفة (knowledge)، والحكمة (wisdom). البيانات هى كل شىء يمكن قياسه مثل: عدد التفاعلات على بوست معين على موقع من مواقع التواصل الاجتماعى أو عدد السيارات التى مرت من شارع معين فى ساعة معينة أو الوقت الذى استغرقته أنت فى مطالعة مقال على تليفونك المحمول إلخ، هذه أمثلة من قياسات بسيطة، هناك قياسات أكثر تعقيدا مثل مستوى الغضب فى التعليقات على منشور معين على موقع تواصل. بخلاف القياسات فإن البيانات قد تكون فيديو تم تصويره فى مكان ما أو تسجيلا صوتيا أو رسائل نصية يتبادلها الناس عبر التليفونات المحمولة إلخ. كل هذه تعتبر بيانات وهناك كم هائل من تلك البيانات يتم انتاجها يوميا، طبعا من الصعب جدا الإحاطة بكم البيانات التى يتم انتاجها يوميا لكن بحسب أحد التقديرات فإن العالم فى 2023 ينتج نحو 329 مليون تيرابايت من البيانات يوميا، لتقريب هذا الرقم للأذهان فإن التيرابايت هو مليون ميجابايت، والميجابايت الواحد تقريبا مليون بايت، والبايت يمكن تقريبيا اعتباره رقما أو حرفا مثلا، كل هذه أرقام تقريبية للتقريب للأذهان هذا الكم من البيانات، ومع التقدم التكنولوجى فإن هذا الكم يتزايد كل عام بمعدل متسارع. التقدم التكنولوجى الذى نقصده ليس فقط القدرة على قياس ثم تخزين هذا الكم من البيانات، بل أيضا ماذا نفعل به. إذا خزنت كل تلك البيانات ولم تفعل بها شيئا فإنها تصبح بلا قيمة. الخطوة التالية بعد التخزين هى توليد معلومات من تلك البيانات.
المعلومات هى استخراج شىء مفيد من تلك البيانات، فمثلا عدد السيارات التى مرت فى شارع معين على مدى الساعة لمدة أسبوع هى بيانات، مع تحليلها يمكن أن نصل إلى نتائج مثل: يحدث اختناق مرورى فى هذا الشارع أيام كذا وكذا ويصبح الشارع خاليا من السيارات بعد الساعة كذا، هذه الاستنتاجات تسمى معلومات. مثال آخر من مواقع التواصل الاجتماعى: عدد «اللايكات» على «بوستات» معينة فى الفيسبوك هى بيانات لكن تحليلها قد يقود إلى معلومات مثل: سكان المنطقة الجغرافية كذا لا يحبون هذه النوعية من الأغانى أو يحترمون جدا هذا الشخص أو يتكلمون كثيرا فى موضوع ما أكثر من غيره أو لا يستقرون على رأى معين فى تلك المشكلة إلخ. إذا تحليل البيانات يقود إلى معلومات، هذه المعلومات هى المهمة وهى التى تعتبر وقود هذا العصر. استخراج المعلومات من هذا الكم الهائل من البيانات هو فوق قدرات البشر لذلك يتم عن طريق أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة، الكثير من تلك المعلومات المتولدة من البيانات تُستخدم فى تدريب برمجيات الذكاء الاصطناعى، لكن المدهش أن تلك البرمجيات تستخدم بعد ذلك فى توليد المعلومات من البيانات، وكلما تم تدريب البرمجيات بمعلومات مرتبة ومنضبطة كلما زادت كفاءة تلك البرمجيات فى توليد المعلومات، وتلك المعلومات الجديدة تُستخدم فى زيادة تدريب البرمجيات وفى المساعدة فى اتخاذ القرارات، تلك العلاقة الدائرية بالإضافة إلى زيادة قدرات أجهزة الكمبيوتر هما جناحا عصر المعلومات والذكاء الاصطناعى.
ربط المعلومات ببعضها يصل إلى المعرفة، مثلا يمكن معرفة الخصائص النفسية لسكان إقليم ما وبالتالى يمكن التأثير عليهم والتأثير ليس دائما سلبيا، بل قد يكون إيجابيا مثل كيفية زيادة كفاءة سكان هذا الإقليم للعمل فى مشروع ما أو زيادة روح الانتماء إلخ. الوصول للمعرفة عن طريق المعلومات أصعب من الوصول للمعلومات عن طريق البيانات ويحتاج إلى وسائل أكثر تعقيدا سواء من البرمجيات أو التدخل البشرى. الوصول إلى قواعد عامة من تلك المعرفة المتولدة من المعلومات هو ما يسمى بالحكمة ومازالت هى الخطوة الأصعب وتعتمد على التدخل البشرى.
كل هذا يقول لنا إن العقل البشرى مازال أقوى من الذكاء الاصطناعى لأننا فى تفكيرنا لا نعتمد على البيانات والمعلومات والمعرفة فقط لكننا نعتمد على ذاكرة جمعية وثقافة تجمعت على مدى سنوات كثيرة وهذا ليس بمقدور الآلة على الأقل حتى الآن.
هل نحن مستعدون فى مناهجنا الدراسية فى الجامعة لعصر المعلومات بجميع فروعه؟ أم نحن نركز فقط على الذكاء الاصطناعى لأنه «موضة العصر»؟