الســـلام أم الاستسلام.. على الطريقــــة الإسرائيلية - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
السبت 22 مارس 2025 1:12 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الســـلام أم الاستسلام.. على الطريقــــة الإسرائيلية

نشر فى : الخميس 20 مارس 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 20 مارس 2025 - 8:15 م

المرحلة الراهنة دون أدنى شك هى أخطر المراحل فى الصراع العربى الإسرائيلى، فإسرائيل اليوم قد اكتسبت قـــوة هائلة وخطيرة ممثلة فى شخص الرئيس الأمريكى الذى يبدو أنه يعتبر نفسه نصف إله يدبر ويدير مقدرات الكون، بما هو متاح له من سلطات بحكم رئاسته لأقوى دولة فى العالم اقتصاديا وعسكريا.
فإسرائيل التى قامت منذ إنشائها بالحديد والنار وتأسست بالموت والدمار على أشلاء وأراضى الفلسطينيين منذ قرابة الثمانين سنة، وجدت اليوم الرئيس ترامب يقدم لها ما يبدو أنه الحل النهائى للقضية الفلسطينية، وهو حل يقوم على التهجير القسرى للفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم فى فلسطين إلى أماكن أخرى من العالم، وإخلاء فلسطين من الفلسطينيين.
يبدو أن الرئيس ترامب قد أوعز لوزارة الخارجية الأمريكية بحث البدائل المختلفة مع عدة دول فى الشرق الأوسط وخارجها، وبعد الرفض القاطع من مصر والأردن لهذه الفكرة، تداولت وكالات الأنباء ما يفيد أن الولايات المتحدة تتواصل وتجرى اتصالات مع العديد من الدول كان آخرها سوريا وأرض الصومال.
الرئيس ترامب الذى طلب من حماس تسليم ما لديها من أسرى دون أى التزام من جانب إسرائيل بإنهاء الحرب تماما ونهائيا على غــزة وضمان إعادة بنائها وإعمارها، هدد غــــــــزة بالدمار الشامل إن لم يتم تنفيذ مطلبه، ولن يكون هذا الدمار الشامل إلا بواسطة الشحنات الأخيرة من الأسلحة التى تدفقت على إسرائيل بكميات هائلة ونوعيات غير مسبوقة من القوة التدميرية منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة.
الخطير فى الأمر، أن الرئيس ترامب يبدو وكأنه قد التبس عليه الدور، فاعتبر نفسه ليس فقط رئيسا للولايات المتحدة بل رئيسا لإسرائيل وولى أمرها، كما يبدو أنه يعتبر أن إسرائيل هى الولاية الأمريكية الحادية والخمسون، وأن من حق الولايات المتحدة تهجير الفلسطينيين وإبادتهم كما حدث للهنود الحمر فى أمريكا بتهجيرهم وإبادتهم.
والأخطر من ذلك، أن الرئيس الأمريكى قد ألغى قواعد القانون الدولى معتبرا أن لا وجود له، وأنه وإن وجد فإن الولايات المتحدة هى فوق القانون الدولى، والقانون الدولى هو تحت أقدامها، وليس أدل على ذلك من سيل العقوبات التى وقعتها الولايات المتحدة على مفوضى وقضاة المحكمة الجنائية الدولية بعد قرارها بإصدار مذكرتى اعتقال دوليتين بحق رئيس وزراء الكيان الصهيونى نتنياهو ووزير دفاعه المعزول يوآف جالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
• • •
إسرائيل التى تمر اليوم بحالة هيستيرية من الحرب والتدمير، مدعومة دعما مطلقا من الولايات المتحدة ما زالت تجد الجرأة والوقاحة فى أن تقدم نفسها للعالم بأنها دولة راغبة فى السلام، رغم أن جيشها خلال الشهور الستة الماضية فقط قد أباد قرابة الثمانين ألفا من الفلسطينيين فى قطاع غزة فقط.
السلام الإسرائيلى، منذ ثمانين سنة، هو سلام الهيمنة على الآخرين وسلب حقوقهم واغتصاب أراضيهم وتخريب مجتمعاتهم وتفكيك دولهم، هو السلام الإسرائيلى فى الضفة الغربية الذى يهاجم المدن والبلدات ويقتل من فيها ويعتقل الأطفال والنساء ويدمر بيوتهم ويحيل حياتهم إلى جحيم، وهو نفسه الذى يقطع أوصال الضفة الغربية ويملأها بالمستعمرات الصهيونية.
السلام الإسرائيلى هو من قام بإنهاء عمل وكالة الأونروا لتصفية الوضع السياسى والقانونى للاجئين الفلسطينيين المشمولين برعاية الأمم المتحدة كممثلة عن المجتمع الدولى ككل، وإلغاء حقوقهم المشروعة فى العودة والتعويض والإعانة والدعم، وإخضاعهم تماما لسلطات الاحتلال الإسرائيلى، بعد تصفية وضعهم السياسى والقانونى وإلغاء ارتباطهم بقرارات الأمم المتحدة للاجئين وإلغاء أعمال وكالة الأونروا الإغاثية والإنسانية.
السلام الإسرائيلى هو ما عبر عنه مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة بعد تصويت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قرار يوصى بحصول فلسطين على العضوية الكاملة كدولة عضو فى الأمم المتحدة، فوقف مندوب إسرائيل على منصة الجمعية العامة ليمزق ميثاق الأمم المتحدة بجرأة ووقاحة غير مسبوقة.
• • •
السلام الإسرائيلى هو السلام مع لبنان الذى اجتاحه الجيش الإسرائيلى عدة مرات ووصل إلى عاصمته وحاصر قصر الرئاسة فى بعبدا، وأقام جيشا من العملاء فى جنوبه بقيادة العميلين سعد حداد، وأنطوان لحد، وهو السلام الذى تؤجج فيه إسرائيل الصراع بين الطوائف التاريخية فى لبنان وتحرضهم على بعضهم البعض وتمدهم بالسلاح، وهو ذاته السلام الذى تستولى اليوم إسرائيل بموجبه على آلاف الكيلومترات من الأراضى اللبنانية لأغراض أمنية.
السلام الإسرائيلى هو نفسه السلام الذى احتلت فيه القوات الإسرائيلية منذ ستة شهور أكثر من ألف كيلو متر مربع من الأراضى السورية فى الجولان وجبل الشيخ والقنيطرة ودرعا والسويداء، مع قصف وتدمير المواقع العسكرية السورية فى كل أنحاء سوريا وتدميرها، وهو نفسه السلام الذى تحرض فيها الأكراد والدروز على تفتيت كيان الدولة السورية وتنفيذ مشاريع انفصالية عنها.
السلام الإسرائيلى هو الذى تستولى إسرائيل بموجبه على منابع المياه ومصادرها فى سوريا ولبنان للهيمنة على نهر الأردن ونهر اليرموك، ومخططاتها للاستيلاء على كافة الأراضى اللبنانية الخصبة حتى الضفة الجنوبية لنهر الليطانى وتحويل مياهه إلى شمال إسرائيل.
السلام الإسرائيلى هو الذى ضرب المفاعل النووى العراقى أوزيراك، وضرب مصنع الأدوية فى الخرطوم، وقام بمجزرة حمام الشط فى تونس لاغتيال قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وتتبعهم فى كل أنحاء العالم لقتلهم والقضاء عليهم.
السلام الإسرائيلى هو الذى يسعى للتوغل فى اقتصاديات دول المنطقة والتحكم فيها بتقديم مشروعات بديلة تخدم مصالحه مثل مشروع الشرق الأوسط الجديد ومشروع قناة بن جوريون ومشروع ممر الهند– إسرائيل – أوروبا، ومشروع ميناء حيفا للسلام، وهو نفسه السلام الذى غير اسم خليج العقبة على الخرائط الدولية ليسميه خليج إيلات.
• • •
المؤسف فى الأمر أن السياسات العربية فى شأن الصراع العربى الإسرائيلى ومنذ مؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو دأبت دوما على إعلان أن السلام هو خيار استراتيجى، فى حين أن إسرائيل لم تعلن أبدا أن السلام هو خيارها الاستراتيجى، بل واستغلت بسياسة النفس الطويل سراب هذا الوهم لدى العرب فى المزيد من التغول والانقضاض على الحقوق الفلسطينية والعربية.
العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وصل إلى مستويات غير مسبوقة من الوحشية الدموية، وباتت المسألة تتطلب موقفا عربيا أكثر حزما وفاعلية.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات