استهداف غربى لصناعة الدفاع التركية - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 2:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استهداف غربى لصناعة الدفاع التركية

نشر فى : الإثنين 21 ديسمبر 2020 - 7:50 م | آخر تحديث : الإثنين 21 ديسمبر 2020 - 7:50 م

إلحاقا بما يناهز 3800 قرار بفرض عقوبات على عديد دول ومؤسسات حول العالم، جاءت عقوبات الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته ترامب على إدارة الصناعات الدفاعية التركية بإيعاز توافقى من الكونجرس وإعمالا للمادة 231 من القانون الفيدرالى لمكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات«كاتسا»، جراء استجلابها منظومات صواريخ «إس 400» الروسية، متضمنة حظرا على منح تراخيص أوتصاريح التصدير الأمريكية لإدارة الصناعات الدفاعية التركية، وتجميد الأصول الخاصة بمديرها، وثلاثة من العاملين معه، وتكبيلهم بقيود التأشيرات.
برغم صعوبة التقويم الدقيق لمدى تلبية صناعة الدفاع التركية الناهضة لاحتياجات أنقرة العسكرية، بعدما ظلت الأخيرة، حتى عهد قريب، ثالث أكبر مستورد للأسلحة عالميا اعتمادا على شركاء الناتو، خصوصا الولايات المتحدة، التى احتكرت وحدها 60 %من إجمالى تلك الواردات، لتغدو تركيا أهم زبائنها، بعدما تخطى إجمالى صفقات التسلح المبرمة بينهما مليار دولار بين عامى 2014 و2019، لا يفتأ المسئولون الأتراك يتفاخرون بتراجع واردات بلادهم العسكرية من 70 % إلى 30% فقط بنهاية 2019، بفضل تنامى قدرتها على إنتاج ما يناهز70 % من متطلباتها من الأنظمة التسليحية محليا، وتحقيق طفرات فى صناعة الطائرات المسيرة والسفن والأنظمة الإلكترونية العسكرية والمركبات المدرعة، سواء بموجب تراخيص أجنبية، أو بالاعتماد على مكونات دقيقة مستوردة، حتى تنامت صادرات الأسلحة التركية بنسبة 170 % بين عامى 2014 و2018، محققة مبيعات بثلاثة مليارات دولار نهاية 2019، حيث أكد نائب الرئيس التركى فؤاد أوقطاى، تجاوز حجم صناعة بلاده الدفاعية 11 مليار دولار، تشمل 700 مشروع، تنفذها سبع شركات، أدرجت ضمن قائمة أكبر مائة شركة عالمية للتصنيع العسكرى، لتحتل تركيا المركز الرابع عشر بين كبريات الدول المصدرة للسلاح عالميا، وتلتحق بنادى الدول الإثنى عشرة المصنعة للمسيرات.
يبقى كعب أخيل الصناعة الدفاعية التركية كامنا فى استمرار اعتمادها على استيراد المكونات الدقيقة والمحركات العسكرية من دول غربية، فى الوقت الذى تشكل حقوق الملكية الفكرية بمجال صناعة السلاح عقبة كأداء أمام أية صناعة دفاعية ناشئة. فلقد حصلت شركة صناعة الطيران التركية على ترخيص من شركة «جنرال داينمكس» الأمريكية المختصة بصناعة المسيرات الهجومية لتصنيع مسيرة تركية، فيما أسس سلجوق بيرقدار عام 2005 شركة «بيكار ماكينا» لتصنيع المسيرات، ليفوز فى عام 2009، بأول عقد لإنتاج وبيع مسيرة مسلحة من طراز «بيرقدار تى بى 2»، التى تم اختبارها عام 2015، قبل أن تستخدم فى التجسس والمراقبة وتوجيه الضربات ضد معاقل حزب العمال الكردستانى بجنوب شرق تركيا والمناطق الحدودية بشمالى العراق وسوريا، ثم لاحقا فى معارك ليبيا وناجورنوكارباخ. وبعد رصد ومعالجة العيوب التقنية التى شابت تلك المسيرات، تمكنت الهيئة التركية للصناعات الجوية والفضائية من إنتاج مسيرة جديدة مسلحة تعمل بمحركين من طراز «العنقاء»، ثم أخرى أكثر تطورا من طراز «أق صونغور».
لئن كان برنامج الصناعات الدفاعية التركية ينشد تحقيق الاكتفاء الذاتى من الأنظمة التسليحية بمختلف أنواعها وإمكاناتها، توطئة لبلوغ ما يسميه المسئولون الأتراك «الاستقلال الاستراتيجى العسكرى» عن الموردين الغربيين، إذ أعلن إردوغان فى مايو الماضى، نية بلاده الامتناع نهائيا عن استيراد أية منظومات تسليحية أو حتى مستلزمات الصناعات الدفاعية بحلول عام 2023، الذى يوافق الذكرى المئوية للجمهورية التركية ومعاهدة لوزان، برأسها تطل العقوبات الغربية على أنقرة كحجر عثرة بهذا الصدد. ذلك أن وضع مدير هيئة التصنيع العسكرى التركية ضمن قائمة الممنوعين من الحصول على تراخيص التصدير أو الوصول إلى النظام المالى الأمريكى، كفيل بدفع الشركات الدفاعية الغربية للإعراض عن التعاون مع نظيراتها التركية تجنبا لاستفزاز واشنطن وتلافيا لعقوباتها، ما سيؤدى إلى عرقلة سلاسل التوريد العسكرى للجيش التركى، وحرمان شركات التصنيع الدفاعى من إنتاج وبيع أسلحة تركية الصنع لدول أخرى، حيث أضحى مشروع تطوير أول دبابة تركية الصنع من الجيل الثانى طراز «ألتاى» على شفا التجميد، بعدما تعذر الانتهاء العام الحالى، إثر إرجاء ألمانيا تزويد تركيا بالمحركات الخاصة بتلك الدبابات، بينما لم يستبعد موقع Defense News احتمال تعليق الكونجرس بيع أنظمة تسليحية لتركيا تشمل الدبابات والطائرات والسفن الحربية، والمسيرات، وإيقافه تراخيص تصدير محركات أمريكية الصنع تحتاجها تركيا لاستكمال مشاريعها الحيوية للتصنيع العسكرى، أوتجميد تنفيذعقد متابعة الترقيات الهيكلية لمقاتلات Fــ16، التى تعد العمود الفقرى لسلاح الجو التركى.
قد يفضى عجز شركات التصنيع العسكرى التركية عن تصميم وإنتاج المحركات العسكرية اللازمة لتشغيل معداتها العسكرية المصنعة محليا، فى الوقت الذى تحرمها العقوبات من استجلاب التكنولوجيا أو مواصلة استيراد المكونات الدقيقة والمحركات الحربية من الغرب، إلى تعذر إتمام الصفقات التى أبرمتها أنقرة لتسويق منتجاتها العسكرية عالميا، على غرار تأخر تنفيذ اتفاق تزويد باكستان بـ 30 طائرة هليكوبتر هجومية تركية الصنع من طراز «تى 129» بقيمة 1.5 مليار دولار، بعدما أخفقت تركيا فى الحصول على تراخيص تصدير لمحركها من طراز «تى 800 4 آيه» الذى ينتجه مشروع أمريكى ــ بريطانى مشترك، الأمر الذى عطل تسليم المروحيات لباكستان رغم انقضاء مدة العقد، واضطرار إسلام أباد لتمديد أجله لعام إضافى. وفى ذات السياق، جاء تأخر بيع مروحيات هجومية لكوريا الجنوبية والفليبين، ثم تعطل مشاريع تصنيع مقاتلات من طراز «إف – 16»، ومقاتلات الجيل الخامس من طراز «تى إف إكس»، والتى تتطلب جميعها رخص تصدير من واشنطن كونها تحتاج لمحركات أمريكية الصنع. وهى الانتكاسات التى دفعت بأكثر من 270 متعاقدا من كبار العاملين فى المجال الدفاعى التركى للرحيل إلى ألمانيا والولايات المتحدة، التماسا لبيئة عمل أفضل.
علاوة على المعارك القضائية الشرسة، التى ستخوضها تركيا لاسترداد عشرة مليارات دولار قيمة شراء مائة مقاتلة من طراز «إف 35» الأكثر تطورا، والتى امتنعت واشنطن عن تسليمها إياها ردا على صفقة «إس 400»، من شأن وقف مساهمة شركات الدفاع التركية بالبرنامج الإيكولوجى لتصنيع تلك المقاتلة أن يحرم صناعة الدفاع التركية من معين تكنولوجى عسكرى ثرى، بما يجهض مشروع تصنيع أول حاملة طائرات تركية من طراز «الأناضول»، التى صممت خصيصا لمقاتلات الجيل الخامس من طراز «إف ــ 35» الشبحية القادرة على الهبوط والإقلاع العموديين. يأتى هذا، بينما تتزامن العقوبات العسكرية الأمريكية على تركيا مع حظر تسليحى فرضته عليها تسع دول أوربية بجريرة غزوها لسوريا فى أكتوبر 2019، فضلا عن حظر شركة «إل 3 هاريس تكنولوجيز»، الكندية تزويد شركة «بايكار» التركية لتصنيع المسيرات الهجومية بأنظمة تصوير واستهداف، على خلفية سماح أنقرة باستخدام مسيراتها فى حرب ناجورنوكارباخ الأخيرة، على غير رغبة الحكومة الكندية. وتحت وطأة انحسار الدعم الاقتصادى والتكنولوجى للصناعات الدفاعية التركية، فى ظل العقوبات الغربية، المتزامنة مع تفاقم عدم اليقين السياسى، وتعاظم الأزمات الاقتصادية، واستفحال جائحة كورونا، باتت سمعة الصناعات العسكرية التركية الناشئة على المحك، مع تفجر الجدل أخيرا بشأن كفاءة وجودة بعض منتجاتها.
ولما كان إردوغان هو المسئول الأول والراعى الرسمى لتلك المنظومة، بإصداره مرسوما رئاسيا فى يوليو 2018 يضع الأمانة الفرعية لصناعة الدفاع تحت إشرافه المباشر، بعد تغيير اسمها ليصبح «رئاسة الصناعات الدفاعية«، فلا مراء فى أن تقويض ذلك المشروع الوطنى، الذى طالما ابتغى به مرضاة الداخل، وتوسل من خلاله إنهاء التبعية للخارج، من شأنه الإطاحة بمخططات الرئيس التركى لتأبيد استئثاره بالسلطة، خصوصا مع تواصل نزيف شعبيته بجريرة تدهور الاقتصاد، وتردى الوضع المعيشى، وتفشى الفساد، وتنامى القمع والاستبداد، وتفاقم الارتدادات الداخلية السلبية لسياسته الخارجية الصدامية.
أما وقد هرول الرئيس التركى للتعلق بتلابيب إيحاءات الخارجية الأمريكية بشأن حرص واشنطن على تلافى إيلام تركيا أو إضعاف قدراتها الدفاعية، عبر الامتناع عن توسيع دائرة العقوبات بما يضاعف مأساة اقتصادها المهترىء، والاكتفاء باختيار أهون البنود العقابية الإثنى عشرة التى يتضمنها قانون «كاتسا»، مختزلة تطبيقها فى العقود الآجلة للصفقات والصناعات الدفاعية فحسب، مع إتاحة الفرصة لأنقرة بقصد التحايل والالتفاف عليها من خلال ابتداع إدارة جديدة للصناعات والمشتروات الدفاعية، تعمل باستقلالية تامة، أو تتبع لوزارة الدفاع، بمنأى عن رئاسة الجمهورية، التى باتت فى مرمى العقوبات الأمريكية، لم يتبق لإردوغان، المتشبث باقتناء المنظومات الصاروخية الروسية حتى الآن على الأقل، سوى رهان واهن على تخلى الكونجرس، بمجلسيه، عن تحامله المفرط على تركيا ورئيسها، عسى أن تجنح إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن لانتهاج سياسة أكثر مرونة حيالهما، تعين بدورها الأتراك على عبور النفق المظلم.

التعليقات