كبار السن في تونس يحتجون.. «الحماية والرعاية من البداية للنهاية» - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كبار السن في تونس يحتجون.. «الحماية والرعاية من البداية للنهاية»

نشر فى : السبت 17 فبراير 2024 - 8:50 م | آخر تحديث : السبت 17 فبراير 2024 - 8:50 م
ينكر كثر على كبار السن الاحتجاج والخروج فى مظاهرات بحجة أنهم أخذوا نصيبهم من الحياة. فى ضوء ذلك، نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، تناولت فيه احتجاج المتقاعدين والمتقاعدات عن العمل فى تونس يوم عيد الحب، بسبب الظروف الاقتصادية الطاحنة، وإيمانهم بضرورة استجابة صناع السياسات لتلبية حقوقهم مهما طال بهم العمر... نعرض من المقال ما يلى:
قد يبدو احتجاج المتقاعدين والمتقاعدات فى شارع الحبيب بورقيبة، فى عيد الحب، مشهدا غير مألوف بالنسبة إلى أغلب الشعب التونسى إذ جرت العادة أن نربط فعل الاحتجاج بسن الشباب وأن نجد المسوغات والمبررات التى جعلت هذه الفئات تعبر عن غضبها ومطالبها المشروعة. أما خروج المسنين والمسنات للتنديد ببعض السياسات فهو أمر غير متوقع، ذلك أن التمثلات الاجتماعية تقرن الشخص المسن بالوقار والتعفف عن الدنيا، ومعنى هذا أنه مطالب بالقرار فى البيت والانشغال بطقوس العبادة والتقليص من ساعات حضوره فى الفضاء العام «فالدنيا مزرعة للآخرة».
غير أن الأزمة الاقتصادية التى ألقت بظلالها على الجميع قد دفعت كبار السن إلى التحرك. فهم يشعرون بالضيم و«الحقرة» وانتهاك الكرامة بل إنهم يعيشون الخصاصة «الأسعار فى تضخم». وعلى هذا الأساس كان لابد من تنظيم الوقفات الاحتجاجية أكثر من مرة، للمطالبة بمراجعة القوانين وإعادة النظر فى علاقة الدولة بالمتقاعدين والمتقاعدات الذين أفنوا العمر فى العمل ولكنهم صاروا مهمشين وكأنه لا وجود لهم خارج إطار العمل والإنتاجية.
هؤلاء إذ يحتجون اليوم، لا يتموقعون باعتبارهم فئة هشة تستجدى العطف والرعاية بل هم جماعة واعية تطالب بحقوقها وتدرك النتائج المترتبة عن السياسات النيوليبرالية، كما أنهم فئة فاعلة تطالب بتغيير القانون وطريقة تعامل صناع القرار معهم، وتنبه الساسة إلى ما آل إليه الوضع «فيقوا فيقوا إحنا اللى تجاوزنا المليون».
ولا يعد احتجاجهم خبرا «عاديا» فى بلاد صار فيها الاحتجاج بلا معنى ولكن علينا أن ندرك أن للأمر صلة بمنزلتهم فى المجتمع والدولة وبالتحولات الطارئة على هذه الشريحة من المجتمع الذى بدأ ينحو منحى تضاعف نسبة المسنين والمسنات، إذ تقدر أعداد هؤلاء بمليونين فى سنة 2030. كما أنه يتعين علينا أن ننتبه إلى أن رؤية هؤلاء فى نظام التغطية الاجتماعية لا يمكن أن تحجب الفئات المنسية والمغيبة فى قطاع الفلاحة وغيرها من القطاعات الهشة حيث لا يفكر المرء فى الانخراط فى أى نظام يؤمن له مقابل تقاعد بل يترك لشأنه ليواجه مصيره بمفرده معولا على صلة القرابة والتضامن العائلى أو على مهنة أخرى تكفل له قوته...
ثم إن حضورهم فى شارع الحبيب بورقيبة مثير للانتباه باعتبار ذكورية المشهد التى توضح مكانة النساء العاملات /المتقاعدات فى حركة الاحتجاج إذ تبقى نسبة النساء ضعيفة إذا ما قارناها بحضورهن فى الحركات الاجتماعية الأخرى. ويعتبر هذا الحضور مؤشرا على قدرة النساء على التكيف مع الأوضاع، وانشغالهن بالأدوار الموكولة إليهن فى مرحلة الشيخوخة، ونعنى بذلك رعاية الأسرة والأحفاد... وهى أدوار مثمنة اجتماعيا تشعر النساء بمنزلتهن فى العائلة وبالحاجة إليهن.
وفى المقابل يجد المتقاعدون صعوبة فى التأقلم مع الوضع لارتباط مفهوم الرجولة بالقدرة على العمل والحركة والإنفاق والحماية وللعلاقة المخصوصة بين المال والسلطة. فإذا ما قلت الموارد وأضحى المتقاعد غير قادر على تحمل عبء الإنفاق على الأسرة وتبعات المرض و... استبد به القلق والخوف من المجهول وشعر بانعدام القيمة. وتومئ هذه الوضعية إلى اختلاف مسارات التقاعد باختلاف الجنس ذلك أن تعلق الرجال بقيمة العمل حتى بعد التقاعد، يضفى معنى على حياتهم فيجعلهم أكثر اندماجا فى المجتمع وتماهيا مع المنظومة القيمية.
إن انخراط المتقاعدين فى الجامعة العامة للمتقاعدين هو شكل من أشكال النضال من أجل تغيير الوصم الاجتماعى والنظرة السلبية والصور النمطية التى تذكرهم باستمرار بأن مهمتهم قد انتهت بانتهاء العمل، وهو طريقة من طرائق التكيف مع الحداثة باعتبارهم يجتمعون ويتناقشون فى أوضاعهم والقوانين التى ماعادت تتلاءم مع واقعهم اليومى ومتطلبات العيش الكريم، ويخططون للتحركات فيكتبون الشعارات والبيانات ويرفعون الصوت عسى أن تسمع شكواهم ويعاملون بإنصاف واحترام.
التعليقات