التصعيد الإسرائيلي المفتوح لإلغاء أسس حلّ الدولتين - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الثلاثاء 19 أغسطس 2025 8:09 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

التصعيد الإسرائيلي المفتوح لإلغاء أسس حلّ الدولتين

نشر فى : الإثنين 18 أغسطس 2025 - 6:30 م | آخر تحديث : الإثنين 18 أغسطس 2025 - 6:30 م

ما زالت المفاوضات غير المباشرة لوقف الحرب على غزة تراوح مكانها، رغم المحاولات العديدة التى تبذلها الأطراف الوسيطة؛ إذ أبلغت حماس الوسطاء باستعدادها لقبول مقترح التهدئة الأخير، وهو المقترح الذى يدعو إلى وقف إطلاق النار لمدة ستين يومًا بدايةً. بالطبع كان الردّ الإسرائيلى رافضًا لهذا الأمر. وقد عبّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بوضوح عن المبادئ/ الشروط الخمسة التى تؤدى إلى وقف الحرب، وهى: إعادة جميع الأسرى، نزع كلى للسلاح فى غزة، منع تصنيع الأسلحة فى القطاع أو تهريبها إليه، سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على القطاع بما فى ذلك محيطه الأمنى المباشر (حزام أمنى)، وتشكيل حكومة مدنية بديلة لإدارة القطاع لا تضم حماس ولا السلطة الفلسطينية. بمعنى آخر، تريد إسرائيل منح سلطات بلدية إدارية محدودة ومقيّدة للإدارة الفلسطينية التى ستُشكَّل للقطاع غداة الحرب.


يزداد التصعيد الإسرائيلى لإحكام السيطرة على مدينة غزة، وإفراغ شمال القطاع من السكان، وتقطيع أوصال القطاع عبر إقامة خطوط أمنية عسكرية تُعدّ بمثابة أحزمة تطويق، وتعطيل سبل التواصل الطبيعى فى القطاع، بغية دفع السكان نحو جنوب القطاع: عملية تهجير داخلى تهيّئ ــ من المنظور الإسرائيلى ــ لخلق الظروف الضاغطة للتهجير خارج القطاع لاحقًا.


تترافق الحرب الإسرائيلية على غزة ــ التى ستكمل عامها الثانى بعد شهرين ــ مع حرب متصاعدة بوسائل عسكرية وأخرى مختلفة على الضفة الغربية والقدس الشرقية. ومن سمات تلك الاستراتيجية العمل لإقامة «إسرائيل الكبرى»، كما يصرّح نتنياهو بشأن «المهمة التاريخية والروحية» ووزراء اليمين الدينى المتشدّد فى حكومته. وقد سبقه هؤلاء فى هذا المجال عبر الدعوة إلى «إعلان تطبيق السيادة على الضفة الغربية» تحقيقًا للحلم الذى أشرنا إليه. ويقول وزير المالية سموتريتش فى هذا الشأن إنه يجب تعزيز تحقيق هذا الهدف بجلب مليون مستوطن جديد إلى الضفة الغربية، وكذلك العمل على تحويل البؤر الاستيطانية إلى مستوطنات رسمية. كما يُجرى العمل أيضًا على إبعاد أبناء الضفة الغربية عن المناطق الزراعية لقطع أرزاقهم وسبل حياتهم، وتسهيل طردهم من أرضهم. كذلك يتم تثبيت الحصار الاستيطانى على القدس الشرقية لقطع التواصل الجغرافى ــ وبالتالى البشرى ــ مع الضفة الغربية. وفى السياق ذاته، نقرأ بشكل شبه يومى تصريحات من مسئولين إسرائيليين حول ضرورة الإسراع فى مصادرة المزيد من الأراضى، والعمل على جذب «المليارات من الأموال» للاستثمار فيها بغية استقطاب المزيد من المستوطنين فى طريق إقامة «إسرائيل الكبرى».


يهدف ذلك ــ من دون شك ــ إلى القضاء الفعلى والعملى على إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة فى الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية؛ الهدف الذى عاد بقوة ــ بعد غياب أو تغييب طويل عن جدول القضايا الضاغطة فى المنطقة ــ إلى جدول الأولويات الدبلوماسية الإقليمية والدولية، مع مؤتمر حل الدولتين برعاية سعودية ــ فرنسية مشتركة. المؤتمر الذى انعقد فى نهاية شهر يوليو فى الأمم المتحدة، بغية إطلاق مسار التسوية السلمية عبر خريطة طريق يُفترض أن تتبلور فى الأشهر القريبة مع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الشهر القادم. خريطة طريق لا بدّ أن تستفيد من دروس الماضى وعِبَره، وكذلك من مخاطر الجمود الذى يفاقم مع الوقت التعقيدات والصعوبات أمام الهدف المنشود.


وتنشط إسرائيل فى إقامة حواجز على طريق حلّ الدولتين، مما يزيد من مصاعب تحقيقه. لكن، لمن يريد الاستقرار فى المنطقة ــ وهو مصلحة للجميع فى بناء وتعزيز التنمية الوطنية وكذلك الإقليمية الشاملة ــ فإن من أهم دروس الماضى البعيد والقريب ضرورة العمل على تسوية شاملة وعادلة، وبالتالى دائمة، لهذا الصراع. تسوية تُنهى الوسائل الداعمة لاستمراره وتغذيته وتوظيفه فى صراعات الآخرين وتحت عناوين مختلفة. التسوية المنشودة تُساهم فى توفير شرط أساسى للاستقرار فى المنطقة؛ فهذا الصراع، كما نعيشه حاليًا، يحمل الكثير من المخاطر على جواره المباشر والأوسع، كما يشكّل ــ بطبيعته وموقعه ــ مادة أساسية لتغذية صراعات قائمة أو لخلق صراعات جديدة.


خلاصة الأمر أن تسوية حلّ الدولتين أمامها ــ بلا شك ــ الكثير من الصعوبات والعوائق. لكنها ليست بالتسوية المستحيلة إذا ما توفّرت الرؤية والإرادة لدى الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، ووُظِّفت القدرات الضرورية فى هذا السياق للتوصّل إلى هذا الحلّ الصعب جدًا ــ كما أشرنا ــ ولكنه الوحيد الذى يوفر زخمًا أساسيًا وقويًا وضروريًا لإقامة شرق أوسط جديد.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات