اللوبى الإسرائيلى - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللوبى الإسرائيلى

نشر فى : الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 11:15 م | آخر تحديث : الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 11:15 م

نشرت مدونة London Review Of Books مقالا للكاتبين «ويندل هاريسون» ــ أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو ــ وستيفين والت ــ المحرر بالمدونة ــ حول الدور المتنامى الذى يلعبه اللوبى الإسرائيلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

بداية ذكر الكاتبان أنه وعلى مدى العقود العديدة الماضية، وخاصة منذ حرب الأيام الستة فى عام 1967، كان محور سياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط علاقتها مع إسرائيل. إن الجمع بين الدعم الثابت لإسرائيل والجهود ذات الصلة لنشر «الديمقراطية» فى جميع أنحاء المنطقة قد ألهب الرأى العربى والإسلامى وعرض أمن الولايات المتحدة للخطر، فلماذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بأمنها وأمن العديد من حلفائها من أجل النهوض بمصالح دولة أخرى؟ يمكن للمرء أن يفترض أن العلاقة بين البلدين كانت قائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة أو الضرورات الأخلاقية المقنعة، ولكن لا تفسير يمكن أن يمثل المستوى الملحوظ للدعم المادى والدبلوماسى الذى تقدمه الولايات المتحدة.

فتوجه السياسة الأمريكية فى المنطقة يستمد بالكامل من السياسة الداخلية للولايات المتحدة، ولا سيما أنشطة «اللوبى الإسرائيلى». وقد تمكنت جماعات المصالح الخاصة الأخرى من تحريف السياسة الخارجية، ولكن لم يتمكن أى من اللوبيين من تحويله بعيدا عن ما تقترحه المصلحة الوطنية، فى الوقت الذى يقنع الأمريكيين بأن المصالح الأمريكية ومصالح البلد الآخر ــ فى هذه الحالة ــ إسرائيل ــ هى متطابقة أساسا.

ومنذ حرب أكتوبر 1973، قدمت واشنطن إلى إسرائيل مستوى من التأييد يقزم من أى دولة أخرى؛ فهى أكبر مستلم سنوى للمساعدة الاقتصادية والعسكرية المباشرة منذ عام 1976، وهى أكبر متلق منذ الحرب العالمية الثانية، لتصل قيمتها إلى أكثر من 140 بليون دولار. تتلقى إسرائيل نحو 3 مليارات دولار من المساعدات المباشرة كل عام، أى ما يقرب من خمس ميزانية المساعدات الخارجية، وتستحق نحو 500 دولار سنويا لكل إسرائيلى. وهذه الأرقام مربكة بشكل خاص، حيث إن إسرائيل الآن دولة صناعية ثرية يساوى دخل الفرد فيها تقريبا دخل كوريا الجنوبية أو إسبانيا.

ويحصل المتلقون الآخرون على أموالهم على أقساط ربع سنوية، ولكن إسرائيل تتلقى كامل مخصصاتها فى بداية كل سنة مالية، وبالتالى يمكن أن تكسب الفائدة عليها. ومعظم المتلقين للمعونة المقدمة للأغراض العسكرية مطالبون بإنفاق كل ذلك فى الولايات المتحدة، ولكن يسمح لإسرائيل باستخدام ما يقرب من 25 فى المائة من مخصصاتها لدعم صناعة الدفاع الخاصة بها. وهى المتلقى الوحيد الذى لا يتعين عليه أن يحسب كيف تنفق المعونة، مما يجعل من المستحيل عمليا منع استخدام الأموال لأغراض تعارضها الولايات المتحدة، مثل بناء المستوطنات فى الضفة الغربية. وعلاوة على ذلك، قدمت الولايات المتحدة إلى إسرائيل ما يقرب من 3 مليارات دولار لتطوير أنظمة الأسلحة، مثل طائرات الهليكوبتر من طراز بلاك هوك وطائرات من طراز Fــ16. وأخيرا، تمنح الولايات المتحدة إسرائيل إمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية التى تنكرها لحلفائها فى الناتو وتغض الطرف عن حيازة إسرائيل للأسلحة النووية.

***

كما تقدم واشنطن دعما دبلوماسيا ثابتا؛ فمنذ عام 1982، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد 32 قرارا من قرارات مجلس الأمن تنتقد إسرائيل، أى أكثر من العدد الإجمالى لحق النقض الذى قدمه جميع أعضاء مجلس الأمن الآخرين. وهو يعرقل جهود الدول العربية لوضع ترسانة إسرائيل النووية على جدول أعمال الوكالة. وتأتى الولايات المتحدة للإنقاذ فى زمن الحرب، وتأخذ الجانب الإسرائيلى عند التفاوض حول السلام. وحافظت إدارة نيكسون عليه من تهديد التدخل السوفيتى وأعيد تزويده خلال حرب أكتوبر. وشاركت واشنطن مشاركة عميقة فى المفاوضات التى أنهت تلك الحرب، وكذلك فى عملية «خطوة خطوة» التى اتبعت بعد ذلك، كما اضطلعت بدور رئيسى فى المفاوضات التى سبقت وتبعت اتفاقات أوسلو لعام 1993.

يذكر أن دعم إسرائيل ليس هينا، حيث إنه يعقد علاقات أمريكا مع العالم العربى. فعلى سبيل المثال، أدى قرار منح 2,2 بليون دولار من المساعدات العسكرية الطارئة خلال حرب أكتوبر إلى فرض حظر على النفط فى أوبك وألحق أضرارا جسيمة بالاقتصادات الغربية. ولكل ذلك، لم تكن القوات المسلحة الإسرائيلية فى وضع يمكنها من حماية المصالح الأمريكية فى المنطقة. لم تستطع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، الاعتماد على إسرائيل عندما أثارت الثورة الإيرانية فى عام 1979 مخاوف بشأن أمن إمدادات النفط، وكان عليها أن تنشىءقوة الانتشار السريع الخاصة بها بدلا من ذلك.

كما أضاف الكاتبان أن حرب الخليج الأولى كشفت عن مدى تحول إسرائيل إلى عبء استراتيجى. لم تستطع الولايات المتحدة استخدام القواعد الإسرائيلية دون تمزيق التحالف المناهض للعراق، واضطرت إلى تحويل الموارد (مثل بطاريات صواريخ باتريوت) لمنع تل أبيب من القيام بأى شىء قد يضر بالتحالف ضد صدام حسين. وتكرر التاريخ نفسه فى عام 2003: على الرغم من أن إسرائيل كانت حريصة على الولايات المتحدة لمهاجمة العراق، إلا أن بوش لم يطلب منها المساعدة دون إثارة المعارضة العربية. لذلك بقيت إسرائيل على الهامش مرة أخرى.

***

وبدءا من تسعينيات القرن الماضى، وحتى بعد أحداث سبتمبر، كان الدعم الأمريكى مبررا بسبب الادعاء بأن الدولتين مهددتين من قبل جماعات إرهابية ناشئة عن العالم العربى والإسلامى، و«دول مارقة» تدعم هذه الجماعات وتسعى إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل. وهذا يعنى أن واشنطن يجب أن تعطى إسرائيل حرية التعامل مع الفلسطينيين وعدم الضغط عليها لتقديم تنازلات حتى يتم سجن جميع الإرهابيين الفلسطينيين أو قتلهم،. ومن ثم تعتبر إسرائيل حليفا حاسما فى الحرب على الإرهاب، لأن أعداءها أعداء أمريكا. فى الواقع، إسرائيل هى مسئولية فى الحرب على الإرهاب والجهد الأوسع للتعامل مع الدول المارقة.

وهناك سبب أخير للتشكيك فى قيمة إسرائيل الاستراتيجية هو أنها لا تتصرف كحليف مخلص. وكثيرا ما يتجاهل المسئولون الإسرائيليون الطلبات الأمريكية وينكرون الوعود (بما فى ذلك التعهدات بوقف بناء المستوطنات والامتناع عن «الاغتيالات المستهدفة» للقادة الفلسطينيين). وقد قدمت إسرائيل تكنولوجيا عسكرية حساسة للمنافسين المحتملين مثل الصين، فى ما وصفه المفتش العام لوزارة الخارجية «بنمط منظم ومتنامٍ من عمليات النقل غير المصرح بها». وفقا لمكتب المحاسبة العامة، إسرائيل أيضا «تجرى عمليات التجسس الأكثر عدوانية ضد الولايات المتحدة.

وقد أنشأ الأمريكيون اليهود مجموعة كبيرة من المنظمات للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية ــ والتى تعد إيباك هى أقواهم وأكثرهم شهرة، ويضم اللوبى أيضا الإنجيليين المسيحيين البارزين مثل جارى باور وجيرى فالويل ورالف ريد وبات روبرتسون، فضلا عن ديك أرمى وتوم ديلاى، زعماء الأغلبية السابقين فى مجلس النواب وأعضاء السلطة التنفيذية ــ والمساهمة فى الحملة الانتخابية، والتصويت فى الانتخابات، والتعبير عن الرأى العام، وما إلى ذلك. وهى تتمتع بقدر كبير من النفوذ عندما تلتزم بقضية يكون الجزء الأكبر من السكان فيها غير مبالٍ.

ويتبع اللوبى استراتيجيتين أساسيتين؛ أولا، يمارس تأثيره المهم فى واشنطن، ويضغط على كل من الكونجرس والسلطة التنفيذية. مهما كان رأى المشرعين أو وجهات نظر صانعى السياسات، يحاول اللوبى أن يدعم إسرائيل الخيار «الذكى». وثانيا، فهو يسعى جاهدا لضمان الحفاظ على إيجابية الخطاب العام لإسرائيل، من خلال تكرار الأساطير حول تأسيسها وتعزيز وجهة نظرها فى المناقشات السياسية. إن السيطرة على النقاش أمر ضرورى لضمان الدعم الأمريكى، لأن النقاش الصريح للعلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية قد يدفع الأمريكيين إلى تفضيل سياسة مختلفة.

***

ويهيمن الجانب الإسرائيلى أيضا على مراكز التفكير التى تلعب دورا مهما فى تشكيل النقاش العام وكذلك السياسة الفعلية. أنشأ اللوبى مركز أبحاث خاصا به فى عام 1985، عندما ساعد مارتن إنديك فى تأسيس برنامج وينيب الذى يتم تمويله وإدارته من قبل الأفراد الملتزمين التزاما عميقا بالنهوض بدولة إسرائيل.

غير أن تأثير اللوبى يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فعلى مدى السنوات الـ 25 الماضية، أنشأت القوات الموالية لإسرائيل وجودا قياديا فى معهد المشاريع الأمريكية، ومؤسسة بروكينجز، ومركز السياسة الأمنية، ومعهد بحوث السياسة الخارجية، ومؤسسة التراث، ومعهد هدسون، ومعهد السياسة الخارجية للتحليل، والمعهد اليهودى لشئون الأمن القومى (جينزا). هذه المراكز الفكرية تستخدم عددا قليلا، إن وجد، من المنتقدين للدعم الأمريكى لإسرائيل.

ولم يكن الضغط من إسرائيل واللوبى هو العامل الوحيد وراء قرار مهاجمة العراق فى مارس 2003، لكنه كان حاسما. ويعتقد بعض الأمريكيين أن هذه كانت حربا للنفط، ولكن لا يكاد يوجد أى دليل مباشر لدعم هذا الادعاء. وبدلا من ذلك، كانت الدوافع وراء الحرب فى جزء كبير من الرغبة فى جعل إسرائيل أكثر أمنا.

ختاما ذكر الكاتبان أن تأثير اللوبى كان وبالا على إسرائيل؛ فقد عززت قدرتها على إقناع واشنطن بدعم أجندة توسعية إسرائيل من اغتنام الفرص ــ بما فى ذلك معاهدة سلام مع سوريا والتنفيذ الفورى والكامل لاتفاقات أوسلو ــ التى كان من شأنها إنقاذ الأرواح الإسرائيلية وتقليص صفوف المتطرفين الفلسطينيين. إن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم السياسية المشروعة بالتأكيد لم يجعل إسرائيل أكثر أمنا، وقد أدت الحملة الطويلة لقتل أو تهميش جيل من القادة الفلسطينيين إلى تمكين الجماعات المتطرفة مثل حماس، وخفض عدد القادة الفلسطينيين الذين سيكونون على استعداد لقبول تسوية عادلة وقادرة على جعلها تعمل. ومن المحتمل أن تكون إسرائيل نفسها أفضل حالا إذا كان اللوبى أقل قوة وسياسة الولايات المتحدة أكثر توازنا.

إعداد: أسماء رمضان
النص الأصلى

التعليقات