ينقبض قلبى حين يصل سمعى هتاف «بالروح، بالدم، نفديك يا زعيم». ربما لأن جيلى عايش، وشهد، النتائج الكارتية لهذا الشعار البغيض الذى ينتهى بالوبال، سواء بالنسبة للجماهير التى تعلق آمالها على وهم البطل، المخلص، أو بالنسبة للزعيم نفسه، الذى يصدق، فى لحظة خداع طويلة للذات، أن عبقريته، وقدراته، بلا حدود..
فكرة «الزعيم.. البائسة، التعيسة، تمتد من التاريخ والسياسة فتشمل جوانب عدة من حياتنا، ومنها الفن، وليس أدل على هذا أبلغ من قناة «اللورد» التليفزيونية، التى لم تبايع أو تهتف، بين الحين والحين، للزعيم عادل إمام وحسب، بل وضعت صورته، مبتسما، على يسار شاشتها، طوال الأربع والعشرين ساعة، فهكذا الزعيم: حضور دائم على مدار الساعة، يطل من عليائه على رعيته، راضيا مقتبطا بما تقدمه، أسفله، الشاشة، سواء أغنيات مرحة أو أخبار فاجعة أو ميلودرامات المسلسلات.. وسريعا، تحدثت الصحف، والقناة نفسها، عن مشروع فنى ضخم، مهم ومفيد، تحتاجه وتستحقه البلدان العربية، يرمى إلى اكتشاف المواهب وصقلها وإدماجها فى حركة الإبداع، على غرار برامج «ستار أكاديمى» و«أمريكان أيدل»، التى يتابعها بشغف، قطاعات واسعة من مشاهدى القنوات الفضائية، فى معظم بلدان العالم.
نجاح برامج مثل «ستار أكاديمى» و«أمريكا أيدل» لا يأتى من فراغ أو ضربة حظ، وليس اعتمادا على «زعيم» أوحد، ولكن تنهض على دقة التنظيم وحسن اختيار أصحاب المواهب الواعدة وجدية التدريب والمتابعة وعمق ثقافة المحكمين حيث لا تقل تعليقاتهم المرهفة امتاعا عن أداء المتسابقين الخلاب، وبالتالى أصبح لكل برنامج شخصيته الذاتية المستقلة، التى لا تتأثر بغياب أحد.. وعلى العكس من هذا النهج جاء مشروع «اللورد» معتمدا، أساسا، على «الزعيم» الذى أطلق آمال آلاف الشباب العاشق للفن، خاصة بعد رحلته الميمونة إلى الأردن، وإعلانه، بطريقته الساحرة، أنه سيفتح الباب للموهبين، سواء كانوا أطفالا أو عواجيز، وغدا اسم البرنامج «أكاديمية عادل إمام»، وسار الجميع الهواة، أساتذة «الأكاديمية»، قناة «اللورد»، خلف «الزعيم»، البطل، فاتح أبواب السعد.. ولكن فجأة، أمام كاميرا قناة رياضية، أعلن الزعيم أنه تنحى، وطلب من الرعية استرداد رسوم التقدم إلى أكاديميته، وكما الحال حين تنحى الزعيم، قامت الدنيا ولم تقعد. ميرفت أمين، قررت الابتعاد فورا عن «الأكاديمية» التى ــ حسب كلامها ــ لا قيمة لها من دون عادل إمام، ولحقت بها لبلبة، وكان من المفروض أن تكون كل منهما أساتذة فى الأكاديمية ــ فهل تصدق؟ــ أما ناقدنا المرموق، العميد الأسبق للمعهد العالى للفنون المسرحية، فإنه لاذ بالصمت، وأظن أنه يراجع حساباته، المعنوية قبل المادية..
ووجدت «اللورد» نفسها فى حيص بيص، فلا هى تعرف هل تواصل مشروعها بعد أن هشم الزعيم سلة البيض، أم تتوقف وتدفع فاتورة «بالروح، بالدم، نفديك يا زعيم».