الدستور فى كل الأمم هو باب لتوحدها واجتماع شملها.. ولكنه أصبح بابا من أبواب الصراع السياسى.. وسببا من أسباب الاستقطاب الحاد.. وكلما قام فصيل سياسى مصرى بكتابة الدستور أقصى الفصائل الأخرى.. وحين التصويت يوافق عليه الأنصار حتى دون قراءته ويرفضه الخصوم أيضا حتى دون قراءته.. فكل منهما يكيد الآخر ويعرقله.. ناسين أنهم جميعا يعرقلون الوطن.
الدساتير فى كل أمة يكتبها الممثلون عن الأمة والمختصون فى هذا الشأن للأمة كلها دون استثناء.. ولكن فى مصرنا المضحكة المبكية يكتب الدستور دائما المنتصر سياسيا ليكرس سلطته وانتصاره.. ويدعم القوى والمؤسسات التى تتحالف معه دون سواها.. إنه يكتب الدستور لنفسه وأعوانه فحسب.
فى مصر المضحكة المبكية يذهب الشعب المصرى للاستفتاء 3 مرات فى أقل من 3 سنوات على ثلاثة دساتير متناقضة ومتباينة.. ويزعم صانعو كل دستور منهم أنه أعظم دستور فى تاريخ مصر.. ويقسمون على ذلك بأغلظ الإيمان.. وجميعهم حصل وسيحصل على أغلبية ساحقة.. والشعب يوافق فى كل مرة على الدستور رغم علله.. طلبا للاستقرار ورغبة فى عودة منظومة الدولة إلى العمل.. وفى كل مرة لا يعود الاستقرار نظرا للاستقطاب السياسى الحاد الذى ضرب مصر كلها.
كل الدساتير وتعديلاتها التى كتبت بعد 25 يناير كانت الأضعف فى كل دساتير مصر.. وذلك أنها كتبت على عجل ودون روية ولم تطبخ على نار هادئة ولكنها وضعت على نار شديدة فاحترقت.. وكتبها كل فصيل على مقاسه وليس على مقاس الشعب ولمصلحته فى المقام الأول.. كما أنها كتبت فى ظل صراع سياسى مدمر ودون توافقات بين كل القوى السياسية والمجتمعية المصرية.
دستور 2012 كان يمنح مصر كهبة للقوى السياسية الإسلامية دون سواهم.. أما دستور 2013 فيعطى مصر كهبة للعسكريين دون سواهم.. وما بين هؤلاء وهؤلاء يتمزق الإنسان المصرى البسيط الذى ينشد الأمن والسلام ولقمة العيش الكريم وحريته وكرامته.
أسوأ ما فى دستور 2013 هو تكريس الصراع بين مؤسسة الرئاسة من جهة ورئاسة الحكومة من جهة أخرى ووزير الدفاع من جهة ثالثة.. إنه دستور ينظر إلى اللحظة الآنية دون سواها.
من سلبيات الدستور الجديد 2013 أنه ترك البت فى وضع أهم مؤسستين حاكمتين فى مصر.. وهى مؤسسة التشريع «البرلمان» والمؤسسة التنفيذية العليا وهى الرئاسة.. أيهما ستبدأ انتخاباته أولا.. وكيف ستتم الانتخابات البرلمانية فردى أم قائمة.. كل ذلك سيتحدد بعد التصويت وليس قبله والمفروض العكس.
ومن سلبياته أيضا تحجيم وتقزيم دور رئيس الجمهورية بحيث أصبح مثل «خيال المآتة» أو الذى يملك ولا يحكم.. فقد توزعت سلطاته الحقيقية وأصبح رئيس الوزراء والبرلمان ووزير الدفاع أقوى بكثير من الرئيس.. وأضحى الرئيس لا يستطيع تنفيذ برنامجه الرئاسى.. وقد تأثر هذا الدستور بوضع مصر الحالى.. ولا يمكن للدساتير التى تؤطر وتقنن للمدى الاستراتيجى البعيد أن تكون أسيرة ظروف آنية وقتية.. وخاصة إذا كانت سلبية.
من حسنات هذا الدستور إلغاء نسبة الـ 50% للعمال والفلاحين لأنها فقدت معناها وقيمتها الحقيقية.. كما أنها ألغت مجلس الشورى لأنه بلا جدوى حقيقية.. ويكلف الدولة مليارات الجنيهات دون أدنى عائد.
كما أنه تحول فى السنوات الأخيرة إلى باب لرشوة من تريد الدولة أو الأحزاب رشوته.. ومن حسناته الاهتمام بالمعوقين حركيا وذهنيا وغيرهم من الفئات المهمشة كما أنه اهتم بذكر الصعيد والنوبة وسيناء لأول مرة.
دستورا 2012 و2013 كلاهما يرسخ لعدم قبول الآخر ويرفض التوافق السياسى والعيش المشترك.