«تاريخ الفكر المصرى الحديث».. الطبعة الكاملة - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تاريخ الفكر المصرى الحديث».. الطبعة الكاملة

نشر فى : السبت 21 يناير 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 21 يناير 2023 - 8:35 م

ــ 1 ــ
ضمن إصدارات معرض الكتاب لهذا العام، وهو العرس السنوى الكبير ــ رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ــ والكرنفال القرائى الضخم الذى ينتظره محبو القراءة والمشتغلون بالثقافة وصناعة النشر فى مصر والعالم العربى من العام إلى العام، يظهر كتاب «تاريخ الفكر المصرى الحديث» للناقد والمؤرخ والمفكر الراحل الدكتور لويس عوض.
تقع هذه الطبعة من «تاريخ الفكر المصرى الحديث» فيما يزيد على 1600 صفحة من القطع الكبير (ثلاثة مجلدات ضخام، تضم الأجزاء الخمسة التى نُشرت متفرقة بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضى، وحتى ما قبل وفاة لويس عوض فى سبتمبر 1990).
وقد قرأ هذه الطبعة وقارن بين نسخها المطبوعة سابقا؛ وأعدها للنشر وفق هذا التقسيم الثلاثى، وقدّم لها بمقدمة تحليلية كاشفة وشارحة ومتتبعة لسياق تشكله عبر ما يقرب من ثلاثة عقود كاتبُ هذه السطور، ضمن مشروع طموح لإعادة نشر وإصدار متون الفكر المصرى والعربى التى أنتجت منذ بدايات العصر الحديث، وحتى اللحظة، فى سياق تأسيس الحداثة المصرية «العربية» أو السعى لها (وهى التى لم تتم حتى اللحظة للأسف الشديد).

ــ 2 ــ
أما «تاريخ الفكر المصرى الحديث» فقد يبدو العنوان مألوفا للبعض أو حتى للكثيرين، وبالتأكيد قد مرّ على المشتغلين بالتاريخ وتاريخ الفكر والثقافة المصرية منه بشكل أخص. لكن وعلى مدى ثلاثين عاما؛ تقريبا، لم يصدر هذا الكتاب أبدا فى صورته الكاملة! كان دائما ما يعاد طبع الجزئين الأولين معا ويصدر فى طبعات متكررة عن دار الهلال، أما بقية الأجزاء التى عالجت الفترة التاريخية من عصر الخديوى إسماعيل وحتى ثورة 1919 فلم تظهر سوى فى طبعة يتيمة مشتتة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وعن (مكتبة مدبولى) فى ثمانينيات القرن الماضى.
ومن حينها لم تتوفر أبدا نسخة كاملة متصلة مرتبة تجمع شتات الجزاء المنفصلة فى سياق ترتيب زمنى وتاريخى يصل بينها ويربطها فى آن واحد.

ــ 3 ــ
مؤلف الكتاب هو المثقف الإشكالى الراحل، مثير العواصف والزوابع والجدل والمعارك، الدكتور لويس عوض (1915ــ1990)؛ أحد أنبغ تلاميذ طه حسين، درس على يديه، وتخرج فى مدرسته الليبرالية الجامعة، وفى جامعته العقلانية الحرة التى تقدس الحرية، وتشربت قيمة ومعنى الجامعة، والبحث العلمى، وحق الطلاب فى المعرفة والنقد.
ورغم أن لويس عوض كان من الذين تمت الإطاحة بهم فى أزمة مارس عام 1954، فإنه سار على درب أستاذه طه حسين فى موسوعية التحصيل والجمع بين الأصالة والمعاصرة فى تكوينه الثقافى، ثائرا على الجمود داعيا إلى التجديد الفكرى والثقافى والحضارى الشامل، وقرر أن يكون إسهامه الثقافى شاملا محيطا مستوعبا لكل مناحى النشاط الإنسانى، أدبا، فكرا، تاريخا، فلسفة، ترجمة... إلخ.
واجه مجتمعه مواجهة شجاعة فى مجالات كثيرة، منها الدرس الأدبى، والتاريخ الفكرى، والتجديد الثقافى، والوعى السياسى، ولم يأبه بالهجوم أو الاضطهاد، ملحا على أن أول شرط من شروط التقدم هو الوعى بالتخلف، وإدراك أسبابه ومبرراته، ومواجهة الأصول التى تدعمها، ومجاوزتها بما ينقضها ويستبدل بها نقائض واعدة.
ولا خلاف على أنه كان صاحب مشروع ثقافى شامل تقوم دعائمه على قيم «الحرية»، و«الديمقراطية»، و«العدل»، هذا المشروع الذى قدّم فيه صفحات ناضرة من تاريخ حضارات مصر القديمة، واليونان، واللاتين، وعصر النهضة الأوروبية، وآدابها الحديثة..
بالإضافة إلى ما كتبه عن «تاريخ الأزهر فى مصر»، وعن دور علماء الأزهر فى مقاومة الحملة الفرنسية، وفى إنشاء الدولة المدنية فى عصر محمد على، على الأسس الأوروبية الحديثة، ثم فى إقامة الدولة القومية، وتوحيد الأمة المصرية عقب ثورة عرابى 1881، ثم ثورة 1919 وانبعاث جذوة الشعور الوطنى وتوهجه ومن ثم الوعى بالهوية المصرية وتأصيلها فى تربة الثقافة المصرية تأصيلا جذريّا وعميقا.

ــ 4 ــ
وهكذا تخلقت من هذه الكتابات العميقة المفصلة أمشاج المشروع الجرىء، الطموح، الضخم «تاريخ الفكر المصرى الحديث» (1801ــ1919)؛ وهو بلا جدال من أهم المشروعات الثقافية لتأريخ الفكر المصرى الحديث (فى جوانبه السياسية والاجتماعية) ، منذ نشأة الدولة المصرية الحديثة على يد محمد على عام 1805 إلى ثورة 1919 (وما بعدها وصولا إلى 52)، وما حدث خلالها وبعدها من تحولاتٍ وتطورات، كل تحول فيها بداية لمرحلة جديدة فى السياسة والثقافة تتخطى ما سبقها.
وإذا كانت الستينيات هى أخصب سنوات لويس عوض الناقد الأدبى، فإن السبعينيات والثمانينيات قد عمقت هذه الخصوبة، وأَلقت به فى مجالٍ معرفى مغاير، فانصرف مع السبعينيات عن الأدب إلى المجتمع الذى ينتجه، الذى دخل تحت أقواس الهزيمة ليغوص فى دهاليز المرحلة المعتمة، بعد هزيمة العام السابع والستين،‮ ‬وعلى نحوٍ بدا لويس عوض معه، وكأنه‮ ‬يريد أن‮ ‬يتفرغ‮ ‬لبحث أسباب انكسار المجتمع،‮ ‬واستقصاء الجذور التاريخية التى أثمرت العصر الساداتى،‮ ‬فبدأ بأقنعة الناصرية «السبعة»، وانتقل منها عائدا إلى «الفكر المصرى الحديث منذ الحملة الفرنسية وحتى عصر إسماعيل، ومن عصر إسماعيل وحتى ثورة 1919»،‮ ‬لا‮ ‬يفارق هذا الفكر إلا إلى سيرته الذاتية الجسورة فى‮ «‬أوراق العمر‮» ‬التى لم‮ ‬يمهله المرض الخبيث كى‮ ‬يكملها أو‮ ‬يكمل تاريخ الفكر المصرى الحديث.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ــ 5 ــ
إن هذا «الكتاب/ الموسوعة» كان واحدا من مشروعاتى الكبرى التى حلمت بها وعشت معها لأكثر من تسع سنوات كاملة. متنٌ فكرى وثقافى مبدع ومذهل، ضمن متون عديدة أبدعها كبار المفكرين والمثقفين المصريين عبر القرنين الماضيين، ما زلنا فى حاجة أكيدة وملحة إلى الاهتمام بها، وإعادة نشرها فى طبعات جديدة موثقة ومحققة، ومقدما لها أو بين يديها بمقدماتٍ كاشفة ومضيئة توضح تاريخها وقيمتها وأهميتها وحاجتنا إلى قراءتها أو إعادة قراءتها ضمن منظور نقدى متجاوز يسعى إلى البناء على ما سبق، وتجاوزه معرفيا بعد أن نقتله «درسا وفهما ووعيا»، بغية إنتاج معرفتنا نحن، الآن، وسعيا لتأسيس خطاب يستشرف المستقبل، ويرسم ملامحه ويؤسس لدعائمه...
(وللحديث بقية).