ما حدث فى الجزائر والسودان خلال الأيام الأخيرة هو دروس وهدايا مجانية لمصر، حتى لا نقع لا قدر الله فى نفس الأخطاء، فندفع ثمنا باهظا.
فى الماضى كانت تجارب وخبرات الشعوب يصعب نقلها إلى غيرها لأسباب متعددة، لكن ثورة الاتصالات سهلة الأمور تماما، بل وصارت «العدوى» سواء كانت إيجابية أو سلبية، تنتقل بسرعة البرق. لأن الناس صارت تتابع ما يحدث فى الخارج بصورة لحظية.
نعود إلى فكرة الدروس أو الهدايا، حيث يمكننا بسهولة تجنب تكرار الأخطاء الفادحة التى قادت إلى ما حدث فى كل من الجزائر والسودان.
الدرس الأول: الذى ينبغى تعلمه وعدم نسيانه دائما هو عدم التجاهل التام للشعب، والاعتقاد أنه سيقبل بأى شىء تقرره الحكومة وأجهزتها.
الدائرة المحيطة بالرئيس الجزائرى المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، قررت ــ كما علمنا منه لاحقا ــ أن تدفعه للترشح للمرة الخامسة من دون حتى رغبته. هذه الدائرة المحيطة أو المستفيدة منه، لم تفكر حتى فى ترشيح أى شخص آخر يدافع عن مصالحها، لكنها اعتقدت أن الشعب قد مات تماما، وسيقبل أى شىء يعرض عليه، ولم تفكر أبدا أنها تهين كبرياءه وكرامته!.
الدرس الثانى: هو اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب. بوتفليقة اتخذ كل القرارات التى أرادها الشعب ولكن بعد فوات الأوان. لا قيمة لأى قرار إلا إذا كان فى موعده. كان يمكن أن يدخل بوتفليقة التاريخ من أوسع أبوابه، إذا لم يترشح للعهدة الخامسة، لكن حينما فعل، فكان ذلك بعد فوات الأوان. وحكم على نفسه أن يكون فى زمرة الحكام الذين لفظهم الشعب وأخرجهم من الحكم بطريقة غير لائقة.
نفس الأمر مع البشير. قرر أن يعدل الدستور قبل الاحتجاجات ليترشح لمرة جديدة. وحينما تراجع عن ذلك، لم يكن الأمر كافيا. قرر أن يرفع أسعار السلع الأساسية دون أن يدرس أثر ذلك على الناس، وحينما تراجع، كان الوقت قد فات. وانتهى الأمر بخلعه من الحكم والتحفظ عليه، وربما محاكمته فى وقت لاحق. كان يمكنه أن يخرج بطريقة كريمة، لكن جنون وشبق السلطة، أعماه عن كل شىء، فكانت النهاية الأليمة.
الدرس الثالث: أن بناء أكبر قدر من التوافق الوطنى مع القوى والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والأهلى، والسماح بالحريات العامة تحت سقف القانون والدستور، سيكون أفضل تنفيس عن كل المشكلات والأزمات، ولن يجعل الأمور تصل فجأة إلى المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات وسقف المطالب المرتفع، الذى ينتهى بالبيان رقم «١».
الدرس الرابع: هو ضرورة إيمان أى نظام حكم ببناء قوى سياسية مدنية حقيقية وفاعلة، حتى تكون حائط صد ضد قوى العنف والتطرف والإرهاب، التى تكون كامنة ومستعدة للانقضاض على الحكم والمجتمع بمجرد أن تسنح لها الفرصة.
هذه فى عجالة أبرز الدروس المستفادة مما حدث فى الجزائر والسودان. وفى الحالة المصرية علينا أن ندرس بهدوء استعادة تحالف ٣٠ يونيو ٢٠١٣ الذى أسقط الإخوان، وكان مؤهلا أن يساهم فى بناء دولة حديثة.
لا أتحدث عن أشخاص بعينهم، ولكن عن قوى وتنظيمات وجمعيات. لا يمكن لحكومة أن تدخل فى حالة عداء مع كل مكونات المجتمع المصرى ثم تعتقد أن الأمور يمكن أن تسير على ما يرام.
ليس عيبا بالمرة أن تتراجع الحكومة عن بعض السياسات والقرارات والاتجاهات والأفكار التى ثبت أنها خاطئة.
العيب الأكبر هو الاستمرار فيها، ظنا أن التراجع عنها يقلل من هيبة واحترام الحكومة والنظام.
على سبيل المثال كانت الحكومة ترفض تماما أى تحسين فى رواتب الموظفين وأصحاب المعاشات، لأن ذلك سيزيد من نسبة التضخم ومن عجز الموازنة، وهو كلام صحيح اقتصاديا، لكنه خاطئ سياسيا تماما. وحينما اتخدت الحكومنة قرارات الزيادة أخيرا، صفق لها الجميع ورحب بخطوتها، التى نزعت الكثير من الألغام التى زرعتها بنفسها تحت أقدامها.
نتمنى أن تفكر الحكومة فى المزيد من القرارات والإجراءات التى تهدئ النفوس وتتيح أكبر قدر من التوافق بين مكونات المجتمع، بدلا من زيادة الاحتقان والاستقطاب.