قرأت كل روايات محمد عبدالحليم عبدالله قبل أن أصل إلى سن الخامسة عشرة وتوافقت بشدة مع مشاعرى العاطفية فى تلك المرحلة، ثم أقبلت بنهم شديد لمشاهدة تلك الأفلام على الشاشة وكانت أغلبها أعمال متوسطة القيمة بل أقل، وفى السينما عكف السيد بدير ويحيى العلمى على إخراج الكثير من هذه الأفلام، ولهذا السبب حمد الله أن السينما لم تقترب قط من رواية «بعد الغروب» التى قرأتها سبع عشرة مرة دون أن تفقد حيويتها بالنسبة لى، أما رواية «شجرة اللاب» فقد قرأتها خمس عشرة مرة، وصدمت بشدة وأنا أرى الفيلم، فالرواية تدور أحداثها على لسان الطالب حسنى الذى يحكى لنا عن زوجة أبيه الخائنة وعن كثير من النساء الخائنات، ونشأ فى كثير من الشك والارتياب، ولم يمنعه هذا من الوقوع فى غرام جارته بالدور الأسفل التى ربطتها بينه وبينها شجرة اللاب ووسط هذه الوسوسة سلمت له نفسها فصارت إليه فكرة أنها رخيصة مثل بقية النساء، مسألة الوسوسة هى هاجس عند أغلب أبطال الكاتب وغالبا ما تكون نهاية المرأة الخائنة والتى وقعت فى الخطيئة هى الموت فى الرواية لكن فى السينما فإن مشاعر العاشق تتغير ويعود إلى حبيبته التى ظن فيها السوء حدث هذا بين المدرس وتليمذته عواطف فى روايته غص الزيتون، ولما تزوج ثم طلقها واكتشف أنها خائنة فعلا بعد أن ماتت مقتولة فى إحدى الشقق ولكن هذا فى الفيلم الذى أخرجه السيد بدير، أما فيلم «عاشت للحب» فإن زينب تموت فى نهاية الرواية باعتبارها قد ذلت، بعد أن اكتشف حسنى أنها لم تسلم نفسها لرجل غيره، وفى الفيلم فإن حسنى يتعامل مع الفتاة على أنها سوف تخطئ حتما مع رجال آخرين، ولأن القصة بسيطة فإن السيناريو قد أضاف الكثير من الشخصيات التى لم يكن لها وجود فى الرواية، مثل صديقه الذى يسكن معه فى بداية الرواية ومثل شقيقه زينب المتزوجة التى كانت أول من يعرف السر، بالضبط لأن فى كتابات المؤلف هناك الكثير من وجهات النظر والحوارات والتفسيرات غير الموجودة فى الفيلم، وبالتالى فإن حسنى قد أطال فى تعنته وموقفه الصلب إزاء زينب حتى اعتدلت مشاعره وغفر لحبيبته التى عاشت للحب.
بالنسبة لمحمد عبدالحليم عبدالله فقد كان من أوائل أبناء جيله الذى تحولت روايته إلى أفلام ومنها ليلة غرام إخراج بدر خان 1951 وقد ظل المخرجون يلتقطون الرواية تلو الأخرى بما لا يشكل ظاهرة لكن هناك أعمال بعنيها لم تقتر السينما منها بعد الغروب، ومن أجل ولدى والباحث عن الحقيقة وللزمن بقية وقد تهافت التليفزيون إلى بعض أعماله منها «الجنة العذراء» وفى سنوات الثمانينيات أى بعد رحيله بأعوام كثيرة قدم له يحيى العلمى فيلم «الليلة الموعودة»، وفيلمه هذا المأخوذ عن إحدى قصصه القصيرة قد جاء مختلفا كثيرا عن النص الأدبى، بما يعنى أن الكاتب كان محط أنظار السينما بشكل متقطع ولا يمثل ظاهرة أشبه بأبناء الجيل الذى تلاه، ومنهم ثروت أباظة وإسماعيل ولى الدين، أى أن ما نعرفه عن السينما والأدب وقد فاز بالمكانة الكبرى كل من نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويحيى حقى ويوسف السباعى ويوسف إدريس، وعلى كل نشعر بالأسى لأن هذه الظاهرة قد تقلصت فى البداية ثم تلاشت تماما فى السنوات الأخيرة.