نشرت مجلة «foreign policy» مقالا للكاتب «زاك دورفمان» يتناول فيه اليمين المتطرف فى إسرائيل وجذوره التى تعود لما يعرف برابطة الدفاع اليهودية التى أسسها الحاخام المتطرف مائير كاهان.
غالبا ما اشتملت السياسة الإسرائيلية على ائتلافات غريبة. لكن ربما لم يكن هناك أى ائتلاف أكثر غرابة من الائتلاف الذى شكله رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قبل انتخابات 9 إبريل. ففى صفقة دبرها نتنياهو فى فبراير الماضى، اندمج حزب أوتزما يهوديت، وهو حزب سياسى عنصرى له صلات بالإرهاب، مع حزب البيت اليهودى الأكثر محافظة للانضمام إلى قائمة موحدة تدعم نتنياهو. فى الحقيقة، يعد أوتزما يهوديت، أو «القوة اليهودية» الوجه الأحدث لحزب «كاخ» القديم، الحركة الراديكالية التى أسسها قبل عقود الحاخام الراحل مائير كاهان، أكثر المتطرفين اليهود شهرة فى القرن العشرين. وبذلك يعطى نتنياهو ختم الموافقة على حزب له جذور «إرهابية». وتم تعزيز ذلك من خلال إعلانه فى 7 أبريل أنه سيضم مستوطنات الضفة الغربية ــ التى يرى «أوتزما يهوديت» أنها جزء من ولاية إسرائيل الإلهية. وأدى ذلك إلى إدانة واسعة من الجماعات اليهودية من اليسار واليمين فى كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
الحاخام مائير كاهانا
كان كاهانا أمريكيا، وُلد فى بروكلين. قبل مغادرته إلى إسرائيل عام 1971، أسس رابطة الدفاع اليهودية، واحدة من أكثر الجماعات الإرهابية انتشارا فى الولايات المتحدة فى السبعينيات والثمانينيات. وقد تكون هى المجموعة الإرهابية الأمريكية الأصلية الوحيدة التى انتشرت بنجاح فى الخارج. ويعد ذلك مؤشرا على أن الإرهاب يمكن أن ينتشر فى جميع أنواع المجتمعات، بما فى ذلك المجتمعات الديمقراطية.
تأسست فى عام 1968 واكتسبت أنصارا لها فى المدن الكبيرة فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، ووجهت غضبها ضد الاتحاد السوفيتى وكانت هجماتها على المنشآت السوفيتية فى الولايات المتحدة مدمرة لدرجة أن مستشار الأمن القومى آنذاك هنرى كيسنجر عبر عن ارتياحه عند سماعه إدانة كاهان، كما تبنت الحركة شكلا فاشيا من الصهيونية المطالبة بالتطهير العرقى الجماعى للفلسطينيين.
على مدى ثلاثة عقود تقريبا، شنت تلك الرابطة حملات إرهابية عنيفة على الأراضى الأمريكية، حيث ارتكبت عشرات التفجيرات وأعمال التخريب ومحاولات اختطاف الطائرات وعمليات الاختطاف على السواحل. وبالطبع كانت المنشآت الدبلوماسية السوفيتية والشرق أوسطية والمؤسسات المرتبطة بالدولة أهدافا متكررة. فى عام 1981 وحده، على سبيل المثال، قصفت بنكا إيرانيا فى سان فرانسيسكو، وألقت قنبلة أنبوبية على سيارة تابعة لبعثة الأمم المتحدة السوفيتية فى نيويورك، وألقت قنابل مولوتوف على المكتب السياحى للحكومة المصرية فى مانهاتن..
وفى أول قصف معروف له فى عام 1972، فجرت الحركة مكاتب «وكالة المواهب» فى مدينة نيويورك المنخرطة فى برنامج التبادل الثقافى مع الاتحاد السوفيتى، وهو ما أسفر عن مقتل عامل وإصابة 13 آخرين. وفى عام 1982، أشعل أعضاؤها النار فى مطعم عربى فى أتلانتيك أفنيو فى بروكلين، وهو ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثمانية. ووصفه عمدة مدينة نيويورك إد كوتش ــ اليهودى ــ بأنه «عمل بربرى»، وانتقد الحركة باعتبارها لا تختلف عن المنظمات الإرهابية الأخرى.
لكن أتباع كهان لم يتوقفوا. ففى عام 1985، قاموا باغتيال متعاون من النازيين على عتبة منزله فى نيوجيرسى وقصف مكتب الحقوق المدنية فى أمريكا الجنوبية فى جنوب كاليفورنيا، وهو ما أسفر عن مقتل مديره، أليكس عودة، وإصابة سبعة آخرين. وفى ديسمبر 2001، خططت الحركة لقصف مسجد تموله السعودية ومكاتب النائب داريل عيسى، وهو جمهورى من أصل لبنانى، فى جنوب كاليفورنيا. واعتقل مكتب التحقيقات الفيدرالى المشتبه بهم قبل أن يتمكنوا من تنفيذ مخططهم.
وقرر كاهانا خوض الانتخابات، وفاز أخيرا بمقعد فى البرلمان الإسرائيلى عام 1984 تحت راية حزب كاخ. .فى عام 1988، مستشهدة بعنصرية كاخ والتحريض العنيف ضد الفلسطينيين، منعت السلطة الانتخابية الإسرائيلية الحزب من السياسة الإسرائيلية. بمرور الوقت، أعاد أتباع كاهان التجمع تحت رايات مختلفة للأحزاب لكنهم ظلوا دائما خارج الائتلافات الانتخابية. وفى مارس الماضى، صوتت لجنة الانتخابات المركزية فى إسرائيل بفارق ضئيل ضد منع أوتوزما يهوديت من خوض الانتخابات.
اغتيل كاهان فى مدينة نيويورك عام 1990 على يد متطرف عربى، لكن أفكاره لم تنتهى. ففى عام 1994، سار باروخ جولدشتاين، وهو كاهانى من مواليد بروكلين يعيش فى مستوطنة متطرفة فى الضفة الغربية، فى الجانب المسلم من قبر البطاركة فى الخليل (المسجد الإبراهيمي) وفتح النار، وهو ما أدى إلى مقتل 29 من المصلين. وأغضب ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين، ووصفه بأنه «قاتل متهور»، وأن الكهانيين «زرع أجنبى».
وفى العام التالى، اغتيل رابين، الذى كان يركز بشدة على عملية أوسلو للسلام، على يد يغئال أمير، وهو متطرف يمينى. وفى العقد الماضى، قاد المستوطنون الكهانيون المتطرفون، بمن فيهم حفيد مائير كاهانا نفسه، ما يسمى بهجمات تدفيع الثمن ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية، والتى تضمنت أعمال إحراق فتاكة.
بمرور الوقت، نجد أن السياسة الإسرائيلية تتفق بشكل متزايد مع رؤية كاهانا، بما يمهد الطريق لاحتلال دائم للأراضى الفلسطينية. بعد بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى عام 2000، اتجهت السياسة الإسرائيلية إلى اليمين أكثر، ويظهر احتضان نتنياهو لحزب أوتزما يهوديت كيف أن رؤية كاهانا تسربت، ببطء ولكن بثبات، إلى التيار الرئيسى. ويمثل الكهانيون تذكيرا دائما بأن الإرهاب والتطرف يمكن أن يتجذرا فى أى مكان.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسي