«يقع اختيار البشرية بين الحرية والسعادة. وبالنسبة لمعظم الجنس البشرى، السعادة أفضل» (جورج أورويل، «1984»).
يفترض أن تصف هذه المقولة فى رواية أورويل «الديستوبية» طريقة تفكير «الحزب» القابض على السلطة فى مقاطعة «إيرستريب 1»، من دولة أوشينيا العظمى. وكما هو واضح، فإن هذه الفكرة السلطوية تنطوى على مغالطة، بافتراضها أن حجز الحرية لا يفسد السعادة أصلا. بل إن اختيار الحرية سيلغى السعادة بالضرورة، ما دام المرء يختار واحدا فقط من الأمرين (الحرية أو السعادة) على حساب الآخر.
مع أن رواية أورويل «1984» توصف بأنها عجائبية وقاتمة، فإن نبوءاتها أصبحت متحققة، بحيث أصبحت عجائبيتها تتعلق فقط بقدرتها الرؤيوية النبويّة. ولعل من أكثر الأشياء براعة فى الرواية، تسميات الوزارات التى يديرها الحزب المتحكم فى كل تفصيل من حياة المواطنين: وزارة السلام (تتعامل مع شئون الحرب والدفاع)؛ ووزارة الوفرة (تتعامل مع شئون الاقتصاد: أى الترشيد والمجاعة)؛ ووزارة الحب (وتتعامل مع شئون القانون والنظام: أى التعذيب وغسل الدماغ)؛ ووزارة الحقيقة (وتتعامل مع الأخبار والتسلية والتعليم والفن: أى الدعاية).
المفارقة واضحة بين هذه الأسماء ومسمياتها. ولكن الوضع المثالى الذى يسعى إليه المواطنون فى أى مكان ــ ولا يصلون إليه ــ هو أن تطابق أسماء وزارات أورويل هذه ناتج عملها الحقيقى.
***
فى العالم الحقيقى، هناك يوم يفوِّته معظمنا فى كل عام: «اليوم العالمى للسعادة»، والذى أعلنته الأمم المتحدة، وستعود مناسبته الشهر المقبل فى 20 (مارس)، ولن نلحظه كالعادة. وقد أقرَّت الأمم المتحدة هذا اليوم «اعترافا بأهمية السعادة والرفاه كأهداف عالمية». لكن تعريف السعادة والرفاه تُرك لتحدده الجهات التى تمتلك الخطاب ووسائل فرضه. وفى نهاية المطاف، ستدَّعى أى سلطة أن عملها ــ كان ولا يزال وسيظل فى كل آن ــ صنع السعادة والرفاه فقط لمواطنيها.
بشكل أساسى، سيعنى امتلاك «الحزب» (نخبة الحكم) سلطة تعريف السلام والوفرة والحب والحقيقة والسعادة وما شابه، أن تفرض هى تأويلاتها الخاصة لهذه المفاهيم وكيفيات تحققها على المحكومين، وأن تلغى تعريفاتهم إذا كانوا يُستشارون أصلا. وستعنى «الحقيقة» فقط مجرد الحقيقة التى تراها السلطة كذلك وتطعمها للناس بالملعقة أو العصا.
السعادة والرفاه، بتعريف الأمم المتحدة، هى شئون عملية تتعلق بشُغل الحكومات فيما يبدو. فإذا أنتج عمل وزارة الاقتصاد وفرة، وعمل وزارة الداخلية أمنا، وعمل وزارة الثقافة تعددية وتعايشا.. إلخ، يجوز أن نصف الحكومة المعنية بأنها حكومة رفاه أو سعادة أو أى اسم جميل آخر، وسيظهر تقييم عملها عاليا على مؤشرات الأمم المتحدة.
علاء الدين أبو زينة
الغد ــ الأردن