إسرائيل تتغـــول على الشرق الأوسط.. وماذا بعــد؟ - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الإثنين 29 سبتمبر 2025 2:17 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لقمة الأهلي والزمالك المقبلة؟

إسرائيل تتغـــول على الشرق الأوسط.. وماذا بعــد؟

نشر فى : الأحد 28 سبتمبر 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الأحد 28 سبتمبر 2025 - 7:20 م

رغم مغادرة معظم الحضور قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقف نتنياهو على المنصة يتحدث بعنجهية بأنه قد غيَّر وجه الشرق الأوسط، وأن جيشه قد انتصر على كل الجبهات فى غــزة وسوريا ولبنان وإيران واليمن، ثم عدوانه على أجواء وأراضي  وسيادة دولة قطر، الوسيط لإنهاء الحرب، ثم قصف سفن أسطول الحرية فى تونس وفى عرض البحر المتوسط، ووقف مهدِّدًا بأن ذراع إسرائيل الحربية ستطول الجميع دون استثناء.

من قبيل المفارقات أن يُسمح لمجرم حرب مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية أن يقف ليتحدث فى الأمم المتحدة عن العدالة والإنسانية والحقوق، ويداه مخضبتان بدماء 65 ألفًا من الشهداء الفلسطينيين. وقف نتنياهو ينتقد الدول التى اعترفت بدولة فلسطين، وقال إن منح الفلسطينيين دولة على بُعد ميل واحد من القدس بعد 7 أكتوبر هو أشبه بمنح تنظيم القاعدة دولة على بُعد ميل واحد من مدينة نيويورك بعد أحداث 11 سبتمبر.

ثم ارتدى عباءة الديمقراطية، وتحدَّى العالم بقوله إن إسرائيل لن تسمح بإنشاء دولة فلسطينية، وإن هذا ليس رأيه هو بل هو قرار الكنيست الإسرائيلى العام الماضى، حين صوَّت 99 عضوًا فى الكنيست لصالح قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية. واسترسل بالقول إن معارضته للدولة الفلسطينية ليست سياساته وحده أو سياسة حكومته، بل هى سياسة الكيان الصهيونى وشعبه.

ومن قبل كل ذلك، كان تصريح أحد وزراء الكيان الصهيونى بأنه لا يهم إسرائيل أن تخسر العالم بأسره طالما كانت الولايات المتحدة تقف إلى جانبها، وتصريح مسئول آخر بأن ما حدث فى قطر هو رسالة للشرق الأوسط بأكمله بأن إسرائيل قادرة على أن تطول الجميع وتصل إليهم حيثما كانوا. هذه التصريحات تعكس حالة التغــول الإسرائيلى التى باتت تمارس سياسة إرهاب الدولة وغطرسة القوة دون رادع.

• • •

بهذه المعطيات باتت إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل الاعتبارات والقوانين، وتمارس سياساتها الهمجية الدموية دون رادع، فى ظل اطمئنانها الكامل وتمتعها بالحماية الأمريكية على مختلف الأصعدة، فتواصل تنفيذ مخططها الإجرامى لتهجير أهالى قطاع غزة، وتتوسع فى بناء المستوطنات وتصادر الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية، وتضرب سوريا وتدمِّر جيشها وقدراتها وتحتل كامل الجولان وجبل الشيخ، وتضرب لبنان وتستبيح أراضيه وأجواءه، وتضرب اليمن وتقتل وزراءه ومسئوليه.

كل تلك الأهوال التى تتعرض لها بلادنا وشعوبنا لم يكن من رد فعل عربى لها ــ للأسف ــ سوى الإدانات اللفظية والشفوية والبيانات الإعلامية التقليدية بالشجب والتنديد. وحتى تلك الصادرة عن المنظمات الدولية والعربية والإسلامية جميعها لا طائل منها ولا جدوى أمام التغــول الإسرائيلى غير المسبوق. وفى مقابله يظهر التراجع والعجز العربى فى أقصى مستوياته، والذى تقيسه إسرائيل بدقة، وهى على يقين من أنها مهما فعلت فلن تتجاوز ردود الأفعال العربية أكثر مما سبق.

وللأسف فإن إسرائيل محقة تمامًا فى تقديرها وقياسها للأمور، وربما كان الوقت الراهن بالنسبة لإسرائيل هو أمن أوقات الكيان الصهيونى منذ إقامته ظلمًا وغصبًا على أرض فلسطين. فالدولة السورية، وبعد 14 سنة كاملة من مخطط التفكيك الداخلى والحصار الخارجى، قد انهارت وفقدت مقوماتها كدولة، وفى الأيام الأولى من تغيير نظام الحكم فيها قام العدو الصهيونى بقصف وتدمير والقضاء على كل مقومات ومقدرات الجيش العربى السورى.

أما فى لبنان فالوضع بات أكثر خطورة وانكشافًا فى ظل تراجع قدرات محور المقاومة، ومستوى القدرات العسكرية المحدودة للجيش اللبنانى الذى لا يُتاح له إلا النزر اليسير من السلاح والعتاد، بما يجعله غير قادر على التصدى لأى عدوان إسرائيلى. ومع ما تحاول الولايات المتحدة اليوم ــ نيابة عن إسرائيل ــ فرضه على لبنان من ضغوط لتجريد المقاومة من سلاحها، وفى ظل تشرذم سياسى لبنانى بفعل الطائفية المقيتة التى أوصلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم.

الوضع بالنسبة للأردن يتباين كليةً عمَّا سبق، فالأردن ملتزم باتفاقيات سلام رسمية، والخروج على ما فى تلك الاتفاقيات وما تتضمنه من التزامات متبادلة يعنى إنهاء حالة السلام القائمة والمجازفة بتداعيات خطيرة، وخلق أوضاع قد تنتهزها إسرائيل لتنفيذ مخططاتها تجاه الأردن والضفة الغربية، وهو ما لا يريده الأردن، مع تأكيده على الرفض الصارم لمخططات إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية. وهو وضع يتفق تمامًا مع السياسة المصرية فى هذا الشأن.

• • •

معظم الدول العربية أكدت على موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وأنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. أما الدول العربية المنضمة للاتفاقات الإبراهيمية فقد اتخذت الموقف ذاته من شجب العدوان الإسرائيلى الراهن، لكنها لم تمس تلك الاتفاقات أو تعلِّقها أو تجمِّدها رغم هول الجرائم الإسرائيلية.

وإذا كان الأمر كذلك، فمن المؤكد أن إسرائيل ستواصل ما تفعل، وهى مطمئنة تمامًا إلى أنها بمنأى عن دفع أى ثمن لعدوانها أو جرائمها. فالعرب، الذين هم المعنيون الأهم بالقضية الفلسطينية التى تُعد قضيتهم القومية الأولى، لم يتخذوا أى إجراء عملى على أرض الواقع يمكن أن يشكل الحد الأدنى من العقاب لإسرائيل على أفعالها، أو يكبِّدها ثمنًا فادحًا لجرائمها.

الدول العربية اليوم مطالبة بالتحرك الإيجابى تجاه ذلك التغول الإسرائيلى غير المسبوق، وحتى لا تتحرج دولة ما من التحرك بمفردها أو تتعرض للضغوط من الولايات المتحدة أو غيرها، فيمكن أن يأتى ذلك التحرك فى إطار جامعة الدول العربية بصدور قرارات ملزِمة لجميع الدول العربية، وكذلك مطالبة منظمة المؤتمر الإسلامى والمنظمات الإقليمية باتخاذ قرارات أكثر فاعلية وإيجابية تجاه ما يحدث.

هذه القرارات تتضمن تعليق ما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية، وتجميد العلاقات الدبلوماسية، وتعليق الاتفاقات التجارية والاتصالات، وتجميد استقبال الوفود والأفواج السياحية، والامتناع عن دعوة وفود الكيان إلى أى مؤتمرات أو فعاليات أو معارض، وتجميد حق المرور العابر للطائرات التجارية واستقبالها، والامتناع عن استقبال السفن التجارية.

أيضًا التفعيل الصارم لقوائم مقاطعة شركات المقاولات والإنشاءات التى تتعاون مع الكيان الصهيونى وتعزِّز احتلاله للأراضى الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها.

هذه جميعها إجراءات لابد من اتخاذها تجاه ذلك الكيان المجرم، وهى إجراءات تمثل ولو قدرًا يسيرًا من الثمن الذى يجب أن تدفعه إسرائيل على جرائمها وتغولها على بلادنا وشعوبنا.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات