نشر موقع فورين بوليسى مقالا للكاتب روبرت مالى، تناول فيه أبرز الصراعات العالمية فى 2020 والتى امتدت آثارها للعام الجديد. تناول هذه الصراعات إجمالا مع التركيز على التطورات المتوقعة لها فى 2021... نعرض منه ما يلى.
كان عام 2020 مزدحما من بدايته حتى نهايته: جائحة مستمرة، وأزمة اقتصادية، وحكم دونالد ترامب المهدد لاستقرار الولايات المتحدة، والتهديدات المنبثقة عن الحروب وتغير المناخ. وليس بخافٍ على أحد أن لهذه الأحداث والصراعات آثارا بعيدة المدى على السلام والأمن العالميين. وفيما يلى نسرد لأبرز 10 صراعات ستصاحبنا فى 2021:
أفغانستان
وقعت الحكومة الأمريكية اتفاقًا مع متمردى طالبان فى فبراير الماضى. على إثره، تعهدت واشنطن بسحب قواتها مقابل تعهد طالبان بالتخلى عن العنف. لكن يكمن أحد التحديات فى كيفية رؤية الأطراف للمحادثات. فكابول ملتزمة علنا. لكن كبار المسئولين لا يثقون فى طالبان. فى المقابل، يعتقد قادة طالبان أن حركتهم آخذة فى الصعود. والانسحاب الأمريكى دليل على ذلك.
يتضح من هذا أن مصير أفغانستان يقع على عاتق طالبان، وكابول، لكن الكثير يتوقف أيضًا على بايدن. فقد ترغب إدارته فى ربط الانسحاب بإحراز تقدم فى المحادثات. ولتعقيد الأمور أكثر، أعرب بايدن عن تفضيله للإبقاء على عدة آلاف من قواته لمكافحة الإرهاب. فالانسحاب الأمريكى السريع سيؤدى إلى زعزعة استقرار أفغانستان وربما يؤدى إلى حرب أهلية. وعلى العكس من ذلك، فإن عدم الانسحاب قد يدفع طالبان إلى تكثيف هجماتها. مما يعنى أن أفغانستان قد تفقد أملها فى السلام فى 2021.
إثيوبيا
بدأت القوات الفيدرالية هجومًا على منطقة تيجراى. الكثير غير واضح فى ظل التعتيم الإعلامى. لكن من المرجح أن يكون العنف قد قتل آلاف الأشخاص مع نزوح وفرار الكثيرين إلى السودان.
استولت ميليشيات من منطقة أمهرة، على الأراضى المتنازع عليها التى سيطرت عليها تيجراى على مدى العقود الثلاثة الماضية. وأطلقت جبهة التحرير صواريخ على إريتريا، ومن شبه المؤكد أن القوات الإريترية قد شاركت فى الهجوم ضد الجبهة. وكل هذا سيؤجج المشاعر الانفصالية فى تيجراى.
لذلك، على الحكومة الفيدرالية التحرك نحو حوار وطنى لمعالجة الانقسامات العميقة فى البلاد سواء فى تيجراى أو خارجها. وفى غياب ذلك، فإن التوقعات ستكون قاتمة.
منطقة الساحل
تتفاقم الأزمة التى تجتاح منطقة الساحل فى شمال أفريقيا بسبب توسع المتطرفين فى نفوذهم. فى المقابل، وجهت عمليات مكافحة الإرهاب الفرنسية المكثفة فى 2020 بعض الضربات للمسلحين، ويبدو أنها ساهمت فى تراجع هجمات المتشددين ولكن الضربات العسكرية لم تعطل المتطرفين عن التجنيد.
هناك كذلك انتهاكات قوات الأمن التى تثير الاستياء. فغضب المواطنين من حكوماتهم يزداد ويعد انقلابا ماليا، نتيجة احتجاجات أثارتها انتخابات متنازع عليها، هو أوضح دليل.
لذلك تحتاج منطقة الساحل إلى المزيد من الجهود لمعالجة أزمة الحكم. وتتطلب هذه الجهود من الجهات الفاعلة الحكومية وغيرها التركيز أولا على التوسط فى النزاعات المحلية، والتحدث مع المسلحين عند الضرورة. وبالنسبة للعمليات العسكرية الأجنبية فهى ضرورية، ولكن على الأطراف الدولية أن تضغط لإصلاح الحكم.
اليمن
تسببت حرب اليمن فى ما اعتبرته الأمم المتحدة أسوأ كارثة إنسانية فى العالم. وأدى كوفيدــ19 إلى تفاقم معاناة المدنيين الذين يعانون بالفعل من الفقر والجوع وغيرهما.
كما أدى تصنيف إدارة ترامب الحوثيين كمنظمة إرهابية، رغبة فى تشديد الخناق الاقتصادى على المتمردين وتعقيد المفاوضات بينهم وبين جهات خارجية إلى زيادة مخاطر المجاعة من خلال عرقلة التجارة مع اليمن التى تستورد 90 فى المائة من قمحها وأرزها.
على أى حال، يبدو إطار عمل الأمم المتحدة بين طرفين عفا عليه الزمن. فلا الحوثيون ولا الحكومة يحتكرون الأرض أو الشرعية. فهناك فاعلون محليون آخرون. لذلك، يجب على الأمم المتحدة توسيع إطار عملها ليشمل الآخرين، ولا سيما المجلس الانتقالى الجنوبى وأفراد القبائل فى الشمال.
إذن، وفى ظل غياب مسار واضح، يبدو أن عام 2021 سيكون عامًا قاتمًا على اليمن فى ظل استمرار الحرب وانتشار الأمراض والمجاعة المحتملة وتلاشى احتمالات التسوية.
فنزويلا
مر ما يقرب من عامين منذ أن أعلنت المعارضة الفنزويلية والولايات المتحدة ودول فى أنحاء أمريكا اللاتينية وأوروبا «خوان جويدو» رئيسًا مؤقتًا لفنزويلا ولم تعترف بالرئيس الحالى نيكولاس مادورو. واليوم ورغم حملة «الضغط الأقصى» بقيادة الولايات المتحدة التى تنطوى على عقوبات، وعزلة دولية، مازال مادورو موجودا. بل إن هذه الإجراءات جعلت مادورو أقوى، حيث احتشد خلفه الحلفاء خشية سقوطه.
لكن يمكن لبايدن تغيير مساره، والتخلى عن محاولة الإطاحة بمادورو، وإطلاق جهود دبلوماسية فى 2021 تهدف إلى إرساء الأساس للتفاوض بمساعدة كل الأطراف فى أمريكا اللاتينية.
بالرغم من ذلك، لا تُظهر حكومة مادورو أى مؤشر على أنها ستجرى انتخابات نزيهة فى 2024. وتبدو التسوية بعيدة المنال.
الصومال
لا تزال حركة الشباب تسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال. بينما يدرك القادة الصوماليون وشركاؤهم الدوليون جميعًا أن التحدى الذى تمثله حركة الشباب لا يمكن معالجته بالقوة وحدها. فقد تكون المحادثات مع المسلحين خيارًا، ولكن حتى الآن لم تقدم حركة الشباب مؤشرات لتحقيق تسوية سياسية.
أضف إلى ذلك الانتخابات البرلمانية التى كان من المقرر إجراؤها فى ديسمبر الماضى لكن تم تأجيلها، كما أن الاستعدادات للتصويت الرئاسى المقرر إجراؤه فى فبراير 2021 متباطئة. بالإضافة إلى توتر العلاقات بين مقديشيو وبعض مناطق الصومال لا سيما بونتلاند وجوبالاند.
يتوقف الكثير، لحل هذه الأوضاع، على الانتخابات الرئاسية فى فبراير القادم. فالانتخابات النزيهة يمكن أن تسمح لقادة الصومال وداعميهم الأجانب بتكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق بشأن العلاقة الفيدرالية والترتيبات الدستورية. من ناحية أخرى، هناك احتمالية اندلاع أعمال عنف بين مقديشيو ومناطق فى الصومال، مما يعمل على زيادة نشاط حركة الشباب.
ليبيا
لم تعد الائتلافات العسكرية المتنافسة فى ليبيا تتحارب، واستأنفت الأمم المتحدة المفاوضات التى تهدف إلى إعادة توحيد البلاد. لكن التوصل إلى سلام دائم سيظل صراعًا شاقًا. فمع تراجع الأطراف المتصارعة، لا تزال قواتهم فى الخطوط الأمامية، وتواصل الطائرات العسكرية الأجنبية الهبوط فى قواعدها الجوية.
الخلاف الآن يكمن حول تقاسم السلطة. فداعمو حفتر يطالبون بأن تضع الحكومة الجديدة معسكرات الجيش الوطنى الليبى وحكومة الوفاق الوطنى على قدم المساواة. بينما يعارض الخصوم ذلك. تركيا من جانبها تريد حكومة خالية من أنصار حفتر. بالمقابل، تريد القاهرة وأبوظبى تقليل نفوذ أنقرة.
لكن يبدو من غير المحتمل اندلاع القتال مرة أخرى فى المستقبل القريب لأن الجهات الخارجية، لا تريد جولة أخرى من الأعمال العدائية. ولكن كلما طال عدم تنفيذ شروط وقف إطلاق النار، زادت مخاطر وقوع حوادث تؤدى للعودة إلى الحرب. ولتجنب هذه النتيجة، يجب على الأمم المتحدة المساعدة فى صياغة خارطة طريق لتوحيد المؤسسات الليبية وتهدئة التوترات بين الأعداء الإقليميين.
إيران والولايات المتحدة
أدى مقتل قاسم سليمانى إلى زيادة التوترات الأمريكية الإيرانية. لكن الإدارة الأمريكية الجديدة يمكنها تهدئة المواجهات لا سيما من خلال العودة إلى الاتفاق النووى لعام 2015. لكن القيام بذلك مع إدارة العلاقات مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل لن يكون عملا عاديًا.
على أى حال، ستحتاج الحكومتان الأمريكية والإيرانية إلى الاتفاق على تسلسل الخطوات بين تخفيف العقوبات والقيود النووية والعقوبات التى يجب رفعها.
لكن إذا عادوا إلى الاتفاق النووى، فسيتمثل التحدى الأكبر فى معالجة التوترات الإقليمية الذى سيواصل تعريض الصفقة للخطر ويمكن أن يؤدى إلى نشوب صراع.
روسيا وتركيا
تتجلى تناقضات العلاقات بين أنقرة وموسكو فى أوضح صورها فى سوريا. حيث كانت تركيا خصما شرسا لبشار الأسد وداعمًا قويًا للمتمردين. فى حين دعمت روسيا الأسد وتدخلت فى عام 2015 لتحويل الحرب لصالحه. منذ ذلك الحين، تخلت تركيا عن الإطاحة بالأسد، وأصبحت مهتمة أكثر بمحاربة الأكراد.
فى ليبيا أيضًا، تدعم روسيا وتركيا طرفين متعارضين. لكن ليس من الواضح ــ مع الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ــ ما إذا كان الاتفاق يضمن لتركيا الحكام الذين تريدهم مع منح روسيا موطئ قدم تسعى إليه؟!.
وأخيرا، تورطت روسيا وتركيا فى الحرب الأخيرة فى ناجورنو كاراباخ. لكن على الرغم من التنافس بينهما فى جنوب القوقاز، فازت كل من موسكو وأنقرة هذه المرة. فروسيا نشرت قوات حفظ السلام. ويمكن لتركيا أن تدعى أنها لعبت دورًا مهمًا فى انتصار أذربيجان وستستفيد من الممر التجارى الذى أنشأته اتفاقية وقف إطلاق النار.
لكن من المفارقات، أنه على الرغم من تنافس موسكو وأنقرة فى عدد من ساحات القتال، إلا أن علاقاتهما أقوى مما كانت عليه فى بعض الوقت. فصداقتهما هى أحد أعراض عالم تقاوم فيه القوى غير الغربية ــ الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
ومع ذلك، فإن الروابط الناشئة عن المصالح لا تدوم دائمًا. ومع قرب قوات كل منهما من الخطوط الأمامية المتعددة قد يؤدى حدوث مشاكل لكلا البلدين فى أكثر من منطقة حرب.
تغير المناخ
فى الوقت الحالى، يمكن القول إن أفريقيا ترى أسوأ مخاطر الصراع المتعلقة بالمناخ. ففى شمال نيجيريا، أدى الجفاف إلى تكثيف القتال بين الرعاة والمزارعين بسبب تضاؤل الموارد. هناك أيضا الصراع بين مصر وإثيوبيا على سد النهضة.
لكن هناك سبب للتفاؤل. فالإدارة الأمريكية الجديدة وضعت أزمة المناخ على رأس جدول أعمالها، ودعا بايدن إلى اتخاذ إجراءات أسرع للتخفيف من مخاطر عدم الاستقرار المرتبطة بها.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى