أجرت كوزيت كرم الأندرى الصحفية بجريدة النهار اللبنانية حوارا مع المحامية والناشطة الليبيرالية السعودية سعاد الشمرى، وصفتها فيه بإنها «المرأة – البولدوزر». وتقول أنه ليس فى وصفها هذا انتقاصا من أنوثتها. بولدوزر مجهزٌ بشفرات حادّة، لا بل حادة جدا، تنبش تربة الموروثات العفنة وتجرف أحجار المجتمع الملطّخ بالنفاق. مؤيدوها كثر، لكن خصومها أكثر. وهل يُقابل «الفاتح» بيدين مفتوحتين؟ سعاد الشمرى تركت السلك التعليمى والعمل الحكومى لتتفرغ لقضايا حقوق الإنسان. عملت فى الصحافة وفى الكتابة، وأعدت برامج تتناول المسائل الإنسانية فى قنوات فضائية. هى السعودية الأولى التى تترافع فى المحاكم، كما أنها، بالإضافة إلى عضويتها فى الكثير من الهيئات الحقوقية العربية، المتحدثة باسم الشبكة الليبيرالية السعودية الحرة وشعارها «ليس لنا مذهب ولا طائفة. الإنسان أولا والسلام مطلبنا». تتحدى أنظمة الدولة بأعلى صوت ولا تنفك تردد «لن تخيفونى».
•••
وفى إشارة كوزيت بأنها كانت أول سعودية تترافع فى المحاكم، وأول من بدأ يطالب بالسماح للسعوديات بأن يزاولن مهنة المحاماة. وعند سؤالها عن كيفية اختراقها هذا الجدار، أفادت الشمرى بأنه حدث أن احتاجت للمساعدة يوم أخذوا منها طفلتها باسم الشرع، فاضطرت إلى مراجعة المحاكم والدوائر الحكومية. هناك رأت كيف أن المجتمع الذكورى يظلم المرأة ويسلب منها حقوقها، فقط لكونها امرأة. وأن أهم الأسباب العزلة والإقصاء التام للجنس الأنثوى، ففكرت أنها لو استطاعت اختراق أقوى سلطة تشريعية فى البلاد وتمكين المرأة من دخولها ستُحل مشكلات كثيرة. تعرفت، بالمصادفة، إلى سيدة تائهة فى أروقة المحاكم لديها كمّ هائل من القضايا. كانت تتنقل من محامٍ إلى آخر، فطلبتُ منها أن توكّلها لتسلم ملفاتها. ذهبت إلى الكاتب العدل وسألته: «هل يجوز أن أوكل امرأة؟»، فقال لها: «نعم»، وهذا ما حصل. إنها من الثغر الشرعية التى تشوب نظامنا القضائى، إذ يحق للمرأة شرعا التوكل والوصاية والولاية، إلا أن تطبيق هذا الأمر يستحيل بسبب العادات والمجتمع الذكورى. هكذا حصلت على الوكالة وذهبت للمحكمة، وحين قدمتها للقضاء ذهل المعنيون ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع الوضع. لم يسبق أن استقبلوا امرأة مترافعة أو محامية.
•••
وبالنسبة لنظرتها إلى بعض مفاهيم الديانة الإسلامية نظرة انتقادية، على الرغم من دراستها لعلوم القرآن، أفادت بأن تخصصها الجامعى هو فعلا فى الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن ومصطلح الحديث. وأنها تجزم بأن ما يحدث فى المجتمع السعودى ليس تطبيقا للشريعة الإسلامية السمحاء، بل إنه تسيّسٌ من تجّار الدين. وانها ترفض نظام الولاية على المرأة كأنها قاصرة أو مجنونة. وترفض حرمان الأم من أطفالها ومساومتها على حريتها وكرامتها وأمومتها، مع العلم بأن كل تلك الانتهاكات تتم بغطاء دينى. وأن تأليب الرأى العام ضدها ومحاولة تكفيرها وغيرها من التهم البائسة لا ولن تثنيها عن رسالتها.
•••
وفى إشارة الى أن الكثيرات من السعوديات يعشن نمطين مختلفين من الحياة: داخل السعودية وخارجها. وهل تعتبر أن هذا النسق من النساء يعانى نوعا من الفصام؟، أجابت الشمرى بأن المجتمع برمته يعيش حالة فصام وازدواجية! السعودى سلفى فى بيته وليبيرالى علمانى خارج السعودية. أما النساء، فمفروض عليهن قبول نمط الحياة الذى اختاره لهن الذكور. 90 فى المائة من السعوديات يلتزمن ارتداء العباءة داخل البلاد، ويخلعنها بمجرد أن تقلع الطائرة. المجتمع يرى ذلك ويقبله! هذا يعنى أننا لسنا مجتمعا متدينا ومحافظا، إنما نحن مجتمع منغلق ومسكين يخشى كلام جاره، ومسجون داخل وهم أسوار الخصوصية السعودية. هناك مصطلح متداول لكنه حقيقة وواقع، هو «الدين السعودى»، أى أن هناك دينا يطبَّق داخل السعودية فقط.
•••
وعند سؤالها عن الخلفية التى جعلتها تصرح بأن بعض الداعيات السعوديات يختزلن خطابهن بغريزة الجنس، أجابت بأنهن يشاركن الذكور النزعة عينها: اختزال الدعوة الإسلامية بالغريزة والجنس بدلا من جعلها متطورة وصالحة للتطبيق فى كل زمان. وأنهن يحاربن قانون التحرش! كذلك يحرّمن عمل المرأة وكسب رزقها بشرف وفى بيئة تشاركية.. يريدوننا أن نعيش جاهلية معاصرة، ثم يفاجئهن أن أقول إنهن يختزلن الشريعة بالغريزة والجنس. واعجباه!
•••
وفى إجابة على سؤال يتعلق بزعمها أن 70 فى المائة من الشعب السعودى ليبيرالى بالفطرة وأنه يعيش على أمل المشروع الإصلاحى، أفادت بأن هذه هى حقيقة الشارع السعودى. السعوديون يستمتعون بنمط الحياة الغربى ويتهافتون على برنامج الابتعاث لخادم الحرمين الشريفين فى الدول الأجنبية الإمبريالية. فما يعتقد واقعا ليس سوى غطاء تم وضعه على المجتمع السعودى من قبل 30 فى المائة من رجال دين وإقطاعيين وسياسيين وفاسدين، هم فى الحقيقة مستفيدون من بقاء الوضع السابق على ما هو عليه. وكى لا يكونوا عرضة للمساءلة والمحاسبة، يسيطرون على الإعلام ومفاصل القرار. الشعب السعودى يتوق إلى مشروع الإصلاح ويحيا على أمل أن يكون يوما مثل جاره الإماراتى أو الكويتى، إلا أن هذا المشروع محارب من الداخل وبقوة، وهناك دوما من يسعى لتعطيله.
وتوافق الشمرى رأى بعض المراقبين أن سلطة رجال الدين بدأت فى الانحسار وأن ذلك أحد انعكاسات العصر الإلكترونى وانتشار الفضائيات. وتضيف إلى ذلك أن نياتهم الخبيثة اتضحت إبان حكم «الإخوان» لمصر، واتضح للناس والحكومة التى أعطتهم المال والسلطة ومساحة الحرية أنهم كانوا يخدعونها ويخدعون الشعب لأهداف قذرة، وأن دين الله ورضاه والعدالة وحقوق الناس هى آخر ما يهمهم.
•••
وفيما يتعلق بوصف الشمرى لبعض رجال الدين بـ«القطيع المُصاب بالازدواجية»، أكدت انهم مثل الشعب لكن بطريقة أشد، كونهم يعيشون حياة منافقة ظاهرها أنهم ملتزمون تعاليم «الدين السعودي» التى تحرّم كل شيء، من الحرام إلى الحلال مرورا بأبسط المتطلبات الإنسانية. منهم مثلا من يحرّمون الاختلاط لكنهم يختلون بخادمتهم المنزلية. منهم أيضا من يحرّم قيادة المرأة للسيارة لكنه يجبر زوجته وبناته وشقيقاته على الاختلاء بسائق أجنبى عازب ممنوع عليه إحضار زوجته إلى السعودية. منهم من يحرّم الجلوس مع شاب ويترك أبناءه وأطفاله فى حضن السائق الأجنبى الذى لا يملك وسيلة ترفيه فى السعودية سوى القنوات الإباحية. رجل الدين هذا يحارب تعلّم المرأة وعملها المختلط ويجرّم مهنة الطب، ثم يضطر إلى طبيب ذكر كى يولّد زوجته أو يكشف على ابنته. يحارب عمل المرأة السعودية كبائعة، لكنه يسمح للبائع الذكر بأن يخبر زوجته عن مقاس ثدييها! يهزأ بتحليل الشيعة لزواج المتعة ثم يخترع زواجا لممارسة الجنس فقط، مثل المسيار والمسفار وزواج الويك أند. يحرّض على الجهاد لكن لا يذهب إليه، وأبناؤه يذهبون ليستمتعوا بإجازة فى بلاد «الكفر»!
جريدة النهار ــ اللبنانية