لشد ما نحتاج الآن وأكثر من أى وقت مضى إلى نظرة متمعنة تسبر أغوار وراء تخلف عنا بحلوه ومره قبل أن نخطو خطوة واحدة إلى أمام غامض مجهول نتحسس فيه مواطن أقدامنا.
كتاب، سياسيون، قادة رأى، إعلاميون.. الكل مدعو أن يترك لنظره العنان وأنفاسه هادئة غير مضطربة وعقله مستوعب غير متشنج، والإسلاميون تحديدا فى صدارة المدعوين، فبهم أبدأ.
كثيرون قد أساءوا إلى فكرة المشروع الإسلامى أيما إساءة بممارسات اتسمت بالعشوائية والرعونة تارة، وباحتقار الآخرين وازدراء آرائهم تارة، وبالخلط بين المقدس الذى يسمو على الانتقاد وبين اجتهادات بشرية تصيب وتخيب، وتنفير عامّة الناس بخطاب عنيف وتكفيرى فى أكثر من مناسبة، والبعض خلف وعودا ونكص فى عهود.
غير أن أرتفع ببصرى إلى أعلى قليلا لأشاهد الصورة كاملة فأدرك أن تضافر عوامل مثل العزلة الشعورية التى عاناها قطاع كبير من أبناء التيار الإسلامى قبل الثورة بفعل التنكيل الأمنى ثم نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية المفاجأة للجميع بمن فيهم الإسلاميون أنفسهم مع افتقار إلى الجهازية الفعلية لتحمل كل هذه المسئوليات دون مشاركة الآخرين.. كل هذه العوامل وغيرها أنتجت حالة من الزهو عند الرءوس والقيادات تسببت بعد ذلك فى «انعدام التوازن النسبى»، وحالة من العشوائية وضبابية الرؤية أضيفت إلى عيوب متوارثة أبرزها التعصب عند القواعد.
ولقد لعب الإعلام الدور السلبى الأبرز فى هذا المشهد، ما بين قنوات ترفع الشعار الإسلامى ــ يستثنى منها أقل القليل ــ قدمت خطابا مرتجلا قد شوهته فظاظة أسلوب وبذاءات وتناول لسفاسف الأمور وافتعال لمعارك وهمية وتساهل فى تصدير شخصيات منفلتة متواضعة الرصيد العلمى الشرعى أو مفتقرة إلى ملكة الخطاب الإعلامى صدرتها لتعبر عن التيار الإسلامى أمام الرأى العام.. وحتى لا يقولن قائل: الآن وقد وافقتهم قبل أو سكت عنهم؟ أرشده بلطف إلى أول مقالة تنشرها لى جريدة الشروق «أيها الشتّامون...لستم دعاة».
والقنوات الإعلامية الأخرى لها مقال آخر منفرد، لكن لا بأس من الإشارة إلى دورها فى خلق موجة مضادة لها فى الاتجاه ومساوية لها فى المقدار، فقد تبنت سياسة افتعال الحرائق بمهارة لا تحسد عليها، واعتادت قلب حقائق واختلاق أكاذيب وتشويها ممنهجا، ونست فى مجموعها أو تناست الدور التنموى الذى انتظره منها شعب عانى من سياسة «تسطيح الأفكار» و«ثقافة اللهو واللعب» عقودا متطاولة.. وزاد على ذلك الآن خطاب عنصرى تحريضى يؤطر للكراهية ويعمق انقسام أبناء الوطن الواحد أكثر وأكثر.. وللحديث تتمة