نشرت جريدة الدستور الأردنية مقالا للكاتب «سلامة الدرعاوى» حول عودة تصدير الغاز المصرى إلى الأردن وجاء فيه:
لا شكَ أن العلاقة بين النِظَامين السياسيين الأردنى والمصرى على مُستوى غير مسبوق من العلاقات بين الدول العربية العربية، وهى فعلا استراتيجية بِكُل ما فى الكلمة من معنى، بدليل أن الحُكومة الأردنية لم تُفعل حقها باستخدام الشرط الجزائى الموجود فى اتفاقية الغَاز المصرى للمملكة، وقت انقطاعه سنة 2011.
عندما انقَطَعت إمدادات الغَاز المصرى عن المملكة نتيجة أسباب مُتفرقة منها: الأعمال الإِرهابية التى ضَرَبت أنبوب الغَاز المُمتد فى أراضى صحراء سيناء لأكثر من 34 مرة، كلفَ الاقتصاد الأردنى خسائر مالية فادحة تجاوزت 6 مليارات دولار، ونستطيع القول إنها بِكُل صراحة سبب رئيسى فى الأزمة الاقتصادية التى تَعيشها البلاد حاليا مُنذ سنوات، والمتمثلة أساسا فى تنامى عجز الموازنة مَصحوبا بزيادةٍ غير مَسبوقة فى مُعدلات المديونية الخارجية التى تَضاعفت من الفترة 2012 ــ 2017، ناهيك عن تراجع تنافسية الاقتصاد الوطنى فى قطاعات رئيسية مهمة مثل: الصناعة والتجارة نتيجة ارتفاع كُلَف الإنتاج والنفقات التشغيلية التى أثقلت كاهل القطاع الخاص وجعلت عمله فى حالة تراجع وزادت العبء المالى على الأسر الأردنية وزعزعت الأمن المعيشى للمواطن الذى تراجع دعم الخزينة عنه من خلال تخفيف أو إلغاء الدعم عن العديد من السلع والخدمات الأساسية، إضافة إلى زيادة أسعار الكهرباء على مُختلفِ شرائح الاستهلاك باستثناء شريحة الأقل استهلاكا (600 كيلو واط)، فى حين دَفَعَ المواطن أثمان التعرفة الكهربائية بأعلى من كُلفها، وهذا الإجراء كان شرطا واضحا من شروط الاتفاق الائتمانى الذى وقعته حكومة النسور فى ذلك الوقت مع صندوق النقد الدولى.
مع كُل الأزمة المالية الخانقة التى تعرض لها الاقتصاد الأردنى والتى كادت أن تؤدى إلى زعزعة حقيقية لاستقرار المملكة وساهمت جليا فى تنامى حالة الاحتجاجات والاضطرابات التى عمت شوارع المملكة نتيجة رفضها للإجراءات التى اتخذتها الحُكومات المٌختلفة لمواجهةِ تداعيات انقطاع الغاز المصرى عن المملكة، ومع كُل ذلك لم تقم أى حُكومة باستخدام حقها فى المُطالبة بالتعويض عن خسائر انقطاع الغَاز المصرى حسب الاتفاقية المُبرمة بين البلدين، وكما فعلت إسرائيل التى حصلت على تعويضات جديدة من الجانب المصرى نتيجة انقطاع الغَاز المصرى عنه، وَحَصَلَ على امتيازاتٍ وأسعار تفضيلية عوضته عن ذلك الانقطاع.
مِن المعروف أن توريدات الغَاز المصرى للأردن تَمت من خلال اتفاقية تقضى بتوريد 240 مليون قدم مكعب يوميا للمملكة «2.4 مليار متر مكعب سنويا»، إلا أن هذه النسبة تراجعت إلى 25 بالمائة فى عام 2011، وصولا إلى 18 بالمائة فى عام 2012، ثم اِنقطاع تام نتيجة التفجيرات المتعاقبة فى الخط الناقل للغَاز بسيناء، شمال شرق مصر.
وعَدَلَت مصر الاتفاقية مع الأردن لِرفع سعر تصدير الغاز الطبيعى من 2.15 دولار إلى أكثر من 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وذلك للكميات المُتفق عليها حتى عام 2019، وبأثر رجعى منذ يناير 2012، على أن يتم تعديل سعر الغَاز الطبيعى المُصَدَر بعد ذلك كُل سنتين، وفقا للقواعد المعمول بها فى السوق العالمية.
الآن مع عودة الغَاز المصرى للمملكة وبتغطية نصف احتياجاتها من الغَاز يعود السؤال الأهم للتداول من جديد فى الصالونات المختلفة: هل سينعكس عودة الغَاز المصرى بأسعاره التفضيلية للأردن على القطاعات الاقتصادية وأسعار التَعرِفَة الكهربائية التى تتجاوز اليوم كُلفها الحقيقية بكثير؟ وكيف ينعكس ذلك على المواطن والصانع والتَاجِر وباقى القطاعات الاقتصادية؟
المَنطق يقول إنه مع عودة الغَاز المصرى للمملكة وبكميات كبيرة تُغطى نصف احتياجات المملكة من الغَاز المُستخدم فى توليد الطاقة، فإن القرار الأول المُتوقع هو أن تنخفض أسعار الكهرباء على جميع الشرائح الاقتصادية والاستهلاكية، فأسعارها الراهنة كبيرة للغاية جَعَلتها الأعلى من بين كُل دول المنطقة، فلا مُبرر اقتصادى أو مالى لوجود مثل هذه التَعرِفَة المُرتفعة التى تتجاوز كُلفها الحقيقية، خاصة مع اِنخفاض أسعار النفط العالمية التى هوت مُنذ يونيه عام 2014 بأكثر من 70 بالمائة، فى حين بقيت الحُكومات تَرفع بين الفترة والأخرى التَعرِفَة الكهربائية وَتَبيعُها للمستهلك بأرباح عالية جدا غير مسبوقة.
المنطق يقتضى من أن مديونية شركة الكهرباء (6 مليارات دولار)، وهى الشَماعة التى علَقت عليها الحُكومات منذ عام 2012 أسباب الأزمة الاقتصادية والإجراءات التى اتخذتها على صعيدِ رفع الضرائب والرسوم المختلفة أن تختفى هذه المديونية نهائيا من سجلات الموازنة العامة مع بقاء التَعرِفَة بأعلى من كُلفها لأكثر من أربعة سنوات مُتتالية والنفط تراجع بأكثر من 70 بالمائة من جهة، وعودة الغَاز المصرى من جهة أخرى، فالآن شركة الكهرباء والحكومة تحققان أرباحا طائلة من جراء بيع الكهرباء بأسعارها الحالية، ناهيك كُل ذلك أن المسئولية تضامنية بين الحُكومات فإن حُكومة النسور كانت تعهدت بِتخفيض أسعار الكهرباء اذا ما انخفضت أسعار النفط، وهو ما حدث فعلا، ومع ذلك لم تنخفض أسعار الكهرباء حتى مع قدوم الغَاز المصرى التفضيلى.
الدستورــ الأردن