د. عبدالرازق حسن.. محبة ووفاء - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

د. عبدالرازق حسن.. محبة ووفاء

نشر فى : الجمعة 18 مارس 2016 - 11:15 م | آخر تحديث : الجمعة 18 مارس 2016 - 11:15 م

• كنا نحب أستاذنا د. عبدالرازق حسن أستاذ الجراحة وعميد طب أسيوط وكنا نعتبره المرجعية العليا للجراحة فى الصعيد كله والمعلم لكل جراحى الصعيد منذ قدومه إلى جامعة أسيوط فى بداية نشأتها فى الخمسينيات.


• ولما وصل أستاذنا الدكتور. عبدالرازق إلى منصب نائب رئيس الجامعة دخل الحزب الوطنى وأصبح أمينا عاما له بمحافظة أسيوط.


• وقد أحزننا وقتها ذلك الأمر إذ كانت لدينا عداوة وخصومة مبدئية وغير مبررة ودون سبب مفهوم للحزب الوطنى الذى كان فى نشأته الأولى ولم يظهر منه شىء سوى أنه حزب السلطة.. وكانت هذه الخصومة جزء من خصومتنا غير المبررة أو مفهومة وقتها للرئيس السادات.. فالأخير لم يبدأ الحركة الإسلامية حتى هذا الوقت بشر.. بل إنه هو الذى أعطى قبلة الحياة للدعوة الإسلامية بإطلاق الحرية لها مثل غيرها من التيارات السياسية.


• والحقيقة أننا لم نعرف أفضاله وحسناته وقتها لأن الشباب دوما مشغول بالبحث عن أخطاء السلطة قبل إيجابياتها.. ولم ندرك وقتها أن حسنة نصر أكتوبر وحدها تجب أعظم الأخطاء السياسية.. فالحسنات العظيمة تجب أعظم الأخطاء إن وجدت.


• وزادت كراهيتنا للنظام بعد«اتفاقية كامب ديفيد» دون أن نفهم الشىء الكثير عن إيجابيات المعاهدة وسلبياتها أو ندرك أن كل الأمم فى التاريخ تتحارب ثم تتصالح وأنه لن تستمر حالة الحرب بين الدول إلى ما لا نهاية.. ولكن كانت لدينا بقايا من أفكار إسلامية مفادها «لا صلح مع إسرائيل وأى صلح فهو خيانة» وأفكار ناصرية تنبع من فكرة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، و«حتمية المواجهة والحرب مع إسرائيل حتى تحرير القدس» دون أن نتبين وقتها ما هو المتاح فى الحرب والسياسة وما يدخل فى غير المتاح منهما.. ونفرق بين الممكن والمستحيل فى زماننا.. وبين آمالنا وقدراتنا.. وأن المزايدة على المستحيل تضيع عادة الممكن.. فلا أرضا قطعنا ولا ظهرا أبقينا.


• وغاظنا من د. عبدالرازق وقتها أيضا أنه كان متزوجا من بريطانية ظلت على مسيحيتها وكان يذهب بها إلى الكنيسة كل أسبوع.. لم نكن نفهم فى شبابنا ونحن من أقاصى الصعيد فكرة أن الإسلام العظيم سمح لأصحاب دينين مختلفين أن يكونا أسرة واحدة وأن يناما على وسادة واحدة وأن يتحابا ويتوادا.. وأن تمتزج أرواحهما وأبدانهما وأمشاجهما.


• كانت فكرتنا سطحية مفادها: «كان الأولى به أن يتزوج مسلمة».. كانت معظم أفكارنا فى شبابنا متعجلة وسطحية تختصر الحياة فى لونين أحدهما أبيض ناصع البياض.. والآخر أسود شديد السواد.. وتحديد الأبيض من الأسود هو من عقل الشباب أيضا.


• لم نكن ندرك وقتها عدد الألوان والتنوعات والتباينات الكثيرة فى المساحة الفاصلة بين اللونين.. كل ما نفكر فيه بالنسبة للسادات هو أنه لا يطبق الشريعة دون التفكر عن الخدمات الكثيرة التى أسداها للدين والشريعة بمعناهما الكبير والواسع من فتح السجون وإلغاء التعذيب وإلغاء قانون الطوارئ لأول مرة فى مصر منذ ثورة يوليو عام 1952.


• لقد تلقينا فى شبابنا إرث خصومة الإخوان مع ناصر وأنزلناها على السادات هكذا.. وخاصة بعد أن حرق اليساريون والناصريون الأرض تحت أقدام السادات وكانوا الموجهين الأساسيين لكثير من أبناء الحركة الإسلامية الذين كانوا فى الأصل من قادة اليسار والناصرية.. فانتقلوا بعدواتهم للسادات من هذا المربع إلى المربع الإسلامى.. رغم أن السادات لم يبدأهم بالصدام بقوة إلا بعد قراره بالتحفظ على أكثر من ألفين كان منهم معظم الشباب الإسلامى بالجامعات.. فضلا عن كبار القوم ومفكريهم ومثقفيهم مثل الأساتذة: هيكل وفؤاد سراج الدين وعمر التلمسانى وسبعة وزراء سابقين مع قسس وشيوخ ودعاة من كل الأطياف فى خلطة عجيبة جمعت المشارق والمغارب سويا.. فجمعت الإخوان مع الوفد مع الناصريين واليساريين والإسلاميين والكنيسة والجماعات الإسلامية.


• نفس الخطأ الذى أخطأناه فى تقييم السادات أخطأناه فى تقييم أستاذنا د. عبدالرازق حسن.


• لم نواجه أستاذنا يوما بغضبنا منه لأننا فى الطب نؤمن بنظرية «المعلم والصبى».. فأستاذك فى الطب له مكانة عظيمة عندك لأنه يعلمك مهنة هى عظيمة عندنا جميعا.. والطب لا تتعلمه من تلقاء نفسك.. لم نسىء إليه يوما.. لم جيلنا يعرف الشتائم أو السباب أو الردح الذى انتشر هذه الأيام فى كل الفصائل حتى دخل صفحات بعض الإسلاميين فأساء إليهم جميعا.. فيمكن أن يتفحش أى أحد إلا من يزعم أنه يتصدى للدعوة إلى الله لأنها فى الأساس دعوة أخلاقية.


• كان ينبغى علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا مهما:


• أليس أستاذنا حرا فى اختياراته السياسية والفكرية أم أن حبنا له يلزمه بشىء لا يريده ولا يرغبه أو لا يناسبه؟!!.


• دارت الأيام دورتها.. كبر د. عبدالرازق وكبرنا.. شاخ وشخنا.. عركته الحياة وعركتنا.. زرته منذ سنوات.. حزنت كثيرا عندما رأيته قعيدا لا يستطيع الوقوف.. كيف لعملاق الجراحة أن يودع حجرة العمليات!.


• رأيته جالسا على كرسيه المتحرك، يشع وجهه ضياء ونورا، لحيته البيضاء تزين وجهه، المصحف الشريف مفتوح أمامه باستمرار لا يشغله عنه شىء يتلوه ليل نهار، يصوم يوما ويفطر يوما، يقوم الليل ويصلى الفجر، ويحب الجميع كعادته.


• عانقته بشدة، أنساب الحديث بيننا، علمت منه وفاة زوجته وأنها أسلمت طواعية وباختيارها قبل وفاتها بكثير.


• قال: إنها أحبت مصر كثيرا، ورفضت أن تعود إلى وطنها، كانت راغبة أن يكون أولادها مسلمين حتى لا يتناقضوا مع مجتمعهم، لم تتدخل فى حياتهم كما لم يتدخلوا فى تدينها المسيحى.


• أدركت وقتها أننا نظرنا إلى أستاذنا الحبيب فى شبابنا من أضيق الزوايا زاوية انتمائه السياسى الذى لا يعيبه ولا يعيب أحدا، نعم كنا نعتبره أكبر من الحزب الوطنى، ولكن الخلل كان فينا وليس فيه.


• لماذا نحجر على حريات الآخرين، أو ننقص من أقدارهم لانتمائهم السياسى أو الفكرى؟!


• لم ندرك يومها أن الحزب الوطنى لو استمر فى ضم أمثال د. عبدالرازق إلى صفوفه ما وصل إلى ما وصل إليه فى آخر عهد مبارك.


• لم يفسد أو يسرق د. عبدالرازق ولكننا كنا نخشى عليه من فساد القرب من السلطة، دخل الحزب بعد ذلك بسنوات طويلة بعض البلطجية والهجامين والحرامية الذين اتخذوا من الحزب والسلطة وسيلة للكسب الحرام.


• ابتعد العلماء والشرفاء فى آخر عهد مبارك عن الحزب الذى أصبح بابا للوصول بالتزوير إلى السلطة والثروة الحرام.


• ها هو د. عبدالرازق فى بدايته ونهايته أفضل منا جميعا.


• أليس زواجه من هذه المرأة كان انفتاحا من الإسلام والعروبة على أمم أخرى؟!


• أليس هو التعارف والتلاقح الذى من أجله خلق الله الإنسان «إِنَا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»؟


• أليست أخلاقه الكريمة هى التى رغبت زوجته فى مصر فرفضت أن تعود لوطنها وطلبت أن تدفن فى مصر ورغبت طواعية فى الإسلام؟!


• لماذا لم ننظر إلى سيل حسناته الكبرى وهو الذى كان راتبه وهو مدرس جراحة لا يزيد عن 63 جنيها لا يقبل بـ«عشرين» ضعفا لها الآن أخصائى الجراحة؟!


• أليس هو الذى أحيا آلاف الأنفس وأنقذ مئات الأرواح وأجرى آلاف الجراحات، فقد كان يجرى فى كل عام قرابة 400 جراحة كبرى ومتوسطة، وظل يفعل ذلك منذ عام 1954 وحتى عام 2014 «أى قرابة 24 ألف جراحة»، حتى أجريت له جراحة فى عموده الفقرى جعلته لا يستطيع الوقوف فى غرفة العمليات.


• هذا النهر الحالى من الحسنات كنا غافلين عنه لأن السياسة تعمى وتصم.. ولأن تقييم الناس فيه خلل لدى الشباب عامة والمصريين خاصة، فنحن نزن الناس بحسب قربهم أو بعدهم الدينى أو السياسى أو الفكرى منا، ولا نزنهم بميزان الايجابيات والسلبيات، والحسنات والسيئات، والخير والشر، فمن غلب خيره على شره حكم له بالخير ومن غلب شره على خيره حكم له بالشر.. بل إننى أرغب أن نترك الحكم على الناس لله «خالق الناس» ثم «للقضاة والتاريخ»، وألا نحكم على أحد ونحن فى حالة رضا عنه أو غضب منه.. فالرضا يجعلك تعطى الآخرين فوق حقهم والغضب يجعلك تبخسهم حقهم، اللهم ارزقنا العدل فى الرضا والغضب.

التعليقات