فى ظل الأوضاع والمتغيرات السياسية المعقدة والمصالح المتشابكة، لم تكن الدعوة الرامية إلى التعجيل بالاتحاد الخليجى دعوة غير متوقعة.
ثمة تحديات كبيرة تواجه هذه المسألة، وعلى وجه الخصوص السياسية والاقتصادية منها، ومع ذلك لم نستبعد المبررات التى تحظى بتأييد واسع من غالبية الدول الخليجية التى ترى الإرهاب، والتهديدات الإيرانية فى مقدمة المخاطر الإقليمية.
ولكى نكافح تلك المخاطر، ينبغى على هذه الدول العمل المشترك لتحقيق المزيد من الإنجازات التى تعبر عن تطلعات شعوبها فى مناخ تسود فيه المساواة.
وسيكون من الخطأ ــ بالتأكيد ــ أن نعتقد أن الإرهاب الممول بأموال خليجية وإيرانية وغربية والتهديدات الإيرانية تجعلها بمنأى عن ترسيخ الوحدة الوطنية، التى لا يمكن تحقيقها، بعيدا عن حقوق المواطن.
كتب د. شملان العيسى يقول: مفهوم دول الخليج للوحدة الوطنية تبلور من خلال إشراك أبناء القبائل والطوائف فى التشكيلات الحكومية المختلفة، وهى بلاشك خطوة سياسية إيجابية مطلوبة، لكن يبقى السؤال: هل هذه الخطوة تؤدى إلى تجسيد فعلى وعملى للوحدة الوطنية أم هى مجرد محاولة شكلية لجمع الصف فى المجتمع.. دول الخليج على الرغم من استمرار السلطة فيها لمدة طويلة لم تحاول هذه الأنظمة إنشاء أو خلق حركات أو تجمعات أو أحزاب تقليدية تعزز الولاء الوطنى.. بل اكتفت هذه الأنظمة بالتركيز على الولاء العائلى والقبلى، وهو ما ترك فراغا ملحوظا فى الشارع الخليجى استغلته جماعات الإسلام السياسى التى بادرت بإنشاء جمعيات ومنظمات خيرية أو دعوية استقطبت الشباب فى الخليج لتنظيماتها الحزبية سواء أكانوا إخوانا مسلمين أم حركات راديكالية أم أحزابا وتنظيمات شعبية مثل حزب الله وحزب الدعوة الإسلامى.
إلى جانب ذلك نقول إن إصلاح الخطاب الدينى ومراجعة المناهج التعليمية، بغية تحصين الناشئة من الأفكار المتطرفة التى تدعو إلى التكفير والكراهية يشكل أهم المداخل لمحاربة الإرهاب.
ولن يستقيم ذلك، من دون فصل الدين عن السياسة، لضمان عدم استغلاله من قبل تجمعات مصالحها السياسية لا تتعارض مع المتاجرة بالدين وأبلغ دليل على ذلك توظيف القوى المتأسلمة الدين لأغراض سياسية!.
ولا نستطيع أن نتجاهل تشويه وتأويل النصوص الدينية دعما للعنف والإرهاب والانقسامات الطائفية وانتقاص حقوق المرأة!!.
لذا لم يكن مستغربا أن تتخذ دولنا الخليجية ــ شأنها شأن بقية الدول ــ تدابير أمنية وعسكرية للحفاظ على استقلالها وسيادتها الوطنية من أية مخاطر وتدخلات خارجية.
غير أن هذه التدابير لن تكفى وحدها، دون تدابير اقتصادية واجتماعية وتنموية قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية، وإشباع حاجات المواطن الخليجى هدف التنمية. وهل يمكن تحقيق ذلك من دون إصلاحات حقيقية أكثر فاعلية على جميع الصعد؟
الذى نقصده هنا، أن دولنا الخليجية التى تسير فى اتجاه التعاون والعمل المشترك من أجل تطوير التكامل الاقتصادى والمنظومة الدفاعية والأمنية للدفاع عن أمنها واستقرارها وهو ما تفرضه عليها المصالح الوطنية والأخطار المحدقة فى المنطقة، أحوج ما تكون إلى اصلاحات وتحولات قادرة على الوفاء ــ أكثر مما هو عليه ــ بالمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها فى ظل انفتاح سياسى يدعم الدولة الوطنية، وكل ما يرتبط بها من مؤسسات وحقوق وواجبات متساوية، ومشاركة شعبية فى اتخاذ القرار وما يرافقه من إصلاح اقتصادى يسعى إلى الحفاظ على المكتسبات والإنجازات، وعلى قدر كبير من التغيير الاقتصادى لمواجهة تحدى الفقر والبطالة وسد الفجوة المتزايدة فى توزيع الدخل والثروة، والارتقاء بالمستوى المعيشى للمواطنين.
وهذا يعنى حل مشكلات التنمية التى لا تتوقف على الجانب الاقتصادى فحسب، بل على الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتخطيط العملى.
ويعنى أيضا، أن التنمية، ما لم تنسجم مع المصالح الاقتصادية لمجتمعاتنا، ومع تطلعات الانسان الذى هو هدفها وغايتها تفقد أهم شروطها.
إذا كان ــ كما يقول الكاتب سنان سوادى فى مقاله «التكتلات الاقتصادية العالمية» – نجاح التكتلات الاقتصادية الاقليمية يتطلب مقومات أساسية وشروطا مناسبة وذلك لنجاح التكتل واستمراريته منها توافر البنية التحتية الأساسية الملائمة ــ توافر قوة العمل المدربة ــ تنسيق السياسات الاقتصادية ــ توافر الانسجام فى الأوضاع السياسية بالإضافة إلى توافر شروط أخرى ليست اقتصادية، منها التخلص من التبعية وتحقيق الاستقلال الاقتصادى، والاستفادة من التكامل للحد من سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات لكى تسعى الدول للتكامل وتوافر الإرادة السياسية، فإن مجلس التعاون أحد التكتلات الاقتصادية، لا تكتمل خطواته الاقتصادية، ولا تبلغ مداها، إلا إذا كانت التنمية شاملة مستدامة، باعثها الأساسى تنمية رأس المال البشرى، فى ظل أنظمة اجتماعية واقتصادية وسياسية متطورة أهم أهدافها الرخاء والتقدم لشعوب المنطقة.