انتهاك الكيان الصهيونى فجأة لاتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، واستئناف عدوانه النازى مجددا على الفلسطينيين، يؤشر إلى أن الهدف الأساسى هذه المرة، العمل على تنفيذ مخطط التهجير الواسع عبر ارتكاب كم هائل من المذابح والمجازر فى حق المدنيين بالقطاع.
هذا التصور لا ينطوى بالتأكيد على أية مبالغة أو تهويل، إذ إن قادة الكيان الصهيونى لا يخفون ذلك فى تصريحاتهم العلنية، بل ويعتقدون أن الفرصة مواتية فى الوقت الراهن، لتنفيذ هذا المخطط فى ظل وجود رئيس أمريكى "يتفهم" ويبارك ويؤيد مثل هذه الخطوة، بل ويدعمها دبلوماسيا وسياسيا وأيضا عسكريا بشكل مطلق.
وزير الدفاع الصهيونى يسرائيل كاتس، كان واضحا جدا فى تحديد هدف العدوان الحالى، حيث قال فى تصريحات الأربعاء الماضى، إن «الهجوم الذى نفذته القوات الجوية الإسرائيلية - فجر الثلاثاء - ضد حماس كان مجرد الخطوة الأولى».
وتابع: «ما سيأتى سيكون أشد قسوة، وسيدفع الفلسطينيون الثمن بالكامل»، وأضاف: «قريبًا، سيُستأنف إخلاء السكان من مناطق القتال!!».
الجملة الأخيرة فى تصريحات كاتس تلخص القضية تماما، وتفضح الهدف الأساسى للعدوان الصهيونى، والمتمثل فى تهجير سكان قطاع غزة قسرا أو طواعية إلى الدول المجاورة، أو حتى إلى دول بعيدة نسبيا مثل الصومال، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد.
مخطط تهجير وانتزاع الشعب الفلسطينى من أرضه التاريخية والاستيلاء عليها، عبر استباحة دماء الأبرياء فى قطاع غزة بالنار والدمار والمجازر اليومية، يشكل بلا شك خرقا صارخا وسافرا للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى ولأبسط حقوق المواطن الفلسطينى، وهو ما يتطلب التصدى له من جانب الدول العربية.. لكن كيف؟
لا يخفى على أحد أنه منذ بداية العدوان الصهيونى على قطاع غزة قبل ١٥ شهرا، وبالتحديد بعد هجوم طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر قبل الماضى، كان الموقف العربى منقسما إزاء طريقة التعامل مع ما يجرى، حيث كان قسما من العرب يعتبر أن ما يحدث على أرض غزة لا يخصه من قريب أو بعيد، بل هو مواجهة بين محورين يتصارعان على مجالات النفوذ والسيطرة فى المنطقة، أحدهما تقوده إيران ومعها الجماعات المتحالفة معها فى غزة واليمن ولبنان والعراق وسوريا، والثانى الكيان الصهيونى المدعوم من الغرب وتحديدا الولايات المتحدة، وبالتالى ليس من الحكمة التدخل لصالح إحدى الجبهتين، بل تركهما يصفيان حساباتهما مع بعضهما البعض، حتى لو كان ذلك يضاعف فى كل لحظة من فواتير الدم العربية.
القسم الثانى من العرب كان ينظر إلى ما يحدث بقلق وخشية وهواجس كبيرة، ويرى أن نتائج هذا الصراع لن تكون فى صالح العرب عامة والفلسطينيين على وجه الخصوص، وسعى بكل يملك من أدوات سياسية ودبلوماسية إلى محاولة إيجاد حلول تسمح بتطويق ومحاصرة دائرة النار قبل اتساعها، واحتواء تداعيات الحرب حتى لا تفلت الأمور من عقالها، وتتضاعف خسائر العرب بما ينعكس سلبا على قضاياهم وحقوقهم المشروعة.
أما القسم الثالث والأخير من العرب، فكان منغمسا حتى أذنيه فى الحرائق والصراعات والانقسامات الداخلية التى تمزق أوطانه، وتضع مصيرها ومستقبلها فى مهب الريح، ومن ثم لم يتفاعل مع ما يحدث من جرائم على الأرض العربية، سوى ببيانات إدانة معلبة، وبعض الدعاء والرجاء من الله أن يرفع البلاء عن الفلسطينيين الذين تسحقهم آلة القتل الصهيونية.
فى المرحلة الثانية من العدوان، والتى بدأت الثلاثاء الماضى، بعد انقلاب نتنياهو وحكومته المتطرفة على اتفاق وقف النار الذى توسطت فيه مصر وقطر والولايات المتحدة واستمر أكثر من ٤٠ يوما، تبدو الصورة الآن أكثر وضوحا لجهة الهدف الأهم، الذى يسعى إلى تحقيقه الكيان الصهيونى، والمتمثل فى تصفية القضية الفلسطينية نهائيا وتنفيذ مخطط التهجير، وتغيير وجه المنطقة بشكل كامل، وبالتالى ليس أمام العرب جميعا من خيار، سوى العمل الجماعى لوقف هذا السيناريو الكارثى، الذى يهدد أمنهم واستقرارهم ومصالحهم.
توجد بلاشك الكثير من الأدوات والأوراق المهمة فى يد الدول العربية، التى ينبغى عليها تفعيلها إن أرادت التصدى بحزم لهذا المخطط، أهمها على الإطلاق حظر التعامل الاقتصادى والأمنى مع الاحتلال، وتجميد علاقات التطبيع معه، والضغط جديا على داعميه الغربيين لوقف جرائم العدوان والإبادة الجماعية والتطهير العرقى التى ترتكبها قوات الاحتلال الصهيونية بحق الشعب الفلسطينى.
ليس هذا فحسب، بل على الدول العربية التكتل وراء الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع من دون تهجير سكانه، ومطالبة المجتمع الدولى التدخل لتحمل مسئوليته فى حماية المدنيين الفلسطينيين، وايجاد حل جذرى يسمح للشعب الفلسطينى بالحصول على حقه فى التحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشريف.