استضافت العاصمة الفرنسية، باريس، يومى 10 - 11 فبراير الجارى، قمة عالمية للذكاء الاصطناعى تضمن جدول أعمالها خمسة موضوعات منها؛ توظيف الذكاء الاصطناعى فى خدمة المصلحة العامة، الابتكار والثقافة، وحوكمة الذكاء الاصطناعى على الصعيد العالمى. حضر القمة قادة سياسيون من كل أنحاء العالم بينهم نائب الرئيس الأمريكى، ونائب رئيس الوزراء الصينى، والمستشار الألمانى، ورئيس الوزراء الهندى، والأمين العام للأمم المتحدة، إضافة إلى قادة قطاع التكنولوجيا فى العالم. فى ضوء ما سبق، نعرض أبرز الآراء الواردة فى عدد من الجرائد والمواقع العربية والأجنبية حول مخرجات هذه القمة:
يقول الكاتب التونسى الهاشمى نويرة، فى مقاله المنشور فى جريدة البيان الإماراتية، إن المشاركين ناقشوا، خلال هذه القمة، مجالات تتعلق بالذكاء الاصطناعى، كما تمّ استعراض مخاطر وتداعيات هذه الثورة التكنولوجية على العالم.
ويضيف نويرة أن كل الدول والمجتمعات لا تتساوى -كما هو معلوم- إذ تخصّص الدول الرائدة فى هذا المجال مبالغ لافتة تصل مع الولايات المتّحدة الأمريكية إلى 500 مليار دولار، وكذلك الأمر فى الصين، إذ تبلغ التوقعات 120 مليار دولار مع حلول عام 2027.
وفى هذا الصدد، يشير الكاتب مارك سكوت، فى مقاله المنشور على موقع «Tech Policy Press»، إلى استثمارات الاتحاد الأوروبى الواردة على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، معلنة عن 50 مليار يورو من الدعم العام لمشاريع الذكاء الاصطناعى القائمة فى أوروبا (كجزء من خطة استثمار ضخمة فى قطاع الذكاء الاصطناعى الأوروبى بقيمة 200 مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة)، مضيفة أن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعى فى التطبيقات الخاصة بالصناعة وتسخير قوتها من أجل الإنتاجية والبشر، هو المكان الذى يمكن لأوروبا أن تقود فيه السباق حقًا.
يرى باحثو المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن استثمارات الاتحاد الأوروبى لا تزال متواضعة مقارنة بحجم الاستثمارات الأمريكية والصينية فى مجال الذكاء الاصطناعى.
يضيف باحثو المركز أن أوروبا تتحدث عن تنظيم القوانين أكثر مما تتحدث عن دعم الابتكار، فالشركات الناشئة الأوروبية تعانى من أجل الحصول على تمويل ضخم، ما يدفعها إلى الهجرة إلى وادى السيليكون.
لكن أورد الكاتب نويرة فى مقاله، أن أوروبا تسعى إلى سدّ الفجوة فى الذكاء الاجتماعى التى تفصلها عن الولايات المتحدة والصين بالخصوص، وهو ما يفسّر تخصيص إمكانيات مادّية ضخمة لتطوير هذا القطاع، ناهيك أنّ فرنسا تعتزم رصد 109 مليارات يورو لتطوير بنيتها التحتية فى مجال الذكاء الاصطناعى من خلال مشاريع مشتركة مع جهات دولية أهمها دولة الإمارات، حيث أعلنت الرئاسة الفرنسية أنّ الاستثمار الإماراتى فى هذا الخصوص هو ما بين 30 و50 مليار يورو.
• • •
على صعيد آخر، يرى الكاتب شاكيل هاشم، فى مقاله المنشور على تطبيق «Substack»، أن قمة باريس للذكاء الاصطناعى فشلت لكن هذا الفشل أظهر بشكل قاطع أن النهج الحالى لحوكمة الذكاء الاصطناعى غير فعال. ويشير الكاتب إلى التناقض الواضح بين إجراءات القمة والأحداث المتزامنة، ففى حين احتفل المسئولون الفرنسيون بأبطال الذكاء الاصطناعى، حذر العالم ديمس هاسابيس، أحد مؤسسى شركة «ديب مايند» Deep Mind، من احتمالية تحقق حلم الذكاء الاصطناعى العام فى غضون خمس سنوات. كما انتقد داريو أمودى، الرئيس التنفيذى لشركة «أنثروبيك» (شركة ذكاء اصطناعى أمريكية) القمة ووصفها بـ«الفرصة الضائعة»، مضيفًا أن المطلوب الآن هو تركيز أكثر على التحديات التقنية والاجتماعية لأنظمة الذكاء الاصطناعى «نظرًا للوتيرة السريعة التى تتقدم بها التكنولوجيا».
ويؤكد هاشم أن هذه التكهنات ليست كلامًا فارغًا بل هى تحذيرات صادرة من أشخاص يقومون ببناء هذه الأنظمة، ويعترفون -صراحة- بأنهم لم يحققوا نجاحًا فى مواجهة التحديات التقنية والاجتماعية، التى تعوق جعل أنظمة الذكاء الاصطناعى آمنة.
يستشهد هاشم بقول العالم هاسابيس: «إننا فى حاجة إلى قضاء المزيد من الوقت من جانب خبراء الاقتصاد والفلاسفة وعلماء الاجتماع لمعرفة» ما هى ملامح العالم الذى نريده فى ظل وجود الذكاء الاصطناعى العام، ويشير هاشم إلى غياب هذا النوع من المحادثات عن قمة باريس، عكس ما أورده الكاتب نويرة عن مناقشة القمة لمحاور عديدة منها الهجمات الإلكترونية والسلامة المعلوماتية، إضافة إلى تأثيرات الذكاء الاصطناعى على العلوم والصحّة والاقتصاد ومستقبل العمل، وبالخصوص مسألة الحوكمة العالمية للذكاء درءًا للتجاوزات وسعيًا للسيطرة عليها.
يضيف هاشم: «إن فشل القمة يتجلى بشكل واضح فى «بيانها بشأن الذكاء الاصطناعى الشامل والمستدام للناس والكوكب»، إذ يرى العالم ستيوارت راسل أن فشل القمة فى معالجة المخاطر الكارثية كان إهمالًا غير مسبوق. واتفق خبراء آخرون على أن الإعلان كان خاليًا تمامًا من أى إجراء لمعالجة مخاطر الذكاء الاصطناعى».. وهذا إهمال لا يغتفر.
فى ضوء ما سبق، يوضح هاشم أن البيان النهائى للقمة بلا مضمون ومثير للانقسام، حيث رفضت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التوقيع عليه. وكان تفسير حكومة المملكة المتحدة أن الإعلان لم يوفر وضوحًا عمليًا كافيًا بشأن الحوكمة العالمية، ولا يعالج بشكل كافٍ الأسئلة الأكثر صعوبة حول الأمن القومى. أما الولايات المتحدة فيوضح الكاتب طاهر هانى، فى مقاله المنشور على موقع «فرانس 24»، تبريرها لعدم التوقيع، بحسب ما جاء على لسان نائب الرئيس الأمريكى، جيه. دى. فانس، قائلًا: «نعتقد أن التحيز الإيديولوجى ليس له مكان فى الذكاء الاصطناعى»، منتقدًا التدابير التى اتخذها مصممو الذكاء الاصطناعى للحد من التحيزات العنصرية والجنسية التى قد تظهر فى هذه الأنظمة. ويؤكد شاكيل هاشم أن فشل القمة أظهر حقيقة مفادها أن البلدان إذا تُرِكَت لأجهزتها، فإنها سوف تميل إلى إعطاء الأولوية للمصالح الخاصة على الأمن الجماعى.
ختامًا، انقسمت الآراء بين المدح والانتقاد لقمة باريس العالمية للذكاء الاصطناعى، بين من يرى أن القمة نجحت فى جلب المزيد من الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى، وطرف ناقد يرى أنها أهملت تناول القضايا الجوهرية لأنظمة الذكاء الاصطناعى على حساب قضايا أخرى سطحية. لكن المؤكد أن هذه القمة أبرزت احتياج الحكومات إلى الاعتراف بأن أنظمة الذكاء الاصطناعى التحويلية آتية، ربما قريبًا، ونحن غير مستعدين تمامًا لوصولها.
إعداد: وفاء هانى عمر
النصوص الأصلية:
https://tinyurl.com/58stn6sr
https://tinyurl.com/mpt2vfhj
https://tinyurl.com/y8akn9bs
https://tinyurl.com/42zwvv5t
https://tinyurl.com/357cnnjs