تحديات وتناقضات فى أهداف الحرب على غزة - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 يناير 2025 5:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات وتناقضات فى أهداف الحرب على غزة

نشر فى : الأربعاء 20 ديسمبر 2023 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 20 ديسمبر 2023 - 9:20 م
دخلت الحرب على غزة يومها السادس والسبعين، وما يزال الجيش الإسرائيلى بعيدا عن تحقيق الأهداف التى أقرها مجلس الحرب، وأبرزها، القضاء على «حماس»، وتحرير الأسرى. ثمة أشياء مسكوت عنها، لا تتطرق إليها معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، التى اصطفت اصطفافا أعمى، خلف المنظومة العسكرية، والمتحدث باسمها، دانييل هجارى، باستثناء بعض الصحف والمواقع، التى نظرت إلى مجريات الحرب والخسائر التى تقع فى صفوف المحاربين، نظرة أخرى. من الأمور المسكوت عنها: نقاط الضعف لدى الجيش الإسرائيلى، والتناقضات فى أهداف الحرب، والتحديات التى تواجهه، والتصور المتعلق بمستقبل قطاع غزة فى اليوم التالى للحرب.
فيما يتعلق بمسألة نقاط الضعف فى الجيش الإسرائيلى، يشير، عامير ربابورت، الباحث بمركز بيجن ــ السادات للدراسات الاستراتيجية إلى أن الجيش الإسرائيلى «جيش صغير مقارنة بالمهام التى يواجهها، وإلى أن حجم القوات انخفض إلى ما دون الخط الأحمر، وإلى أن عدد الدبابات انخفض إلى ما دون المعدل الأدنى للعدد الذى يجب على الجيش الاحتفاظ به، ومن ثم فإن الجيش يخرج فى هذه الأيام دبابات قديمة من طراز «ميركافا» من المخازن بجنوب إسرائيل، كانت على وشك أن تباع لدولة أوروبية»، لكن تقرر العدول عن بيعها للسبب المذكور أعلاه. ومن مظاهر الفشل المسكوت عنه، أن الجيش الإسرائيلى، لديه نقص كبير فى الوسائل القتالية، ولذا يسعى، بحسب ربابورت، أيضا، إلى «شراء وسائل قتالية من مختلف أنحاء العالم على نطاق واسع، وأن الصناعات العسكرية الإسرائيلية تعمل بلا توقف»، من أجل تلبية احتياجات الجيش. ويؤكد ربابورت أن الجيش «يجد صعوبة فى خوض حرب بقوة كبيرة فى كل أنحاء قطاع غزة فى موازاة الحرب فى مواجهة حزب الله فى الشمال، والقتال فى الضفة الغربية، فضلا عن «معالجة» التهديد الذى يمثله الحوثيون فى اليمن للسفن الإسرائيلية». ومن الأشياء المسكوت عنها، مسألة الخسائر فى الأرواح فى صفوف الجيش الإسرائيلى، إذ لفتت صحيفة «هاآرتس» (فى عدد يوم السبت 9 ديسمبر) الأنظار إلى أن هناك فجوة كبيرة فى أعداد الجرحى الذين يعلن الجيش عنهم وبيانات المستشفيات التى تستقبلهم للعلاج، كما نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أرقاما للجرحى، تتجاوز الأرقام التى أعلن عنها الجيش بكثير.
• • •
فيما يتعلق بالتناقضات، التى قد تحول دون استكمال الأهداف التى وضعتها إسرائيل للحرب فإن التناقض الأبرز يتعلق بمسألة الأسرى، إذ إن استمرار القتال يعرض حياتهم للخطر، وقد تجلى ذلك فى الفشل الذى صادف عملية تحرير بعضهم أخيرا، كما أن الضغط المهول الذى تمارسه أسر الأسرى، من شأنه أن يؤثر على سير العمليات، وإذا حدث وجرى التفاوض بشأن صفقة تبادل جديدة، فمن المرجح أن «حماس» لن تكتفى فى المرة القادمة بمجرد هدنة، إذ سيكون هدفها الرئيس استخدام ورقة الأسرى من أجل التوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار. وعندئذ سيتضح التناقض بين الأهداف المتمثلة فى تقويض «حماس» وتحرير الأسرى. وثمة تناقض آخر فى أهداف الحرب، يتمثل فى الرغبة الإسرائيلية، غير المعلنة، فى السيطرة على محور «فيلادلفى» (محور صلاح الدين)، الذى يفصل بين أراضى غزة ومصر، لفترة طويلة من الوقت لضمان نزع سلاح القطاع، إلا أن هذه الرغبة قد تدخل إسرائيل فى مشكلة مع مصر، التى تعارض بشدة، الضغط، عسكريا، على جنوب القطاع، ودفع الغزاويين دفعا فى اتجاه الحدود المصرية.
• • •
فيما يتعلق بالتحديات التى يواجهها الجيش الإسرائيلى فى حربه ضد غزة، فإنه يمكن إجمالها فى أربعة تحديات رئيسة:
1ــ العدد الكبير فى الخسائر، والعدد الكبير من القتلى والجرحى خلال الحرب، رغم أن رئيس الحكومة نتنياهو قلل من حجمها بقوله، إنها تماثل الخسائر التى نجمت عن العمليات الفلسطينية ضد إسرائيل بعد توقيع اتفاقيات أوسلو (1993).

2ــ التحدى الذى تمثله الأنفاق، خاصة، وأن هناك مؤشرات على وجود كثير من القيادات الفلسطينية التى تتعقبها إسرائيل بداخلها، ومقاتلين فلسطينيين، يشنون هجمات قاتلة على القوات على الأرض فى شمال وجنوب القطاع، وربما بعض الأسرى المحتجزين بها. لقد فشلت إسرائيل، حتى الآن، فى فك شفرة الأنفاق، رغم ما بذلته من جهود استخباراتية جبارة، وما يزال الأمر يحتاج مزيدا من الجهد، وقد يستغرق الأمر وقتا أطول، وقد لا تستطيع إسرائيل معالجة هذه المعضلة، أصلا.
3ــ يتمثل التحدى الثالث فى كيفية كسب المعركة الإعلامية أمام الرأى العام العالمى إزاء النسبة غير المسبوقة بين عدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين، خاصة بين النساء والأطفال، وعدد من يقتلون من أفراد المقاومة الفلسطينية. وهى نسبة 1:3، فى نظر بعض التقديرات، بمعنى مقتل ثلاثة من المدنيين الفلسطينيين غير المنخرطين فى القتال جراء القصف فى مقابل كل مقاتل من المقاومة. وقد تزيد هذه النسبة فى جنوب القطاع، وتصبح أسوأ بسبب وجود 2 مليون مواطن ومواطنة على الأرض، منهم مليون من الأشخاص النازحين من شمال القطاع تحت الضغط العسكرى الرهيب.
4ــ أما التحدى الرابع، فيتمثل فى الضغط الأمريكى على إسرائيل، وهو ضغط حقيقى، يأخذ فى الحسبان عدة عوامل من بينها، الرغبة فى عدم توسيع نطاق الحرب إقليميا، ومن ثم توريط أمريكا، وقرب انتخابات الرئاسة الأمريكية (بعد نحو عام تقريبا)، حتى لا يؤثر استمرار الحرب على حظوظ بايدن فى الفوز، والخشية من أن يحدث تحول فى توجهات الرأى العام العالمى، والرغبة فى عدم إحراج أصدقاء أمريكا فى المنطقة أمام شعوبهم. وقد بعث وزير الخارجية الأمريكية، أنتونى بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن، بإشارات واضحة جدا إلى إسرائيل مفادها أن الوقت ليس مفتوحا أمام إسرائيل، وجاءت زيارة مستشار الأمن القومى الأمريكى، جيك سوليفان، إسرائيل، الأسبوع الماضى، للتأكيد على هذه النقطة.
• • •
أما فيما يتعلق بالرؤية المتعلقة بقطاع غزة بعد انتهاء الحرب، فقد شكل مجلس الأمن القومى الإسرائيلى طاقما يعكف على بلورة البدائل للوضع فى غزة بعد الحرب، حيث يقوم رئيس المجلس، تساحى هنجبى، بعرضها على المجلس الوزارى الأمنى ــ السياسى المصغر، لكن لا يوجد، حتى اللحظة، سيناريو واضح لمستقبل الوضع فى غزة فى اليوم التالى للحرب، كما أن هناك تعارضا واضحا بين التصور الأمريكى والتصور الإسرائيلى للوضع فى غزة بعد الحرب. يعارض الجانب الأمريكى أى وجود عسكرى إسرائيلى فى القطاع بعد الحرب، وينادون بدور للسلطة الفلسطينية فى رام الله فى إدارة شئون القطاع بعدها، فيما يعارض رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إعطاء أى دور للسلطة الوطنية الفلسطينية فى غزة بعد الحرب، مبررا ذلك بأنها سلطة داعمة لـ«الإرهاب» و«محرضة» ضد إسرائيل، و«فاشلة» فى إدارة الوضع فى رام الله، لكنه يخشى، فى الواقع، من الصدام مع العناصر المتطرفة داخل ائتلافه الحاكم، وعلى رأسها وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب «الصهيونية الدينية»، ووزير الأمن القومى، إيتمار بن جفير، زعيم حزب «عوتسما يهوديت» ــ قوة يهودية ــ اللذان يطالبان، أصلا، بتفكيك السلطة الفلسطينية فى رام الله، وضم الضفة الغربية.
يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات