الكتلة السوداء وجمجمة الديناصور والمستقبل - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:29 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكتلة السوداء وجمجمة الديناصور والمستقبل

نشر فى : الإثنين 20 يوليه 2015 - 6:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 يوليه 2015 - 6:00 ص

 زينة صوفان

كان الطابور يضم رجلا مقعدا وامرأة عجوزا وأبوين يجران أطفالا فى عربتين وتلامذة مدرسة صيفية بزى موحد، والساعة تشير إلى العاشرة صباحا، موعد بدء العمل فى متحف التاريخ الطبيعى فى قلب التفاحة الكبيرة، مدينة نيويورك.

بلغت دورى إلى شباك التذاكر، فنبهنى الموظف بلطف إلى لائحة «مقترحة» لأسعار التذاكر، وعندما لاحظ دهشتى، شرح لى أن الدفع مسألة اختيارية، فإن قررها الزائر أوصته إدارة المتحف بدفع الرسم المبين، الذى يبلغ 22 دولارا للبالغين، و12 دولارا للأطفال، و17 دولارا لكبار السن.

بدأت رحلتى فى أرجاء المتحف متنقلة بين عالم البحار وعوالم الغابات والجبال، فى الطابق الرابع وضعت يدى على الجمجمة الحقيقية لديناصور يقدر عمره بـ65 مليون سنة، فتملكنى شعور غريب بالضآلة، تعاظم هذا الشعور حين شاهدت فى سماء البلانيتيريوم عرضا بصريا مبهرا بعنوان «العالم المظلم»، بين لى العرض أن تطور علم الفلك الهائل فى القرن الأخير إنما أفرز المزيد من الألغاز الكونية، على غرار الطاقة المعتمة التى تسرع توسع الكون، والكتلة السوداء التى نجهل ماهيتها.

أضحكنى المعلق حين قال إنه على امتداد الكون الذى تشكل مجرة درب التبانة قطرة فى محيطه، سيشعر كل من ينظر إلى الكون حوله حتما أنه هو وحده نقطة الارتكاز التى تجتمع مجرات العالم حولها وتدور فى فلكها.
وفى قاعة تنتشر فى أطرافها هياكل عظمية آدمية وشبه آدمية، وقفت أتأمل لوحة عن نظرية داروين كتب فيها: ...واليوم يرى كثيرون بمن فيهم رجال دين بارزون وعلماء، أن الاستكشاف العلمى فى العالم المادى والبحث الروحانى عن معنى الوجود الإنسانى لا يتصادمان بطبيعتهما.

كل هذا بـ22 دولارا فقط؟!

فى ساعات قليلة ملأت زيارة المتحف عقلى بالأسئلة، وجلبت لنفسى المتعة، وجعلتنى أفكر فى تحد إبداعى أخوضه على الصعيد الخاص، لأستأهل مكانا صغيرا فى حفلة الإبداع الهائلة التى يعيشها العالم، وأدركت فى خضم الطاقة الإيجابية التى اجتاحتنى الأثر الاجتماعى الهائل الذى تتركه المتاحف فى المجتمعات الحاضنة لها. ثمة هوية مفتخرة دون تعال تلتصق بابن المدينة التى تحتضن المعارض والمتاحف على اختلاف توجهاتها وتخصصاتها.

أردت أن أعرف حجم العبء المادى الذى تفرضه هذه الصروح على حكومات دولها، الذى يجعلها رفاهية بالنسبة للسواد الأعظم من دولنا العربية، فتبين لى ببعض البحث أن المتاحف إنما تشكل رافعات مهمة للاقتصادات الراعية لها. ففى الولايات المتحدة يضع تحالف المتاحف الأمريكية، وهو منظمة غير ربحية، المشاركة المباشرة للمتاحف فى الاقتصاد الأمريكى عند 21 مليار دولار سنويا، مضيفا إليها مليارات أخرى من خلال احتساب الإنفاق غير المباشر للزوار.

ما أحوجنا إلى هذا العائد! وما أحوجنا إلى هذا الاستثمار!

 

التعليقات