هل تدرك غالبية الأحزاب المصرية أنه بعد أسابيع قليلة سندخل فى موسم الانتخابات لمجلس الشيوخ وبعدها مجلس النواب؟!
هل تؤدى هذه الأحزاب دورها المفترض، وتستعد أم تواصل نفس طريقة البيات الشتوى والصيفى والخريفى والربيعى؟
أعرف أن غالبية الأحزاب المصرية تعانى من مشكلات وأزمات جوهرية وهيكلية، بعضها من صنع نفسها، وبعضها من غابة من التشريعات والقوانين الحكومية التى تكبلها، وكذلك غياب البنية المحفزة للعمل الحزبى والمنافسة الجادة.
لكن المفترض أن هناك انتخابات لمجلس الشيوخ يفترض أن تبدأ قبل الأول من أغسطس المقبل، وانتخابات مجلس النواب يفترض أن تبدأ قبل الأول من أكتوبر المقبل.
وبالتالى فالمفترض أيضًا أن تكون الماكينة الانتخابية لكل الأحزاب والقوى السياسية قد دارت أو على الأقل بدأت فى الدوران.
ومن خلال متابعة معقولة للنشاط الحزبى فى مصر، فلم نسمع متى الجعجعة، ولم نرَ بالطبع طحنًا باستثناء نشاط ملحوظ فى حزب «الجبهة الوطنية» الوليد، وبعض النشاط فى حزب مستقبل وطن.
حزب «الجبهة الوطنية» حصل على تراخيص التأسيس الرسمية من لجنة شئون الأحزاب، فى العاشر من شهر فبراير الماضى، أى منذ حوالى 40 يومًا، وبالتالى يصعب الحكم على الحزب بصورة موضوعية، خصوصًا أنه لم يستكمل هياكله الأساسية الكاملة حتى كتابة هذه السطور.
ماذا عن بقية الأحزاب؟
المنطقى والطبيعى أن تكن الأحزاب أشبه بخلية النحل هذه الأيام استعدادًا للانتخابات، لكن ما نراه لا يشير من قريب أو بعيد داخل غالبية الأحزاب بأنها مهتمة ومكترثة بالانتخابات.
النشاط الوحيد الأساسى الذى رصدته للأحزاب فى الفترة الأخيرة هو حفلات الإفطار والسحور الرمضانية. هو نشاط اجتماعى وإنسانى مهم، لكن من الخطأ الكبير أن يصبح هو النشاط الجماهيرى الوحيد للأحزاب.
المنطق يقول إن أى حزب طبيعى كان يفترض أن يكون قد استكمل كل استعداداته للانتخابات، وحسم أمر مرشحيه سواء فى القوائم أو الفردى. وصار هؤلاء معروفين للجميع، ونزلوا الشارع ليبدأوا دعايتهم الانتخابية غير الرسمية حتى فتح باب الترشيح بصورة رسمية.
السؤال: هل جهز أى حزب قوائم مرشحيه للانتخابات؟!
أتمنى أن أكون مخطئًا، لكنى أشك بصورة كبيرة.
فى الأسابيع الأخيرة قابلت العديد من قادة الأحزاب ولم ألحظ أى اهتمام جدى يتعلق بالانتخابات. ربما المرة الوحيدة التى سمعت فيها حديثًا عن الانتخابات كانت حيرة بعض النواب الحاليين فى اختيار الحزب الذى سوف يخوضون الانتخابات عبره، وهل يتركون هذا الحزب لينضموا إلى حزب آخر أم يستمروا؟!!
أيضًا وللموضوعية، فقد كانت هناك أفكار بتعديل قوانين الانتخابات لزيادة نسبة القوائم النسبية والفردية على حساب القوائم المطلقة، بعد المطالب الكثيرة داخل الحوار الوطنى، لكن نتذكر أن هذه القضية تحديدًا هى الوحيدة التى لم يتم حسمها داخل الحوار الوطنى، وتركت الاقتراحات الثلاثة فى عهدة الرئيس عبد الفتاح السيسى. كما طالب البعض بزيادة مقاعد المجلسين لمواجهة الزيادة السكانية، وأغلب الظن - استنادًا إلى قرب الانتخابات - إننا بصدد نفس الطريقة التى جرت بها الانتخابات فى الدورة الأخيرة.
أخشى أن تكون غالبية الأحزاب فى انتظار حصولها على جزء من كعكة القوائم التى تضم خليطًا من قوى سياسية مختلفة، كما حدث فى آخر دورة، وبالتالى فهى تعتقد أنه لا داعى لبذل أى جهد انتخابى.
لا أعرف ما الذى حدث، وما التربيطات والاتفاقات، لكن أمام الأحزاب التى يزيد عددها على 84 حزبًا فرصة حقيقية استغلالًا للانتخابات والتواصل مع الجماهير وتكوين قواعد جماهيرية حقيقية.
جيد أن تقدم الأحزاب خدمات اجتماعية واقتصادية للمواطنين، لكن عليها تذكر أن دورها الجوهرى والأساسى وربما الوحيد هو صياغة برامج وإقناع الناخبين بها والتنافس والفوز والوصول للحكم وتشكيل حكومات تنفذ هذا البرنامج. هذا عن دور الأحزاب، أما عن دور الحكومة فعليها أن تؤمن أن من مصلحتها الشخصية ومصلحة الدولة والمجتمع أن تكون هناك أحزاب حقيقية جادة تجذب الناس، وتجعل النقاش داخل الأحزاب والبرلمان، وليس تحت الأرض، حتى تقطع الطريق على الأحزاب المتطرفة غير المؤمنة بالقانون والدستور والدولة المدنية.