نشرت مؤسسة «Middle East Research and Information Project» مقالا للكاتب «Emilio Spadola» أستاذ مساعد فى الأنثروبولوجيا ودراسات الشرق الأوسط فى جامعة كولجيت ــ والذى يتناول احتجاجات «الحراك الشعبى فى منطقة الريف» احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وتدهور البنية التحتية فى المنطقة فضلا عن مطالبتهم بتغييرات جذرية فى الوضع السياسى، وجاءت هذه الاحتجاجات على إثر مقتل «محسن فكرى» بائع السمك. وفى الوقت الحالى تشهد مدينة جراد المغربية احتجاجات شارك فيها العديد من السكان تنديدا بالأوضاع المعيشية المتدنية وجاءت تلك الاحتجاجات على إثر وفاة شقيقين فى منجم مهجور فى ديسمبر 2017، ولقد أعلنت الحكومة عن خطة طارئة للاستجابة لمطالب المتظاهرين.
استهل الكاتب حديثه بالإشارة إلى الاحتجاجات التى شهدتها المغرب فى أواخر عام 2016 احتجاجا على مقتل «محسن فكرى» بائع الأسماك فى مدينة الحسيمة شمالى البلاد، وتصاعدت تلك الاحتجاجات فى عام 2017 إلى أن أصبحت حركة احتجاجية اجتماعية واسعة تضم متظاهرين من جميع المدن الرئيسية المغربية. تمثل حركة «الحراك الشعبى فى منطقة الريف» أداة رئيسية للتعبير عن مطالب هذه المنطقة التى تعانى من تهميش الدولة. ولقد نددت تلك الحركة بالعديد من المشكلات التى تعانى منها المنطقة وخاصة الظلم والفساد فضلا عن التجاوزات الأمنية. ومن الجدير بالذكر إن «حراك الريف» كان نتيجة إجهاض الحلم الثورى لحركة «20 فبراير» التى نظمت احتجاجات على مستوى البلاد أثناء ثورات الربيع العربى 2011.
وقد كشف الحراك عن فشل الدولة فى تنفيذ العديد من الإصلاحات التى وعدت بها. وهو ما أدى إلى قيام الحكومة بناء على طلب من الملك «محمد السادس» بإقالة الوزراء الذين فشلوا فى تنفيذ مشروع التنمية الاقتصادية المفترض تنفيذه فى منطقة الريف، كما أمر باتخاذ إجراءات صارمة ضد العديد من السلطات المحلية بسبب فشلها فى إدارة مراكز الاستثمار فى المغرب. يبقى أن نرى ما إذا كان رد فعل الحكومة سوف يرضى مطالب «الحراك» والتى تشمل مطالب اقتصادية واجتماعية.
الاحتجاجات المحلية والمطالب المغربية
انتشرت الاحتجاجات بشكل كبير بعد مقتل «فكرى» على يد مسئولين فى الحكومة المحلية والشرطة فى المدينة الساحلية «الحسيمة»، ووفقا لما ذكره شهود العيان أنه بعدما قامت الشرطة بمصادرة أسماك «فكرى» وصيادين آخرين وألقتهم فى شاحنات قمامة، قام «فكرى» بالقفز فى الشاحنة لاستردادها، وعلى الرغم من أن «فكرى» داخل الشاحنة إلا أن شرطى أعطى الأوامر لتشغيل ألة طحن النفايات. ولقد انتشر فيديو مقتل «فكرى» على مواقع التواصل الاجتماعى مما أدى إلى خروج العديد من المتظاهرين للشوارع. ونتيجة لموجة الاحتجاجات الأولى اتخذت الحكومة المركزية إجراءات سريعة بشأن هذه القضية، كما وعد النظام بتطبيق العدالة الناجزة، وبعد تلك الحادثة بفترة قصيرة تم القبض على 11 رجلا متهمين بقتل فكرى من بينهم رجلين من الشرطة المحلية ومسئولين فى إدارة صيد الأسماك، ولقد أشاد والد فكرى بجهود الدولة وأعرب عن ثقته بالقضاء المغربى. ولقد أدرك المتظاهرون أن أعمال الدولة هى مجرد معالجة سطحية للقضية دون وضع حلول جذرية للمشكلات التى تعانى منها المنطقة.
فى الشهور التى تلت ذلك، على الرغم من قيام «الحراك» بتنظيم احتجاجات فى المدن الرئيسية بالمغرب إلا أنه لم يكن هناك أى رد فعل على الإطلاق من جانب القصر الملكى أو من البرلمان أو حتى الحكومة الائتلافية. وبحلول يونيو 2017 تغير الوضع حيث اتهمت الحكومة الائتلافية الجديدة الحراك بزعزعة الاستقرار فى البلاد وتطلعهم إلى الانفصال عن الدولة، كما قامت العديد من صفحات المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعى بتخوين الحركة واتهامهم بالعمل لصالح أجندات خارجية. كما قامت الشرطة باعتقال زعيم الحراك «ناصر الزفزافى» بتهمة مقاطعته لخطيب الجمعة فى أحد مساجد مدينة الحسيمة وتعطيل الصلاة، كما اعتقلت الشرطة نحو 20 ناشطا بتهمة تلقى تمويل أجنبى. وبحلول أكتوبر 2017 ارتفعت أعداد المعتقلين من النشطاء والصحفيين المدنيين إلى 400 شخص، كما أضرب أكثر من 30 شخص عن الطعام. وبعد أكثر من عام على مقتل «محسن فكرى»، استمرت الاحتجاجات بشكل كبير دفاعا عن المعتقلين والشهداء.
الحسيمة.. منارة النيولبيرالية
لقد رفض قادة الحراك كل الاتهامات الموجهة إليهم بسعيهم للانفصال بل طالبوا بوحدة المغرب ولكن مع الاعتراف بالخصوصية الثقافية للريف ونددوا بالتهميش الاقتصادى والعنف السياسى فى الريف. وأثناء الاحتجاجات رفع المتظاهرون صور محسن فكرى وأعلام القومية البربرية فضلا عن صور لعبدالكريم الخطابى ــ قائد جمهورية الريف ــ الذى استقل بمنطقة الريف أثناء الاستعمار الإسبانى وأسس ما يعرف ب«جمهورية الريف» والتى استمرت ما يقرب من خمس سنوات (1921ــ1926).
ولقد ارتفعت وتيرة الاحتجاجات والمطالبات بتغييرات جذرية لإصلاح الوضع السياسى، وتوفير البنية التحتية الضرورية من مستشفيات وجامعات، وزيادة حجم الاستثمارات فى منطقة الريف، والتى تشهد معدلات بطالة مرتفعة فضلا عن فتح تحقيق لكشف ملابسات مقتل «فكرى» والإفراج عن المعتقلين. ورفع المتظاهرون شعار «شعب واحد ودولة واحدة» ردا على اتهامهم برغبتهم فى الانفصال. ولقد تم التركيز على المطالب الاقتصادية ومحاولة إيجاد حل للتهميش الاقتصادى الذى يعانى منه الريف ويكمن هذا الحل فى وضع مخطط للاستثمار الأجنبى فى منطقة الحسيمة إلا أن الحكومة لم تهتم بالمطالب الدولية بالإفراج عن قادة الحركة.
وختاما، لقد أعلن الملك «محمد السادس» فى أكتوبر 2015 مشروع «منارة المتوسط» والذى كان من المقرر أن يكتمل فى عام 2019 بتكلفة قدرها 667 مليون دولار، والذى من شأنه تعزيز السياحة الساحلية، كما يتضمن المشروع استثمارات كبرى فى مجالات الصحة والتعليم والبيئة. وفى خطابه السنوى أمام البرلمان فى أكتوبر 2017، أدان الملك عرقلة المشروع وسوء الإدارة من قبل المسئولين، وأعلن عن تشكيل هيئة حكومية جديدة لرصد المشاريع الإنمائية. ولقد قدم» إدريس جطو» ــ رئيس مجلس الأعلى للحاسباتــ تقريرا عن برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة «منارة المتوسط» وذلك فى إطار اختصاصاته بتقييم المشاريع العمومية. وبالرغم من أن مراجعة الوثائق والبيانات لم تسفر عن الوقوف على حالات غش أو اختلاس، فإن المجلس سجل بالمقابل عدة اختلالات شابت مرحلتى إعداد وتنفيذ هذا المشروع. وفيما بعد، قام الملك بإقالة مسئولين رفيعى المستوى والذى اعتبرته الصحافة الوطنية «زلزالا سياسيا» حيث تعتبر الدولة المغربية أن عرقلة تنفيذ مشروع الحسيمة كان أحد أهم أسباب اندلاع احتجاجات «حراك الريف» والتى انطلقت بعد مقتل بائع السمك «محسن فكرى».
إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى