اجتمع شباب من الجنسين. أردت وأرادوا فهمًا أعمق لما يحدث فى عالمهم. سئموا انتقادات بعض الإعلاميين وبعض السياسيين وبعض كبار السن. يعيشون تحاصرهم الأسئلة ابتداء من سؤال من أنتم؟ إلى سؤال ما قيمتكم فى المستقبل الآتى إليكم؟، أو لعله أتى فعلا، تصحبه أفواج بالآلاف وربما بالملايين من العقول والأيدى العاملة الآلية؟ الشباب أنفسهم يسألون إلى متى نظل فى عيون بعض الناس خطرا يهدد أمن واستقرار الدولة؟ وإلى متى يصر بعض الكبار، كبار العمر والكبار فى السلطة، على أننا من جيل كسول، لا نحب العمل. يزعمون أنهم يطرحون علينا الوظائف ونحن نتأفف أو نتردد. يقولون عنا إننا نفضل الرقص والغناء على الدرس والشغل. يزعمون أن شباب هذه الأيام ناقص وطنية، غيرهم يدعى، بل هو شباب ناقص دين. تدخل أحد الشبان مقاطعا ومضيفا صنفا ثالثا وصفه بالصنف الأفضل، صنف كبار السن الذين يصفوننا بأننا ناقصو عقل، وقال مبتسما إن أمه كانت ولا شك تنتمى لهذا الصنف.
***
تدخلت بهدفين. تصحيح معلومة وتنظيم النقاش. قلت لا تصدقوا كل ما يقال عن شباب الزمن الجميل. كانوا مثل كل الشباب فى كل الثقافات والعصور، يحبون الموسيقى ويعشقون الغناء، كانوا يقضون فى اللهو وقتا يفوق وقت الدرس أو العمل. كانوا يسخرون من السياسيين، يحترمون منهم من يستحق الاحترام وينتقدون سلوك الفاسد منهم والكاذب. كانوا مثل غيرهم من شباب العالم يكرهون الحرب ولا ينسون عندما يكبرون من دفعهم للحرب وتسبب فى قتل أعز الناس لهم وخرب المستقبل الذى هو حق للشباب وملك لهم ولا حق للسياسى فيه. هو سياسى من نوع معين لا أحد يحاسبه فيحاكمه على أخطائه. هو الزعيم إذا دعا للحرب فهو وطنى، وإذا وقع صك السلم فهو أيضا وطنى، وما على الشباب إلا الاستجابة بالرضا حربا فرضت عليهم أم سلما لم يستشرهم فى شروطه وتبعاته أحد. نحن كبار السن ندفع الآن، باعتراف سياسيى هذه الأيام، ثمن أخطاء زملائهم الذين حكموا وهيمنوا باسم الوطنية عشرات السنين. كنا الشباب وكانوا الكبار. أصدقائى وصديقاتى، اطرحوا ما شئتم من أفكار وآراء غير مكترثين بالاتهامات الموجهة لكم. أنتم لستم أحسن أو أسوأ من أجيال شباب جاءت قبلكم أو تعيش حولكم. أنتم فقط مختلفون. دعونا نناقش علامات هذا الاختلاف وأسبابه، دعونا أيضا نقترب من المستقبل ونتحسس موقعكم فيه. مستقبل يخصكم بدوافع الحق والواجب ولا يخصنى وأنا فى هذه المرحلة من العمر إلا بدافع الفضول.
***
تطوع أحدهم بكلمة تمهيد فقال: نحن أبناء وبنات جيل شباب نشبه الجيل السابق فى صفات ونختلف عنه وعن كل الأجيال السابقة فى صفات أكثر عددا وأهم. نحلم كما كانوا يحلمون. كل الشبان يحلمون. مجتمع لا يحلم شبابه مصيره الفناء حتما وعاجلا. سألنا قبل أن نأتى إليك، سألنا كبارا كانوا شبابا فى إحدى مراحل عمرهم. سألناهم عن أحلامهم وهم فى مثل عمرنا. أكثرهم كان يحلم بحب بعده زواج فأطفال.. لا أحد فى كل أهالينا كان يحلم بالاغتراب مؤقتا أو بالهجرة الدائمة. بعض أهالينا كان يسعى للعمل أساتذة أو مدرسين فى دولة عربية، لا أبعد. وعلى كل حال لم يكن حلما سعيدا، حلم الاغتراب. هو اليوم حلم سعيد. لماذا الاختلاف بين جيلين لا يفصلهما زمن بل كادا يتعايشان.
استأذنت الأصغر فى المجموعة لتجيب. قالت أتحدث عن نفسى. نعم أنا أدرس ليل نهار وأتعب وأتحمس لتقوية لغاتى الأجنبية وأتراسل مع مئات الجامعات الأجنبية والجمعيات المانحة لأننى أموت رغبة فى أن استكمل دراستى العليا فى الخارج واستقر هناك إن استطعت إليه سبيلا. فرضت ظروفى أن أكون ضمن شباب يواظبون على حضور مؤتمرات الشباب التى تعقدها الدولة بصفة شبه دورية، قابلت فيها شبابا يسعى سعيا ليخرج مغتربا. سوف أغترب غربة قصيرة أو هجرة طويلة لأننى واثقة من أن المستقبل سوف يأتى إلينا فى الخارج قبل أن يفكر فى أن يأتى إلى من يختار أن يبقى هنا. لا تسيئوا الظن بى إذا قلت لكم، وأنتم تعرفون أننى أتابع جيدا حركة المستقبل، إن طلائعه وصلت بالفعل فى دول غير قليلة وبدأت تمهد لمجيئه المكان والبشر ولم تأت هنا. بالتأكيد أنا لا أتحدث عن ناطحات سحاب وغابات من الأسمنت المسلح. أتحدث عن جحافل من عقول آلية بالغة الذكاء صنعت فى الصين واليابان ووادى السيليكون تغزو شوارع مدن فى الغرب وفى آسيا، وظيفتها التفكير نيابة عنا أو معنا لحل مشكلات التنمية واختناقات المرور ومكافحة الأوبئة ومحاربة الإرهابيين. أحلم من الآن بأن يكون نصيبى أحد هذه العقول شريكا لى فى مشروع أو خطة عمل.
تعرفون ما يشغلنى أحيانا وأنا أستعد لتحقيق هذا الحلم، أخشى أن يأتى أحدكم ذات يوم فيستفسر أمامى من شريكى، العقل الآلى، إن كان يشعر بالنقص لأنه لا ينتمى إلى وطن يحميه ويدافع عنه ولا يعتنق عقيدة يؤمن بها ويصلى لها. مستقبلى يا أعزائى هو هناك مع هذه العقول الآلية وليس هنا معكم، أنتم البشر بعقول عادية.
***
استأذن أحد الشباب ليرد على زميلته، ومعلوماتى تقول إنه يعتبرها أقرب الناس إلى قلبه. قال: تتحدثين عن الإنسان الآلى ذى العقل الذكى كما كنا نتحدث قبل أيام عن الإنسان الذى كلما تعثر فى عقبة أو صعوبة راح يصنع إلها أو آلهة بأمل أن تعوضه عن نقص فى قدرة من قدراته. صنع الإنسان منذ فجر التاريخ آلهة للجمال وإلها للمناخ يسقط المطر ويمنع الفيضان ويثير العواصف ليغرق أعداءه. صنع إلها بجسد مفتول العضلات وبالغ القوة يستحيل أن يدخل معركة ويخسرها، وإلها للحب وإلها للبحر والحرب وللسفن، وإلها فوق كل الآلهة ليحل الخلافات بين الآلهة. أنتِ فعلت ما فعله الإنسان خلال مسيرته الطويلة محفوفا بشتى المخاطر، تصنعين إلها من عقل بالغ الذكاء. تريدين هذا الإنسان الآلى حاكما عادلا، ومفكرا عبقريا، وحارسا لحدود الدولة. تريدين عقلا ذكيا يحل لك الألغاز فى صحف الصباح ويكشف عن المؤامرات الدولية التى تحاك ضد حكام بلدك. تبحثين عن عقل ذكى يضع خطة للتنمية ومشروعا اقتصاديا يحقق أعلى درجات النمو بدون مظاهرات احتجاج أو ديون خارجية.
***
استمر النقاش حتى الفجر. اختليت خلاله بنفسى مرتين لأقارن بين شبابى وشبابهم، بين عصرين مختلفين، بين طموحات وطموحات ومفاهيم ومفاهيم. أعرف أنهم سوف يشقون كما شقينا وربما أكثر. أعرف أيضا أن أحلى أمنياتى أن يحققوا لأنفسهم وبلدهم ما فشلنا فى تحقيقه، وهو كثير جدا.
اجتمع شباب من الجنسين. أردت وأرادوا فهمًا أعمق لما يحدث فى عالمهم. سئموا انتقادات بعض الإعلاميين وبعض السياسيين وبعض كبار السن. يعيشون تحاصرهم الأسئلة ابتداء من سؤال من أنتم؟ إلى سؤال ما قيمتكم فى المستقبل الآتى إليكم؟، أو لعله أتى فعلا، تصحبه أفواج بالآلاف وربما بالملايين من العقول والأيدى العاملة الآلية؟ الشباب أنفسهم يسألون إلى متى نظل فى عيون بعض الناس خطرا يهدد أمن واستقرار الدولة؟ وإلى متى يصر بعض الكبار، كبار العمر والكبار فى السلطة، على أننا من جيل كسول، لا نحب العمل. يزعمون أنهم يطرحون علينا الوظائف ونحن نتأفف أو نتردد. يقولون عنا إننا نفضل الرقص والغناء على الدرس والشغل. يزعمون أن شباب هذه الأيام ناقص وطنية، غيرهم يدعى، بل هو شباب ناقص دين. تدخل أحد الشبان مقاطعا ومضيفا صنفا ثالثا وصفه بالصنف الأفضل، صنف كبار السن الذين يصفوننا بأننا ناقصو عقل، وقال مبتسما إن أمه كانت ولا شك تنتمى لهذا الصنف.
***
تدخلت بهدفين. تصحيح معلومة وتنظيم النقاش. قلت لا تصدقوا كل ما يقال عن شباب الزمن الجميل. كانوا مثل كل الشباب فى كل الثقافات والعصور، يحبون الموسيقى ويعشقون الغناء، كانوا يقضون فى اللهو وقتا يفوق وقت الدرس أو العمل. كانوا يسخرون من السياسيين، يحترمون منهم من يستحق الاحترام وينتقدون سلوك الفاسد منهم والكاذب. كانوا مثل غيرهم من شباب العالم يكرهون الحرب ولا ينسون عندما يكبرون من دفعهم للحرب وتسبب فى قتل أعز الناس لهم وخرب المستقبل الذى هو حق للشباب وملك لهم ولا حق للسياسى فيه. هو سياسى من نوع معين لا أحد يحاسبه فيحاكمه على أخطائه. هو الزعيم إذا دعا للحرب فهو وطنى، وإذا وقع صك السلم فهو أيضا وطنى، وما على الشباب إلا الاستجابة بالرضا حربا فرضت عليهم أم سلما لم يستشرهم فى شروطه وتبعاته أحد. نحن كبار السن ندفع الآن، باعتراف سياسيى هذه الأيام، ثمن أخطاء زملائهم الذين حكموا وهيمنوا باسم الوطنية عشرات السنين. كنا الشباب وكانوا الكبار. أصدقائى وصديقاتى، اطرحوا ما شئتم من أفكار وآراء غير مكترثين بالاتهامات الموجهة لكم. أنتم لستم أحسن أو أسوأ من أجيال شباب جاءت قبلكم أو تعيش حولكم. أنتم فقط مختلفون. دعونا نناقش علامات هذا الاختلاف وأسبابه، دعونا أيضا نقترب من المستقبل ونتحسس موقعكم فيه. مستقبل يخصكم بدوافع الحق والواجب ولا يخصنى وأنا فى هذه المرحلة من العمر إلا بدافع الفضول.
***
تطوع أحدهم بكلمة تمهيد فقال: نحن أبناء وبنات جيل شباب نشبه الجيل السابق فى صفات ونختلف عنه وعن كل الأجيال السابقة فى صفات أكثر عددا وأهم. نحلم كما كانوا يحلمون. كل الشبان يحلمون. مجتمع لا يحلم شبابه مصيره الفناء حتما وعاجلا. سألنا قبل أن نأتى إليك، سألنا كبارا كانوا شبابا فى إحدى مراحل عمرهم. سألناهم عن أحلامهم وهم فى مثل عمرنا. أكثرهم كان يحلم بحب بعده زواج فأطفال.. لا أحد فى كل أهالينا كان يحلم بالاغتراب مؤقتا أو بالهجرة الدائمة. بعض أهالينا كان يسعى للعمل أساتذة أو مدرسين فى دولة عربية، لا أبعد. وعلى كل حال لم يكن حلما سعيدا، حلم الاغتراب. هو اليوم حلم سعيد. لماذا الاختلاف بين جيلين لا يفصلهما زمن بل كادا يتعايشان.
استأذنت الأصغر فى المجموعة لتجيب. قالت أتحدث عن نفسى. نعم أنا أدرس ليل نهار وأتعب وأتحمس لتقوية لغاتى الأجنبية وأتراسل مع مئات الجامعات الأجنبية والجمعيات المانحة لأننى أموت رغبة فى أن استكمل دراستى العليا فى الخارج واستقر هناك إن استطعت إليه سبيلا. فرضت ظروفى أن أكون ضمن شباب يواظبون على حضور مؤتمرات الشباب التى تعقدها الدولة بصفة شبه دورية، قابلت فيها شبابا يسعى سعيا ليخرج مغتربا. سوف أغترب غربة قصيرة أو هجرة طويلة لأننى واثقة من أن المستقبل سوف يأتى إلينا فى الخارج قبل أن يفكر فى أن يأتى إلى من يختار أن يبقى هنا. لا تسيئوا الظن بى إذا قلت لكم، وأنتم تعرفون أننى أتابع جيدا حركة المستقبل، إن طلائعه وصلت بالفعل فى دول غير قليلة وبدأت تمهد لمجيئه المكان والبشر ولم تأت هنا. بالتأكيد أنا لا أتحدث عن ناطحات سحاب وغابات من الأسمنت المسلح. أتحدث عن جحافل من عقول آلية بالغة الذكاء صنعت فى الصين واليابان ووادى السيليكون تغزو شوارع مدن فى الغرب وفى آسيا، وظيفتها التفكير نيابة عنا أو معنا لحل مشكلات التنمية واختناقات المرور ومكافحة الأوبئة ومحاربة الإرهابيين. أحلم من الآن بأن يكون نصيبى أحد هذه العقول شريكا لى فى مشروع أو خطة عمل.
تعرفون ما يشغلنى أحيانا وأنا أستعد لتحقيق هذا الحلم، أخشى أن يأتى أحدكم ذات يوم فيستفسر أمامى من شريكى، العقل الآلى، إن كان يشعر بالنقص لأنه لا ينتمى إلى وطن يحميه ويدافع عنه ولا يعتنق عقيدة يؤمن بها ويصلى لها. مستقبلى يا أعزائى هو هناك مع هذه العقول الآلية وليس هنا معكم، أنتم البشر بعقول عادية.
***
استأذن أحد الشباب ليرد على زميلته، ومعلوماتى تقول إنه يعتبرها أقرب الناس إلى قلبه. قال: تتحدثين عن الإنسان الآلى ذى العقل الذكى كما كنا نتحدث قبل أيام عن الإنسان الذى كلما تعثر فى عقبة أو صعوبة راح يصنع إلها أو آلهة بأمل أن تعوضه عن نقص فى قدرة من قدراته. صنع الإنسان منذ فجر التاريخ آلهة للجمال وإلها للمناخ يسقط المطر ويمنع الفيضان ويثير العواصف ليغرق أعداءه. صنع إلها بجسد مفتول العضلات وبالغ القوة يستحيل أن يدخل معركة ويخسرها، وإلها للحب وإلها للبحر والحرب وللسفن، وإلها فوق كل الآلهة ليحل الخلافات بين الآلهة. أنتِ فعلت ما فعله الإنسان خلال مسيرته الطويلة محفوفا بشتى المخاطر، تصنعين إلها من عقل بالغ الذكاء. تريدين هذا الإنسان الآلى حاكما عادلا، ومفكرا عبقريا، وحارسا لحدود الدولة. تريدين عقلا ذكيا يحل لك الألغاز فى صحف الصباح ويكشف عن المؤامرات الدولية التى تحاك ضد حكام بلدك. تبحثين عن عقل ذكى يضع خطة للتنمية ومشروعا اقتصاديا يحقق أعلى درجات النمو بدون مظاهرات احتجاج أو ديون خارجية.
***
استمر النقاش حتى الفجر. اختليت خلاله بنفسى مرتين لأقارن بين شبابى وشبابهم، بين عصرين مختلفين، بين طموحات وطموحات ومفاهيم ومفاهيم. أعرف أنهم سوف يشقون كما شقينا وربما أكثر. أعرف أيضا أن أحلى أمنياتى أن يحققوا لأنفسهم وبلدهم ما فشلنا فى تحقيقه، وهو كثير جدا.