نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا بتاريخ 16 إبريل للكاتبة آمال قرامى، تناولت فيه تدهور الأحوال الاقتصادية فى تونس، وردود فعل القيادات السياسية... نعرض من المقال ما يلى.
تبدأ الكاتبة حديثها بالقول: فى الوقت الذى ينغمس فيه أغلب التونسيين/ات فى استهلاك ما توفره وسائل الإعلام المرئية من وجبات «تنويمية»، والتفاعل النشط مع قضايا تتصل بـ«الزواج العرفى، تعدد الزوجات... تنشر الهيئات والمنظمات التقارير الخاصة بتدهور المقدرة الشرائية وارتفاع نسب الفقر فى تونس واتساع «جغرافيته»، وتعداد الفقراء والفئات التى ستكون أكثر عرضة للفقر والهشاشة، وما سيترتب عن هذا الوضع من نتائج على مستوى الحرمان من الحقوق الطبيعية كالغذاء والسكن والمياه النقية والتعليم والصحة وغيرها.
غير أن مختلف وسائل الإعلام السمعية تتجنب أو لا ترى أهمية لفتح نقاش معمق حول ظاهرة الفقر يشارك فيه أهل الاقتصاد، وأهل التاريخ وأهل القانون والمختصون/ات فى العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع، والأنتروبولوجيا والجندر وغيرهم/ن فنحن فى شهر رمضان الذى اقترن فى المخيال الجماعى، بالكسل والخمول والاتكالية والاستهلاك والعراك... وفى المقابل تكتفى بعض البرامج التلفزيونية بوصف نمط عيش من يقبعون فى المنازل المتداعية للسقوط استدرارا لعطف المشاهدين فربما تلين قلوبهم فيدفعون أو يتصدقون بما يملأ «القفة». ولا حرج فى هذه المواقف من انتهاك «حرمات البيوت» إذ لا كرامة لمن لا سقف له... ولا مانع من استباحة خصوصية القوم ومن تجاهل أخلاقيات الصورة فالفقير فى نظر الإعلامى، هو مجرد أداة لتحقيق ارتفاع نسب المشاهدة ومن ثمة «نجاح» البرنامج.
وتضيف الكاتبة أن الأمر لا يختلف بالنسبة إلى مختلف مكونات المجتمع إذ صمتت «القيادات السياسية» التى نفد رصيدها لأنها لم تكن يوما فى خدمة الفقراء أو المفقرين بل شكل هؤلاء «ماعون صنعة» فى الحملات الانتخابية، وعجز أصحاب العمائم بدورهم، عن التأثير فى الجمهور حتى تبرز آيات التضامن والأخوة والمؤازرة فى زمن الشدائد. واكتفت أغلب الجمعيات ببعض الأنشطة ولم يشكل الفقر أولوية عندها لاسيما بعد أن قلت الموارد وعم الإحباط أو فُقد الحماس... ولا نحسب أن أغلب الجامعيين فى العلوم الاجتماعية والإنسانيات قد اعتبروا دراسة ظاهرة الفقر وثقافة الفقر... مواضيع ذات أولوية وحرية بأن تكون فى صدارة مشاريع البحث المعمق.
أشارت الكاتبة إلى أن ظاهرة الفقر هيكلية ومتعددة الأبعاد ومعقدة وهى تتقاطع مع عدة ظواهر أخرى كالأمية والإقصاء والبطالة والهجرة اللانظامية والانحراف والعنف وغيرها. ولكن ما يسترعى الانتباه هو أننا أضحينا نعانى من العوز والفقر العاطفى والخواء الفكرى فى آن واحد ذلك. فالفقر فقران: فقر ناجم عن وضع اقتصادى متأزم جعل الجموع عاجزة عن سد الرمق وخلق فجوة بين الجنسين وبين الطبقات... وفقر إنسانى مترتب عن مأسسة الجهل وانهيار منظومة القيم.
وبما أن المختصين فى دراسات الفقر اتفقوا على توسيع دلالات المصطلح ليشمل علاوة على الحرمان من الحاجات الأساسية الحرمان من تقدير الذات واحترام الآخرين، والحرمان أيضا من الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والحرمان من الثقافة والإبداع فإننا نقدر أن جميع التونسيين/ات يفتقرون إلى ما يحقق لهم الإشباع العاطفى والنفسى والمادى والمعنوى... ويضمن لهم درجة من الأنسنة.
وتستطرد الكاتبة حديثها بالقول إنه إذا كان «الرئيس» قد حدد «أولوياته» المتمثلة فى إعادة بناء نظام الحكم والمشهد السياسى والتاريخى الدينى والاجتماعى والثقافى على هواه، ووفق قناعاته الخاصة، وكان بذلك غير مكترث بـ«الضجيج» الذى يثار من حوله، فإننا نقدر أن أصوات المعوزين والمفقرين والمنسيين والمقموعين ستسمع «من به صمم» وستكشف المستور: انعدام الخطط التنموية، فشل المناويل الاقتصادية، محدودية التصورات وعدم نجاعة السياسات، غياب العدالة الاجتماعية، وتحيز سوق العمل ضد النساء واستغلال أرباب العمل لهشاشتهن، وارتفاع منسوب العنف، وتدحرج الطبقة الوسطى، واستشراء الفساد والتهرب الضريبى، وغيرها من العلل.
تختتم الكاتبة مقالها قائلة إنه كلما انشغل الناس بسد حاجياتهم والركض وراء المادة وضاقت أمامهم السبل صار التفكير فى الشأن العام والمشاركة السياسية والانتخابات والاستشارات والاستفتاء... ضربا من الترف الفكرى الذى لا يقدر عليه إلا أصحاب الامتيازات الذين يسعون إلى تحقيق طموحاتهم أو مدينتهم الفاضلة.