بعض «الهواة» والسذج وحديثى العهد بالسياسة يتعاملون مع معظم قضايا الوطن المصيرية وخصوصا ما يحدث فى سيناء الآن، بالقطعة، وكأننا فى خناقة بين شخصين فى حارة شعبية.
الانفلات الإعلامى والفكرى وظهور البلطجة الفضائية أحيانا أغرى كثيرين بإطلاق أحكام عامة ونهائية على قضايا معقدة ومتشعبة حار فيها كثيرون لعقود، ونتيجة ذلك ان غالبية المواطنين يصابون بمزيد من التلبك الفكرى والحيرة المعلوماتية وينتهى الأمر ببعضهم إلى اليأس وأحيانا تبنى وجهة نظر العدو.
لا أريد أن «أنهى عن فعل وآتى مثله» ،لكن وفيما يتعلق بالمأساة الجارية فى سيناء فعلينا ان نتريث كثيرا قبل أن نطلق الأحكام أو نتهم طرفا حتى تتوافر لنا معلومات أساسية.
إلى ان يحدث ذلك، فهناك قواعد علينا ألا نغفل عنها، أهمها أن فلسطين دولة عربية إسلامية محتلة، بها شعب شقيق حتى لو اختلفنا تكتيكيا مع بعض فصائله، وان إسرائيل كيان استعمارى غاصب وعنصرى، حتى لو تقاطعت بعض مصالحنا معهم فى مواقف عابرة.
على هواة السياسة الجدد، قراءة كيف فكر الصهيانة منذ مئات السنين فى سيناء، وكيف كانت أحد الخيارات الأساسية لإقامة دولتهم، وأشار إليها تيودور هرتزل أثناء مؤتمر بازل الصهيونى عام 1897. وظلت مطمعا لهم باعتبارها امتدادا لأرض الميعاد، وحتى بعد عودتها لسيادتنا، فإن عربدة الصهاينة فيها طبقا لاتفاق عام 1979 تجعلها منقوصة السيادة.
أحد أكبر الأخطاء الاستراتيجية التى ارتكبها مبارك طوال سنوات حكمه انه لم يعمر سيناء بصورة تخدم الأمن القومى المصرى.
كان يمكنه ــ إذا حاول ــ ان يزرعها بمستوطنات بشرية، لكنه اكتفى بتنمية سياحية لم يستفد منها عموم أهل المنطقة.
أهملنا التنمية الانسانية وركزنا على القمع الأمنى، والنتيجة بؤر متطرفة يتم تعزيزها، حتى فوجئنا بأن هناك وحشا كامنا فى قلب شبه الجزيرة.
الآن فإن الغرب وإسرائيل يقولون إننا ــ كمصر ــ غير قادرين على السيطرة على هذا الوحش الموجود فى سيناء، وبالتالى ــ وهذا هو مربط الفرس ــ فعلينا ان نقبل نصائحهم ومطالبهم كى نقتل هذا الوحش.
بدأنا نقرأ مؤخرا فى افتتاحيات الصحف الأجنبية ودراسات مراكز الأبحاث الغربية كلاما واضحا، خلاصته ان ما يحدث فى سيناء ليس شأنا مصريا خالصا.
طبقا لاتفاق 1979وملاحق كامب ديفيد، فإن تواجدنا العسكرى فى المنطقة «ج» التى تقترب من ثلث مساحة سيناء محدود، وهى بالمصادفة نفس المنطقة التى يتمركز فيها المتطرفون، وبالتالى فالمفارقة هى كيف سنلاحقهم اذا كانت يدنا مغلولة بالاتفاق.
طبقا لتجربة الايام الماضية، فإننا يجب ان نستأذن من إسرائيل عندما ندخل أى سلاح إلى ارضنا كى نحارب به من قتل جنودنا. وكان لافتا إعلان وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تل أبيب مددت الإذن بتحليق المروحيات المصرية فوق شمال سيناء لأيام معدودة.
مرة أخرى، ما يحدث ليس أمرا عشوائيا، وسنكتشف قريبا أن أولئك الإرهابيين الذين قتلوا جنودنا لم يكونوا إلا أداة كى نصل إلى الحالة التى نحن فيها الآن. هل هى مصادفة ان يقع الحادث بعد أيام من تولى محمد مرسى للرئاسة، ثم إبعاد طنطاوى والمجلس العسكرى،ألم نفكر فى المغزى العميق الذى يجعل كل مصر الثورة تتجه لمعركة لم تكن مستعدة لها فى سيناء، وتصبح هى القضية رقم واحد، وبدلاً من حل المشاكل المعيشية نستأذن من إسرائيل لتسمح لنا بإدخال أسلحة لمقاتلة الإرهابيين؟!.
يا أيها الهواة، الأمر فى سيناء أكبر من مرسى والإخوان، ومن طنطاوى والمجلس العسكرى، ومن الجدل بين التيار الإسلامى والتيار الليبرالى. الأمر متعلق بمصر ومحاولة إغراقنا فى مستنقع قد نوحل فيه لعشرات السنين.. فانتبهوا. وكل عام وأنتم بخير.