رؤية إسرائيل لمهددات أمنها وعقيدتها العسكرية الجديدة.. كمدخل لفهم ما يقوم به جيشها - أحمد فاضل يعقوب - بوابة الشروق
الأربعاء 17 سبتمبر 2025 7:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

رؤية إسرائيل لمهددات أمنها وعقيدتها العسكرية الجديدة.. كمدخل لفهم ما يقوم به جيشها

نشر فى : الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 - 7:50 م

حددت لجنة يعقوب ناجل الإسرائيلية الرسمية، فى تقريرها المقدم لنتنياهو ووزير دفاعه، ست تهديدات لأمن الدولة العبرية يجب التعامل معها، وقدمت توصياتها فى هذا الشأن، وفى تقديرى فإن القراءة المتأنية لهذه التهديدات والتوصيات، هى التى يقدم إجابات حول أسئلة مهمة، ومنها هل ستنسحب قوات جيش الدفاع من الجنوب اللبنانى والأراضى التى توسعت فيها عقب حربها على حزب الله فى أكتوبر الماضى، وذلك وفق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع فى نوفمبر 2024، إذا ما تم نزع سلاح حزب الله، كما تأمل حكومة عون؟ وهل يمكن أن تنسحب من الأراضى السورية التى احتلتها عقب سقوط نظام بشار فى ديسمبر الماضى، فى إطار اتفاق أمنى كما تأمل حكومة الشرع؟ وهل من الوارد أن تنسحب تماما من كل قطاع غزة فى إطار أى اتفاق مع حماس كما تأمل؟ وهل ستكرر ضرباتها العسكرية ضد قطر مؤخرا فى دول أخرى؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات فلننظر بداية كيف ترى إسرائيل المهددات لأمنها والتى حددتها كما يلى فى صفحة 29:

      •     التهديد النووى الإيرانى، وهو تهديد خطير ويجب إنهاؤه بأسرع وقت، وبأى طريقة مباشرة أو غير مباشرة. (وقد تم التعامل معه، فى يونيو الماضى، بالضربات المشتركة مع الولايات المتحدة).

      •     وجود احتكاكات على الحدود، سواء استباقية أو كرد فعل (لحدث)، فى غزة والضفة، ولبنان، وسوريا، والأردن، وعلى المدى المتوسط يتوقع أن يختفى ذلك، فى غزة وسوريا ولبنان، مقارنة بالوضع قبل السابع من أكتوبر 2023.

      •     الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى (القصيرة من لبنان وسوريا، والبعيدة من إيران واليمن والعراق)، ويتوقع أن تقل عما كانت قبل الحرب. وبالرغم من ذلك فإنها يمكن تحديثها وزيادة كفاءتها فى المستقبل، والسيناريوهات المستقبلية يجب أن تتضمن تهديدات من دول أخرى. (لم يذكرها التقرير).

       •    تهديد إعادة التسليح من لبنان (أى إعادة تسليح حزب الله)، ومن سوريا (باعتماد النظام الجديد على تركيا فى إعادة التسليح)، ومن غزة (بإعادة تسليح حماس والفصائل الأخرى).

      •     التغييرات الحادة (Drastic) فى دول وقعت إسرائيل معها اتفاقات سلام، أو ليست فى صراع نشط معها، وخص بالذكر (تركيا ـوالأردن ومصر).

      •     تهديد السيادة التكنولوجية، ومثال ذلك حصول دول ومنظمات صغيرة على إمكانيات تكنولوجية كانت دائما محصورة فى حوزة الدول الكبرى، ومنها الطائرات بدون طيار (درونز)، والمسيرات الهوائية، والتى هى صعب اكتشافها وتحطيمها، خاصة إذا كانت فى شكل أسراب، إضافة إلى نظم التسليح التى يمكنها إصابة أعداد كبيرة من القوات البرية، والتطور الاستخباراتى لدى الأعداء.

 

العقيدة الإسرائيلية الجديدة

لمواجهة هذه التهديدات قدمت اللجنة عدة توصيات، وهى ما يتم تنفيذها حاليا بدقة من الحكومة الإسرائيلية وجيشها، وعلى رأسها التحول إلى عقيدة عسكرية جديدة. فقد أشارت اللجنة إلى أن العقيدة الأمنية السابقة، التى وضعها أول رئيس وزراء وهو بن جوريون عقب إنشاء الدولة، كانت تقوم على مبدأ نقل المعارك دائما إلى أرض الأعداء، وأن تكون حروبا قصيرة الأجل، ولكن معظم الحروب الحديثة التى شنتها إسرائيل، لم تعد تلتزم بهذا المبدأ، وفى ضوء ما حدث عقب هجوم السابع من أكتوبر، أصبح من الضرورى التحول إلى عقيدة الهجوم الشامل، والضربات الساحقة، وتطبيق أسلوب صفر تسامح مع أى تهديد، ولو فى مهده، وفى نفس الوقت بناء القدرات الدفاعية والهجومية اللازمة.

وقد حذرت اللجنة من الانسحاب من غزة وترك بقايا حماس التى تتمتع بالإصرار، وعلى مدى سنوات قد تعيد بناء قدراتها، كما حذرت من أن حزب الله، أو ما تبقى لديه من مخزون سلاح وأفراد، حتى لو ترك الجنوب، فيستطيع بمساعدة إيران أن يعيد بناء قواته بشكل أكبر، كما تشككت فى نوايا حكومة الشرع السورية واعتبرتها من خريجى القاعدة، والوجه الذى يظهرونه حاليا هو بغرض الحصول على رضى الغرب وتثبيت السلطة، وأوصت بعدم السماح لأى تنظيمات سورية مسلحة أن تتواجد قرب المناطق التى تسيطر عليها قوات جيش الدفاع.

وللتعامل مع هذه التهديدات والأوضاع، أوصت اللجنة باتخاذ عدة إجراءات على مستوى الدفاع والهجوم، كما يلى: (فى الصفحات من 20 الى 30):

 

الإجراءات اللازمة فى مجال الدفاع

 

أولا: أشادت اللجنة بالنظام الدفاعى متعدد الطبقات الذى حماها، ولا يزال، من صواريخ ومسيرات إيران والحوثيين وحزب الله وحماس، وهو نظام الاعتراض «السهم» الذى طورته فى نهاية التسعينيات، ونظام القبة الحديدية الذى حصلت عليه من الولايات المتحدة، ثم بالتعاون معها طورت نظام مقاليع داود، وأوصت بالحفاظ عليه وتطويره.

ثانيا: نظرا للتهديدات على الحدود، أقامت إسرائيل عدة موانع متعددة الطبقات، سواء فى غزة، وعلى الحدود مع سيناء. كما بدأت فى بناء مانع آخر على الحدود مع لبنان، ولكنه لم يكتمل بشكل نهائى بعد.

ثالثا: يتوقع أن يقل بدرجة كبيرة التهديد القادم من لبنان (حزب الله) ومن غزة نظرا للضربات الشديدة التى تلقياها على مستوى القيادة العسكرية والسياسية، ومخزون السلاح، ولكن يتوقع أن يستمر التهديد القادم من إيران واليمن (الحوثيين)، خاصة طائرات الدرونز وصواريخ كروز، وهو ما يستدعى المزيد من تقوية نظم الرصد والاعتراض.

رابعًا: أوصت اللجنة بالاحتفاظ بمناطق عازلة، (Puffer Zone) مع كل من سوريا ولبنان وغزة، وألا يسمح جيش الدفاع بنمو أى تهديد. (وفى ضوء هذه التوصية الواضحة، فمن المتوقع ألا تنسحب إسرائيل من المناطق التى توغلت فيها عقب سقوط نظام بشار فى ديسمبر الماضى، بعمق نحو 15 كيلومترا وبمساحة نحو 460 كيلومترا مربعا، كما تأمل حكومة الشرع، من خلال توقيع اتفاق أمنى، يعيد إسرائيل كذلك للالتزام باتفاق فض الاشتباك الذى ألغته إسرائيل من طرف واحد، وعلينا كذلك أن نتوقع عدم انسحابها من الجنوب اللبنانى، ومن الأراضى الإضافية التى استولت عليها أثناء حربها على حزب الله ولبنان فى أكتوبر الماضى، وذلك حسب اتفاق وقف إطلاق النار الموقع برعاية أمريكية فرنسية فى نوفمبر 2024، حتى مع نزح سلاح الحزب، وهو ما تأمل فيه حكومة عون، كما علينا أن نتوقع عدم انسحابها من كل قطاع غزة فى أى اتفاق قادم مع حماس).

خامسا: نظرًا لاحتمالات تهريب سلاح من إيران إلى وعبر الأردن إلى الضفة الغربية، أوصت اللجنة بالإعداد والتخطيط لبناء «مانع» على الحدود مع الأردن، وهى أطول حدود مع دولة جارة، وإن يتواجد عليه قوات متحركة برية وجوية، ونظم استشعار واستخبارات، وفى المرحلة الثانية بناء سور كامل، وقد حذر من أى تهديدات للأردن، وأوصى بالعمل على منعها من خلال التعاون الأمنى. (ص 13).

سادسا: أدى سقوط نظام الأسد لإغلاق خط الإمداد بالسلاح من إيران إلى حزب الله فى لبنان، ولكن تخفيض الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق فى عام 2026، يمكن أن يؤدى لزيادة النفوذ الإيرانى فى العراق، وبالتالى يحذر من تسليحها للميلشيات الشيعية العراقية.

سابعا: توصى بتطوير «مفهوم دفاعى» يقوم على السماح بالاحتكاكات (أى توجيه ضربات) خلف الحدود، للحد من أى تواجد عدائى قبل أن يحدث، ومنع عمليات العدو، كما أكدت أن الأوضاع الجديدة سوف تسمح لجيش الدفاع بالعمل المستمر فى الفضاء الواسع، (وهذا المبدأ معناه القيام بضربات فى الدول التى ترى وجود أى تهديد منها، وبالتالى يمكن أن نتوقع، فى ضوء ذلك، أن تقوم إسرائيل بضربات داخل العراق لما تراه من تهديدات ميليشيات شيعية، على شاكلة استمرار الضربات داخل الأراضى اللبنانية، والسورية واليمنية، كما علينا أن نتوقع تكرارها للضربات العسكرية التى قامت بها ضد قطر مؤخرا فى أى دولة أخرى فى المنطقة).

 

الإجراءات الهجومية

خلصت اللجنة فى ضوء العقيدة العسكرية الجديدة لجيش الدفاع إلى التوصيات التالية المتعلقة بالإجراءات الهجومية اللازمة:

أولاً: سيقوم جيش الدفاع بالرد الفورى، وبعدوانية أكثر، على أى تهديدات حالة أو فى طور النمو، وفى كل القطاعات، وذلك حتى عقب أى اتفاقيات يتم توقيعها بعد الحروب الحالية. (وهذا ما يفسر لنا استمرار إسرائيل بتوجيه ضربات شبه يومية للبنان، واستهدافها لأفراد ومنشآت تزعم أنها لحزب الله، والذى يعد انتهاكات واضحة للسيادة اللبنانية، رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، كما أن هذا هو المتوقع حتى مع أى اتفاقات مستقبلية مع سوريا أو حماس).

ثانيًا: سيتم القيام بالرد فى أى مكان، سواء برا أو بحرا أو جوا.

ثالثًا: إن الردع الإسرائيلى، وقدرة الدولة على كسب أى حرب، يعتمد أساسا على قدراتها الهجومية، وأن ما يؤدى إلى الإنجاز الاستراتيجى هو القدرة على الإضرار بالعدو، وحتى هزيمته بشكل كامل. ولذلك يجب أن يتم التركيز على القدرات الهجومية وتدريب وتعليم القادة الميدانيين على هذه الروح، والمبادئ الجديدة.

رابعًا: التوصية بأن تكون الموازنة المخصصة هى بنسبة سبعين فى المائة للتسليح الهجومى، وثلاثين فى المائة للتسليح الدفاعى، مع الأخذ فى الاعتبار أن بعض مجالات التسليح هى للدفاع والهجوم فى نفس الوقت، ومنها الزوارق الحربية والقوات الجوية.

فإذا كانت هذه هى التهديدات التى تراها إسرائيل، وهذه هى عقيدتها العسكرية الجديدة الهجومية، وتلك هى مبادئها وإجراءاتها وتوصياتها الملزمة، التى يقوم بتنفيذها جيش الدفاع فى المنطقة، من الآن وللسنوات العشر القادمة، والتى حددها تقرير لجنة يعقوب ناجل، فلنا أن نتوقع استمرار المشهد الحالى الذى نراه من توحش إسرائيل فى المنطقة وعليها، ولعقد قادم، ما لم تحدث تطورات غير متوقعة.

 

 

أحمد فاضل يعقوب مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر السابق لدى باكستان
التعليقات