أوباما والعراق ومصر والقرار المعقد - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما والعراق ومصر والقرار المعقد

نشر فى : الخميس 19 يونيو 2014 - 4:45 ص | آخر تحديث : الخميس 19 يونيو 2014 - 4:45 ص

يحاول الرئيس أوباما اتخاذ قرار لعله الأشد تعقيدا منذ أن تولى منصبه قبل ستة أعوام. موضوع القرار ليس فقط موضوع جماعة إرهابية تثير الفوضى هاجرت من مسقط رأسها فى العراق إلى سوريا لتتسلح وتتزود برجال أشداء من دول أوروبا وبأفكار تصلح الفكرة الواحدة منها لتغيير خريطة الشرق الأوسط. موضوع القرار لا يتعلق فقط بخطر يهدد حكومة صديقة وعدتها واشنطن بتوفير الدعم الدولى فى مواجهة خصوم أقوياء. موضوع لا تقتصر تداعياته الراهنة والمحتملة على دولة أو دولتين أو ثلاث دول فى الجوار، بل إلى منطقة بأسرها وربما إلى قارات أخرى.

فاجأتنى خلال الأيام الأخيرة مشاعر تعاطف ومحاولة تفهم وأنا أتابع البيان الذى ألقاه الرئيس أوباما حول تطورات الموقف فى العراق، وكذلك وأنا أتابع لقاءات مجلس الأمن القومى الأمريكى، ومقالات كبريات الصحف وتعليقات كبار القادة وصناع الرأى. رأيت أمريكا تقف أمامى لا تعرف تماما ماذا يجب أن تفعل، ورئيسها يضرب أخماسا فى أسداس، ورجال الحكم والسياسة يتنابذون ويتبادلون الاتهامات عن مسئولية الخطيئة الأولى التى ارتكبوها مجتمعين فى عام 2003. رأيت أمريكا تمد يدا مرتعشة إلى خصم لدود تدعوه للمشاركة فى البحث عن حل. رأيت نخبة السياسة الخارجية والأمن القومى منشغلة بحساب التكلفة التى سوف يتحملها مفاوضوه فى جنيف وخارجها وحساب المتاعب وخيبات الأمل التى سوف تصيب حلفاء لأمريكا فى الشرق الأوسط.

أما وقد توالت الأحداث فى العراق مندفعة نحو تدهور أعمق، ومتسببة فى قلق عظيم فى عواصم عديدة ولدى الرأى العام الأمريكى، لم يكن هناك بد من أن أجتمع وفريق من المهتمين عادة بأمور الحروب والأزمات لوضع قائمة بالعناصر التى رشحت أزمة العراق الراهنة لتكون واحدة من أهم الأزمات الدولية وأعقدها التى شهدها العالم فى السنوات الأخيرة. وبالفعل توصلنا إلى أن عددا لا يقل عن عشرة تعقيدات تمسك بخناق صانعى القرار فى دول عديدة، وبشكل خاص الرئيس الأمريكى وجهاز مساعديه، تعقيدات بعضها يرسم باجتماعها لوحة مستقبل، لا أستبعد أن مثلها كان مجسدا على مائدة المفاوضات التى جرت بين وزيرى خارجية فرنسا وانجلترا فى عام 1916، أى قبل مائة عام. احتاج الأمر فى تلك الأيام إلى عملية جراحية لإخراجها من قاعات الدبلوماسية إلى ساحات الحرب والسياسة فى الشرق الأوسط. وبالفعل انطلقت هناك وفى خضم حرب عالمية بداية شرق أوسط عاش مائة عام. كثيرون، ونحن منهم، يعتقدون أن تغييره يحتاج إلى عملية جراحية أخرى قد تكون أفدح ثمنا، باعتبار أن هناك من يفكر أن تكون الحروب الأهلية أداة تنفيذ هذا التغيير.

خلصنا فى اجتماعنا إلى قائمة تصدرتها التعقيدات التالية التى تواجه الرئيس أوباما، وتنعكس آثارها على صانعى قرار فى دول عديدة أخرى:

•• يتعين على الرئيس أوباما مد يد المساعدة لحكومة فى بغداد تربطها بواشنطن اتفاقات. أهم من الاتفاقات هو الالتزامات المتبادلة وغير المعلنة تجاه مصالح وفيرة ودقيقة مثل النفط وإيران والأكراد وشركات المقاولات الأمريكية وبخاصة الشركات العاملة فى مجال توريد الجنود المرتزقة والصيانة.

إلا أنه غير خاف على أحد أن هذه الحكومة القائمة فى بغداد خيبت آمال واشنطن بضعفها وفسادها وسوء أدائها، الأمر الذى جعل مهمة الدفاع عنها طبقا للاتفاقات صعبة ومحرجة. بل إن مجرد الإعلان عن النية فى تقديم المساعدة الأمريكية لحكومة مثل حكومة المالكى قد يهز بمصداقية أمريكا فى العراق كما فى العالم العربى بأسره. هذه المساعدة ستفسرها الأقلية السنية فى العراق والعالم العربى على أنها انحياز لطائفة على حساب أخرى وربما انتهز البعض الفرصة واعتبروها تعزيزا لفكرة المؤامرة الغربية لتحقيق الانفراط.

من ناحية أخرى، فإن التخلى عن مساعدة المالكى فى هذه الظروف الدقيقة قد يثير غضب الأغلبية الشيعية فى العراق، وشيعة الشرق الأوسط عموما. هذا الغضب قد يتطور فيصير تمردا على أمريكا وحلفائها أو يترجم نفسه فى عمليات عداء صريح.

من ناحية ثالثة، لا تستطيع واشنطن أن تعلن جهارا وبشجاعة مناسبة أن المالكى قد فشل وعقابه الأكبر دعم أمريكا لممثلى السنة من العشائر والنخبة القديمة وضباط البعث. لن تستطيع لأنها تكون بهذا الإعلان قد اصطفت فى جانب الإرهاب.

هنا ظهرت فكرة أن تطلب أمريكا من المالكى القيام فورا بإدخال تعديلات على نظام الحكم بما يسمح بتعددية واضحة وحقيقية، وأن تجعل من هذا الطلب شرطا لمساعدته عسكريا على الخروج من ورطته. انبثقت من هذه الفكرة ضرورات لازمة، منها على سبيل المثال، ضرورة الطلب رسميا إلى إيران أن تحث المالكى على إقامة تعددية أوسع. هكذا بدت واضحة حاجة الولايات المتحدة إلى إيران كلاعب أساسى فى النظام الإقليمى شرق الأوسطى، وبدت فى الوقت نفسه حاجة إيران إلى تقديم نماذج على اعتدالها واستعدادها التعاون فى حل أزمات عويصة تبدأ بأزمة العراق وقد تتواصل بأزمات فى اليمن وسوريا والبحرين.

•• أثناء مناقشات حول أفضل السبل لإقناع المالكى بالتزام التعددية السياسية فى الحكم والحصول على موافقة إيران بذل جهد مناسب لتحقيق هذا الاقتناع لدى المالكى، ظهرت مشكلة تتعلق بالتعددية الطائفية فى العالم العربى بشكل عام. إذ قيل ماذا لو طلبت إيران كشرط لمشاركتها فى حل الأزمة التزامات مماثلة من جانب كافة دول المنطقة بتطبيق التعددية الطائفية فى الحكم. هذا الشرط وحده قد يؤدى إلى وقف جميع المساعى الأمريكية والعودة إلى النقطة صفر.

** الثابت لدى الرأى العام العالمى أن الجهود الأمريكية، والغربية عموما، لم تثمر نتائج إيجابية للشعب الأوكرانى فى أزمته الراهنة مع الاتحاد الروسى. هذا «الفشل» لابد وقد انعكس سلبا على صورة أوباما شخصيا والولايات المتحدة ليس فقط فى الشرق الأوسط، بل وبعيدا جدا فى الشرق الأقصى. هناك فى أوكرانيا كان الخصم دولة كبيرة فى يدها حل المشكلة أو تعقيدها، أما هنا فى العراق فالخصم دولة متوسطة، إمكاناتها أقل كثيرا جدا من روسيا، ومع ذلك تحتفظ الآن بالقدرة على تحريك أو إحباط مساعى حل أزمة دولية عظمى. لاحظنا أن الولايات المتحدة لم تكشف حتى الآن عن أفكار أو خطط توحى بأنها ستكون أوفر قدرة وأكفأ أداء فى التعامل مع الأزمة العراقية الجديدة.

•• لا ننسى، وبالتأكيد لا أحد فى أمريكا ينسى، الحقيقة المرة التى عادت تفرض ظلها على كل من واشنطن ولندن وعواصم أخرى كثيرة. هذه الحقيقة هى مسئولية الولايات المتحدة وبريطانيا عن الأحداث الراهنة. لقد عادت السياسة الداخلية الأمريكية تلعب دورها المعتاد نحو تعقيد وليس تسهيل، عملية اتخاذ القرار فى السياسة الخارجية. عاد الخلاف فى أمريكا الآن مشتعلا بقوة بين هؤلاء الذين نصحوا أوباما بعدم الخروج من العراق وها هو حسب رأيهم يدفع ثمن رفض نصيحتهم. من ناحية أخرى هناك أكثرية متزايدة تلقى باللوم على كل من شارك بالتصويت أو التحفيز فى دفع الرئيس بوش لشن حرب ضد العراق فى عام 2003. كان الهدف كما يثار الآن فى أمريكا اسقاط الدولة العراقية. ويعترف الجميع بأن المسئولين الأمريكيين يعاونهم نفر من العراقيين وبمباركة من أسوأ البشر قاطبة، بعض قادة تيار المحافظين الجدد، قاموا بهذه المهمة بكفاءة منقطعة النظير. سقطت دولة العراق فكانت إيذانا بصعود الطائفية ودعوات الانفراط، ولكنها كانت إيذانا أيضا بظهور دعوات محلية عديدة لإسقاط «الدولة» فى دول عربية أخرى.

يواجه أوباما داخليا تعقيدات بسبب النشاط الشديد لدوائر السياسة الداخلية، واهتمامها بالدور الذى يزمع أوباما القيام به، ويواجه خارجيا تعقيدات ليست أقل شأنا. فهناك دول فى المنطقة العربية شجعته على احتلال العراق وإسقاط نظام صدام وتطالبه الآن بإعادة بالتدخل عسكريا لاستعادة الدولة التى سقطت مع صدام. المشكلة كما يراها معلقون أمريكيون تكمن فى أن تحقيق مطالب هذه الدول العربية يتطلب دعم ثوار السنة الذين هم الآن فى قبضة «الإرهاب»، الإرهاب الذى التزمت معظم الدول العربية بمكافحته داخليا وإقليميا ودوليا. إن أى دعم تقدمه أمريكا لفصائل العشائر وغيرها من فصائل السنة سوف يبدو أمام العالم والرأى العام الأمريكى دعما غير مباشر للإرهاب.

•••

•• نعرف جميعا أن الطلب على مصر يتصاعد للقيام بدور نشيط فى حل أزمة العراق، وغيرها من أزمات الإقليم وربما قريبا فى إفريقيا. ولكننا نعرف فى الوقت نفسه، أن دور مصر ليس وظيفة نمارسها عند الطلب. دور مصر ليس وصفة جاهزة تباع لمن يدفع أكثر، أو ليستخدم ويستفاد به فى أزمة طارئة. الدور المصرى عملية تراكمية يتشكل مع الوقت ومع التجربة ومع شروط داخلية وإقليمية معنية، بمعنى آخر لا يجوز أن نتعامل أو يتعامل آخرون بمنطق الخدمات الجاهزة ونظام تسليم الوجبات السريعة إلى من يطلبها.

•••

المؤكد، أو الظاهر لى على الأقل فى هذه اللحظات الدقيقة فى مسيرة الثورة المصرية، أن الدور المصرى غير جاهز بعد ليؤدى أداء يعود بالفائدة على مصر والأمة العربية.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي